“أزمة بن كيران”.. بين ابتزاز الأقلية والمأزق الدستوري

لم يهنأ حزب العدالة والتنمية المغربي، بزعامة عبد الإله بن كيران، بتصدره المشهد الانتخابي في استحقاق مجلس النواب الذي فاز فيه بـ125 من أصل 395 مقعدًا، حيث لم تمنحه تلك النسبة الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة بمفرده، الأمر الذي دفعه للبحث عن تشكيل حكومة ائتلافية، عبر الوصول لتحاورات ونقاط وسط، مع الكتل الاشتراكية وباقي الأحزاب المغربية المتلاسنة دوما، ما يوحي باحتمال تدخل العاهل المغربي لفض الاشتباك.
“العاهل المغربي يستقبل بن كيران لتكليفه بالحكومة الجديدة”
حكومة ائتلافية
وكان الملك محمد السادس قد كلف بن كيران في السابع من أكتوبر المنقضي، بتشكيل الحكومة الائتلافية، وعلى الرغم من اقتراب مرور الشهر والنصف، مدة الـ 45 يوما على هذا التكليف، وفق الدستور المغربي، فشل الأخير في التوصل إلى توافق مع بعض الأطراف السياسية، ليخرج معلنا أن بلاده تعيش أزمة سياسية، بعد وصول المشاورات بين الأحزاب السياسية إلى الباب المسدود، خاصة مع تصلب مواقف الأحزاب، وهو الوضع الذي أطلق عليه المغربيون اسم “البلوكاج”، أو كبح السير الطبيعي لعملية تشكيل الحكومة.
“بنكيران وأخنوش .. فشل المفاوضات يهدد بأزمة”
ملامح الأزمة
لم يكتفي بن كيران بالتلميح فقط بوجود أزمة مع بعض الأحزاب، بل تجاوز الأعراف السياسية والحنكة الحزبية، ليعلن على الملأ رفضه شروط رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، حيث دعاه إلى احترام الإرادة الشعبية التي منحت العدالة والتنمية 125 مقعدا في مجلس النواب، ومنحت التجمع الوطني للأحرار 37 مقعدا فقط، وكأن بن كيران هنا يلجأ للحاضنة الشعبية كنقطة ضغط على الملك، وباقي الأحزاب لاستغلالها في مفاوضات التشكيل الحكومي المزمع، الذي يسعى خلاله لتحقيق نصر سياسي تاريخي، يجمع للمرة الأولى الإسلاميين بأحزاب الحركة الوطنية المعروفة تحت اسم الكتلة، وهي الاتحاد الاشتراكي، والاستقلال والتقدم، والاشتراكية، وبين ضمان غالبية برلمانية مريحة، في ظل غياب موقف واضح من حزب الاتحاد الاشتراكي.
استغلال أم ابتزاز
أزمة وجهات النظر بين الأحزاب المدعوة للدخول في الائتلاف الحكومي، تتلخص في رغبة عدد من الأحزاب التعاون مع حزب بن كيران، والاندماج معا لتشكيل أغلبية برلمانية، مقابل أحزاب أخرى ترى في الأمر استغلال سياسي، حيث يسعى حزب العدالة والتنمية للحصول على دعم حزب الاستقلال، وحزب “التقدم والاشتراكية” الشيوعي السابق للانضمام إلى الائتلاف الحكومي، الأمر الذي يرفضه حزب أخنوش وإلى جانبه أحزاب الحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، المطالبين باستعاد حزبي “الاستقلال” و”التقدم والاشتراكية” من الأغلبية الحكومية، الأمر الذي اعتبره حزب العدالة والتنمية ابتزازًا سياسيًا مرفوضًا.
تفاعل الأزمة وسيناريوهات الحل
حزب الأصالة والمعاصرة، الغريم السياسي الرئيسي لحزب “بن كيران”، دخل على خط الأزمة كذلك، داعيا رئيس الحكومة المكلف إلى تحمل كامل مسؤولياته الدستورية، والإسراع بإكمال كل مستلزمات تشكيلها، لأن أي تأخير سينعكس سلبًا على باقي البناء المؤسساتي والدستوري، وعلى الأوضاع في البلاد.
في ظل هذه التجازبات قد يلجأ العاهل المغربي إلى التدخل لحل الأزمة؛ لمنع انتقالها للشارع المغربي، لكن ما هي سيناريوهات هذا التدخل واحتمالاته وتداعياته؟
تتلخص حلول الأزمة في السيناريوهات الممكنة دستوريا وقانونيا، في حال انقضاء المدة المحددة من قبل الدستور، واستمرار عجز رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة، والتوصل إلى اتفاق بين الأطراف السياسية، أولها وهو سيناريو مستبعد كونه يحمل تفسيرا يراه المراقبون باطلا للدستور المغربي، وهو إمكانية إسناد الملك مهمة تشكيل الحكومة إلى الحزب الثاني، بحسب نتائج الانتخابات، وهو هنا حزب الأصالة والمعاصرة الحاصل على 102 صوت.
أزمة مع الشارع
أزمة هذا السيناريو بخلاف مخالفته للدستور من عدمها هو تأجيج الشارع المغربي على القصر، خصوصا وأن الكل يعلم مدى تقارب حزب الأصالة من الديوان الملكي، وهو ما تخشاه المغرب حاليا في ظل النار التي لم تخمد بعد مقتل بائع السمك في الحسيمة، محسن فكري.
السيناريو الثاني وهو سيناريو مقبول إلى حد ما، وهو الذي قد يلجأ إليه بنكيران الآن، لتفادي أية أزمات جديدة، وهو إعلان حكومة أقلية من ثلاثة أحزاب فقط، وبالتالي الاعتراف بفشله في تشكيل حكومة ذات أغلبية، ويقابله سيناريو مرفوض داخل حزب العدالة والتنمية، يقضي بتقديم بن كيران المزيد من التنازلات لمعسكر الأحرار، والحركة الشعبية والدستوريين، وهذا أمر مستبعد لوجود تيار قوي داخل العدالة والتنمية يرفض التخلي عن حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية، بالإضافة إلى أنه لا يمكن منطقيا أن تشارك 7 أحزاب سياسية في حكومة واحدة، بمعنى أن الشارع يصبح وقتها هو المعارضة، بدون تواجد أحزاب معارضة في مجلس النواب.
جدلية بن كيران
أما السيناريو الثالث فهو يقوم على الإطاحة بـ “بن كيران”، وتكليف شخص ثان من الحزب الفائز بالأكثرية، وهو موافق للدستور وفق الفصل 47
ويحول دون الذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، وهو سيناريو ربما يحل بعض الأزمة، حيث تدعي بعض الأحزاب المعارضة أن مشكلتها الآن ليست مع حزب العدالة والتنمية، وإنما مع بن كيران بشكل شخصي، ما يعني أن هناك بوادر لشخصنة الصراع بين رئيس الحكومة المعين، وبين باقي الأحزاب، إضافة إلى أن بن كيران انزلق إلى الردود على ما تقوم به الأحزاب، وهو ما يشكل خروجا عن المطلوب منه كرئيس حكومة، وهو ما قد يدفع الأحزاب إلى التعلل بأن مشكلتها هي شخصية مع رئيس الحكومة، وليست مع حزبه، وبالتالي الضغط من أجل إعمال هذا التأويل للدستور، والسير في اتجاه هذا السيناريو.
انتخابات جديدة
أصعب السيناريوهات وأكثرها سوءا، وربما يكون أقربها للتحقق هو انقضاء المهلة الدستورية، وإصرار كل طرف على وجهة نظره، وبالتالي لابد من اللجوء إلى انتخابات تشريعية جديدة سابقة لأوانها، حيث أن المادة 88 من الدستور المغربي تنص على أنه ” في حالة تعذر تنصيب الحكومة في مجلس النواب، وجب دستوريا إجراء انتخابات في ظرف شهرين على الأكثر، من تاريخ إعلان رئيس الحكومة عن ذلك، وإبلاغ الملك بقرار إجراء انتخابات جديدة”.
رحيل الديمقراطيين
أزمة هذا السيناريو ليست في فكرة إعادة الانتخابات، كونها من وجهة نظر الكثير من المحللين لن تغير من الخارطة السياسية شيئا كثيرا، حيث ستبقي على نفس النتائج تقريبا، مع محاذير ارتفاع نسبة المقاطعين، بسبب الحنق الشعبي على القصر والأحزاب معا، لكن الأزمة هنا في حدوث فراغ دستوري وسياسي، يمكن استغلاله من الداخل المغربي، ورجال القصر في الإطاحة بحزب بن كيران من الواجهة، وهو أمر متوقع في حال وصلت الأمور إلى هذا المنحى الأخير القاضي بإعادة الانتخابات، إذا ما ربطناه بالتغيرات الدولية التي بدأت تظهر بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، خلفا للديمقراطيين الذين دعموا تجارب الإسلاميين في الوصول الى الحكم، داخل مجموعة من الدول العربية… ما يعني أن “بن كيران” وحزبه عليهم التنازل الآن وطواعية عن بعض المكتسبات السياسية، بدلا من أن يتم إجبارهم على التنازل عن معظم أو ربما كل هذه المكتسبات مستقبلا.