سيناريوهات اتفاق الحوثي والسعودية على وقف إطلاق النار

في 15 نوفمبر 2016 أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عن توصل أطراف الصراع في اليمن، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، اعتبارا من يوم الخميس 17 نوفمبر، وهو لم يتم الالتزام به داخليًا.
وأضاف كيري، الذي كان يتحدث في ختام زيارة إلى الإمارات، أن الحركة الحوثية في اليمن وحلفاءها من جهة والتحالف الذي تقوده السعودية من جهة أخرى وافقوا على الالتزام بوقف الأعمال القتالية، موضحا أن نية الجانبين تتجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية بنهاية العام الجاري.
وإذا كانت هذه أول مرة ينص فيها اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في اليمن على تشكيل حكومة وحدة وطنية فإن الإعلان لم يورد أي تفاصيل أخرى لخطة أو إجراءات أو ترتيبات لتنفيذ الاتفاق أو رصد وقف إطلاق النار.
وفي نفس اليوم أكدت وزارة الخارجية العمانية، أنه تم الاتفاق على الالتزام ببنود 10 إبريل 2016م الخاص بوقف الأعمال القتالية اعتبارا من يوم الخميس 17 نوفمبر 2016م شريطة التزام الأطراف الأخرى بتنفيذ ذات الالتزامات، وعلى استئناف المفاوضات نهاية شهر نوفمبر 2016م على أن تعتبر خارطة الطريق، وفق التراتبية، التي قدمها المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن كأساس للمشاورات من أجل التوصل إلى تسوية شاملة للصراع ومنها العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تباشر عملها في مدينة صنعاء الآمنة قبل نهاية عام 2016م.
ورحبت الخارجية العمانية بما اسمته “الاتفاق”، وتمنت أن تساهم هذه الخطوة في استئناف المفاوضات اليمنية وصولًا إلى تحقيق تسوية شاملة في اليمن.
الاتفاق لا يعني الحكومة
ولم يتأخر رد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والتي لم تكن طرفا في الاتفاق على ما يبدو. فقد قال عبد الملك المخلافي وزير الخارجية في حكومة عبد ربه منصور هادي إن “لا علم لحكومته بالاتفاق” وإنها “غير مهتمة به أصلا”. مضيفا أن إعلان كيري “يمثل رغبة في إفشال مساعي السلام بمحاولة الوصول لاتفاق مع الحوثيين بعيدا عن الحكومة”.
واتهم المخلافي في تغريدة على حسابه في تويتر الوزير الأمريكي قال فيها “الوزير كيري يسعى لتخريب جهود السلام من خلال محاولة التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين بشكل منفصل عن الحكومة الشرعية.”
وتنم تصريحات وزير الخارجية اليمني عن أن السعودية ربما تجاوزت الاتفاق مع حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليا. فالنص يشير إلى طرفين فقط هما السعودية والحوثيون دون ذكر للقوات العسكرية الموالية للرئيس هادي أو للوحدات المقاتلة التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح. فماذا تعني صيغة هذا الاتفاق وماذا يكمن في خباياها؟
وتاليًا قراءة فقط لهذه الاتفاقية علمًا أن الغارات السعودية على اليمن ومواقع الحوثيين قلت بشكل ملحوظ يوم الخميس وهو اليوم المعلن عن بدء سريان الهدنة بين التحالف والحوثيين، وكذلك لم يسجل أي اشتباكات في الحدود أو إطلاق صواريخ بالستية تجاه المملكة العربية السعودية، عدى استعار الحرب في الجبهات الداخلية، من خلالها تمكنت المقاومة الشعبية في تعز من السيطرة على أحياء عدة في المحافظة.
الحكومة اليمنية قالت إن الخارجية الأمريكية اعتذرت للرئيس هادي
غير أن الحكومة اليمنية أعلنت يوم الخميس من خلال موقع وكالة الأنباء اليمنية سبأ التي تديرها من الرياض، اعتذار نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي تيم ليندر كينغ للرئيس اليمني هادي عن حديث جون كيري، دون أن تعلن وزارة الخارجية الأمريكية، وهو أمر يبدو فيه نوع من الغرابة أن يعتذر نائب مساعد وزير دون وزير الخارجية نفسه أو تصدر بيان توضح حقيقة ما قاله كيري.
وإعلان الوكالة يعد تكذيبًا رسميا لإعلان وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي مساء الثلاثاء 15 نوفمبر أنه جرى التوصل إلى اتفاق مع أطراف النزاع اليمني لتطبيق خريطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة، وتوقعه أن يتم الاتفاق خلال الشهر المقبل على حكومة جديدة.
وهو أيضًا تكذيبًا لتصريحات وزير الخارجية الأميركية جون كيري، في ختام جولة قادته إلى كل من سلطنة عمان والإمارات، والذي تحدث فيها عن اتفاق التحالف مع الحوثيين على وقف الأعمال القتالية اعتبارًا من يوم الخميس 17 نوفمبر، والعمل من أجل تشكيل حكومة وحدة بحلول نهاية العام انسجاما مع المقترح الأممي الأخير.
ومع إعلان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ونظيره العماني، وإعلان حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين موافقتهم لوقف إطلاق النار، وصمت وغريب من قبل التحالف العربي الذي تقوده السعودية عن تلك التصريحات، فإن لهذه الاتفاقية سيناريوهات عدة نلخصها في التالي.
سيناريو الاتفاق
قد ترغم المملكة العربية السعودية الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي على تنفيذ بنود الاتفاق كاملة، مقابل أن يكون الحوثيين هم ذراعها في اليمن لمحاربة الإخوان المسلمين وتضييق الخناق على الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ويبدو أن الدعوة التي وجهها جون كيري وزير خارجية أمريكا إلى الحوثيين دون وفد صالح، تتعلق بمجاملة المملكة العربية السعودية التي تعتبر أن صالح سببًا رئيسيًا في صمود الحوثيين لما يزيد عن عشرين شهرًا في الحرب التي قادتها الرياض، وتريد أن تعاقبه بتجاهله تمامًا عن أي تسوية سياسية، وربما قد تثير الخلافات فيما بعد بينه وبين الحركة الحوثية (قد تبدأ من خلال الاختلاف على الحقائب الوزارية) حينما يتم الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وجماعة الحوثين جنبًا إلى جنب مع الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وحزب الله اللبناني ضمن القائمة الأمنية لدى المملكة العربية السعودية في تصنيفهم إرهابيًا وخطرًا عليها، وهذا سيناريو قد يكون بعيدًا في تنفيذه، لأن السعودية لن تتحالف مع “زيدية” قريبة إلى الفكر الشيعي التي تدعمهم إيران.
اكتفى حزب صالح بالتوقيع على موافقة وقف إطلاق النار على ورقة أرسلت له عبر البريد الالكتروني
السيناريو الثاني
قد تعلن المملكة العربية السعودية التزامها بالاتفاق المبرم بينها وبين جماعة الحوثي، لكي تخرج من المستنقع اليمني، وستوقف الطلعات الجوية والقصف الجوي، لكنها ستعطي الضوء الأخضر لهادي وحكومته برفض مبادرة جون كيري.
الموافقة السعودية والإماراتية والرفض الحكومي علنًا لمبادرة جون كيري قد تكون ضمن اتفاقية سعودية مع الحكومة اليمنية، تسعى المملكة العربية السعودية من خلالها الخروج من المستنقع اليمني في أقرب فرصة ممكنة، وقبل استلام دونالد ترامب الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية المقرر في 20 يناير القادم خوفًا من السياسة الأمريكية الجديدة، هذه الاتفاقية قد تحوي على أن تتوقف الرياض عن الدعم الجوي لحكومة هادي في الحرب مع استمرار فرض الحصار الجوي والبري والبحري على اليمن خوفًا من وصول أسلحة جديدة للحوثيين، وهو تطبيقًا لأحد بنود القرار الأممي 2216 في منع توريد الأسلحة للحوثيين، ودعم الحكومة لوجستيًا وفي العتاد والأسلحة لتستمر الحرب الداخلية اليمنية، لتكون بذلك حققت السعودية أحد مكاسب هذه الاتفاقية.
السيناريو الثالث
قد يكون هذا الإعلان من أجل أن تعمل المملكة العربية السعودية على ترتيبات لوجستية عسكرية، منها تكملة نصب بطاريات باتريوث الأمريكية، لصد هجمات الصواريخ، وهذه الترتيبات تستدعي التهدئة عبر اتفاق لوقف إطلاق النيران.
فالحوثيون لديهم ضعف سياسي وغير متمرسين عليه، لكونهم لم يتجرعوا التدريبات الكافية في الشأن السياسي، فهم حركة “مليشاوية” لا تفقه في السياسة، وهم يعتمدون أحيانًا على توجيهات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ولعل الدليل الذي يثبت في هذا السيناريو هو حرص السعودية على التفاوض مع الحوثيين دون صالح، وقبول جماعة الحوثي التفاوض بعيدًا عن شريكهم دون حتى استشارته أو رفض الخروج مع وفده، لكونهم شركاء في الميدان، أيضًا تربطهم اتفاقية سياسية تمخض عنها “المجلس السياسي الأعلى”، سوى إبلاغه بالنتائج ومطالبته بالقبول أو التوقيع على ما نتج عن المحادثات.
يبدو أن التسوية السياسية سيتم حلها من طرف واحد وهو بين الجانب اليمني والسعودي
بهذه التصرفات يبدو أن المملكة العربية السعودية تجس نبض الحوثيين لتقرأ مستقبل تحالفهم مع صالح إن كان متينًا أو هشًا، لتنفذ خيارات أخرى تستطيع من خلالها القضاء على خصميها مع مرور الوقت.
أيًا من تلك السيناريوهات صحيحة، فإن المملكة العربية السعودية تريد أن تخرج من الحرب في أقرب وقت ممكن، لتتخلص من العبء والخسائر المتلاحقة بها.
لماذا السعودية تريد الخروج من المستنقع اليمني؟
السعودية خلال الحرب تعرضت لاستنزاف بشري ومالي كبيرين، خلال فترة قيادتها لعاصفة الحزم؟
وتتحمل السعودية بشكل أساس تكاليف الحرب كونها تقود تحالف “عاصفة الحزم” إذ تشارك لوحدها بمائة طائرة مقاتلة، كما أن حدودها الطويلة مع اليمن تشهد حربًا شرسة، وتقدم لوحدات من الحرس الجمهوري اليمن في قرى جازان وعسري، وتسبب أضرارًا لا تتوفر معلومات حول حجمها الحقيقية.
أما بالنسبة للطائرات فإن تكاليف استخدام مثل هذا العدد منها تقدّر بما لا يقل عن 175 مليون دولار شهريا.
ولها بارجتين بحريتين مستأجراها وتكلفة البارجة الواحد يوميًا 150 مليون دولار يومياً، أي “300” مليون دولار يومياً للبارجتين وتوابعهما، والبارجة تحمل على متنها 6000 جندي بعدتهم وعتادهم، و”450″ طائرة بطياريها، وعليها أيضاً مدافع وصواريخ بعيدة المدى، أي أن إجمالي تكاليف البارجتين مع توابعهما بلغ 162 مليار دولار خلال سنة ونصف.
تكاليف نفقات قمرين صناعيين للأغراض العسكرية: تكلفة الساعة الواحدة “مليون دولار”، وبعملية حسابية بسيطة، نجد أن تكلفة القمرين في اليوم الواحد “48” مليون دولار، أي مليار و440 مليون دولار خلال الشهر الواحد، وفي حال ضربها بستة شهور يكون الناتج ما يزيد عن 26 مليار دولار.
إضافة إلى تحليل وعرض واستخراج المعلومات من الصور والبيانات التابعة للأقمار الصناعية العسكرية بتكلفة 5 ملايين دولار يومياً للقمر الواحد، أي 10 ملايين دولار يومياً، أي 300 مليون دولار شهرياً، ليصل المبلغ إلى ما يزيد عن أربعة مليار دولار خلال العام والنصف.
قد يكون هذا الإعلان من أجل أن تعمل المملكة العربية السعودية على ترتيبات لوجستية عسكرية، منها تكملة نصب بطاريات باتريوث الأمريكية
هذا فضلا عن خسائرها الأخرى في تدمير آلياتها العسكرية، وسقوط “الأباتشي” ومقتل العديد من جنودها في مناطق الصراع على حدودها مع المملكة العربية السعودية، إضافة إلى خسائرها على الأرض من خلال تقدم الحوثيين وقوات صالح في قرى جازان وعسيري، وزد على ذلك القادم المجهول الذي يحمله الرئيس الأمريكي للمنطقة بشكل عام والسعودية خصوصًا، كل ذلك جعلها تفكر مليًا بالانسحاب من المستنقع اليمني، وتحويل الصراع إلى الداخل فقط.
آخر فرصة
إذا كان هذا الإعلان من قبل جون كيري وحده فقط، فإنه يسعى لتحقيق انجاز في نهاية مدته الدبلوماسية وآخر زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، بعد الفشل الذي حققه في تحقيق أي تقدم لحلّ الأزمة السورية وأزمة شبه جزيرة القرم والقضية الفلسطينية وأدخلت مفاعيل دولية عديدة لم تكن موجودة من قبل مثل روسيا وإيران في سوريا، وظهور تنظيم الدولة.
وإن كان يعتبر فشلًا ذريعًا لإدارة أوباما فـ”كيري” يتحمل النصيب الأوفر منها، كما أن الإنجاز الوحيد الذي حققته كان (الاتفاق النووي) ويظهر أنه “هشّ” وقد بدأ يتآكل، لذلك فلم يبقى لجون كيري إلا اليمن ليحاول تحقيق انجاز في وقت يبدو أنه قد يمر سريًعا دون أن يستطيع كيري تحقيق طموح النجاح في آخر فرصة.
الخلاصة
من خلال ما سبق يبدو أن التسوية السياسية سيتم حلها من طرف واحد وهو بين الجانب اليمني والسعودي، لكن لن تتم على مستوى الداخل إلا عبر عدد من المغالطات، وقد تتوصل الرياض إلى إنهاء مغامرة التدخل المباشر، متخفية وراء دعم حلفاءها، أي أن اليمن ستبقى في دوامة حرب طويلة، بينما كل ما ستفعله السعودية تأمين حدودها، وهو خيار سياسي.