حتى هذه اللحظة، لا تعترف الولايات المتحدة الأمريكية، بأن مدينة القدس المحتلة هي عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا الموقف الذي فشل 20 مرشحاً أمريكيا سابقاً في تغييره، قد بُبدل ويقلب رأسًا على عقب بعد وصول الرئيس دونالد ترامب المثير للجدل إلى كرسي الرئاسة ودخوله البيت البيض.
فترامب وطوال حملته الانتخابية كان يؤكد عزمه نقل السفارة الأمريكية من مدينة “تل أبيب” إلى القدس، الأمر الذي أغضب الفلسطينيين، وجعلهم يترقبون سنوات”مظلمة” بعهد الرئيس الأمريكي الجديد، في ظل التصريحات الخطيرة التي كان يطلقها حول “المستوطنات ونقل السفارة ودعمه المطلق لإسرائيل”.
ورغم الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، عسكريا، وسياسيا، واقتصاديا، إلا أن خطوة نقل السفارة تشكل رمزية كبيرة وقد تساهم في تفجير وإشعال المنطقة، إذ أنها قد تعطي ضوءا أخضر لإسرائيل للاستمرار في الاستيطان بالضفة الغربية والقدس المحتلة، وقد تحذو دول أخرى حذوها إذا ما قرر ترامب بشكل قاطع نقل السفارة.
غضب فلسطيني وتهديد باستخدام السلاح
صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عبر عن غضبه على ترامب إثر هذا الوعد، قائلًا: “تمثّل تصريحاته احتقارًا للقانون الدولي وللسياسة الخارجية الأمريكية”.
وقال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إنه:”إذا قرر الرئيس المنتخب دونالد ترامب، تطبيق وعده بنقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، فإن الفلسطينيين “سيمررون حياة” الولايات المتحدة في مؤسسات الأمم المتحدة.
وأضاف منصور: “إذا هاجمونا من خلال نقل السفارة إلى القدس المحتلة، فسيشكل ذلك خرقا لقرار مجلس الأمن ولقرار الجمعية العامة 181، الذي صاغته الولايات المتحدة. خطوة كهذه تعني إظهار العدوان ضدنا، وإذا فعلوا ذلك، لن يتمكن أحد من اتهامنا بتفعيل كل أسلحتنا في الأمم المتحدة من اجل الدفاع عن أنفسنا، ولدينا الكثير من السلاح في الأمم المتحدة”.
وأشار السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة:”إن الرد الفلسطيني على نقل السفارة إلى القدس لن يكون عبر تمرير قرار في مجلس الأمن لأنه يمكن للولايات المتحدة فرض الفيتو، لكنه “يمكن لنا تمرير حياتهم كل يوم بإجبارنا لهم على فرض الفيتو على طلب انضمامنا كدولة دائمة العضوية في الأمم المتحدة”.
وعرض منصور سلسلة من خطوات الرد التي يمكن للفلسطينيين اللجوء إليها، كعقد جلسات طائرة لمجلس الأمن أو ما اسماه “إعادة فتح صندوق بندورا” المتعلق بقرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الفاصل أو المستوطنات.
لكن السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة، زلمان شوفال، حاول تهدئة الفلسطينيين، وقال:”جميع مرشّحي الرئاسة الأمريكية وعدوا بنقل السفارة إلى القدس، وبعد ذلك يتراجعون”، مضيفاً:” سبق لعشرين مرشّحًا رئاسيًّا أمريكيًّا منذ العام 1972 أن وعدوا بالأمر نفسه تمامًا، منهم جورج بوش الابن عام 1999، والرئيس رونالد ريغان في 1984، وكذلك منافسة ترامب اللدودة، هيلاري كلينتون، لكن بعد ذلك يتراجعون”.
كان ثلاثة رؤساء أمريكيين هم بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، أجلوا نقل السفارة إلى القدس المحتلة رغم موافقة الكونغرس بشقيه على النقل
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد عبّر عن رأيه بشكل حازم عام 1995، مشرّعًا “قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس”، ونصّ القانون أن “سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل ستُنقَل إلى القدس في موعدٍ لا يتأخر عن 31 أيار 1999″، ولكن ذلك لم يحدث بعد.
وقال ترامب وبعض مستشاريه خلال الحملة الانتخابية انه:” إذا فاز في الانتخابات فستعترف إدارته بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لـ”إسرائيل”، وسيطبق قرار الكونغرس بشأن نقل السفارة إلى القدس. كما قال ترامب ذلك لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، أثناء اجتماعه به في نيويورك في أيلول الماضي.
لكنه بدا في نهاية الأسبوع وكأن طاقم ترامب الانتخابي يحاول التراجع عن هذا التصريح، وقال المستشار السياسي لترامب، وليد فارس، في لقاء مع شبكة BBC، إن:” ترامب قصد نقل السفارة إذا حظي القرار بالإجماع”.
وفي الموضوع نفسه، قال نائب الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، للصحفيين:” إن كل الإدارات الأمريكية، جمهورية وديمقراطية، رفضت الاعتراف بسيادة أي دولة على القدس، ومنذ 1995، فرض الرؤساء من الحزبين الفيتو على تطبيق قرار الكونغرس المتعلق بنقل السفارة إلى القدس”.
دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو أثناء جولة “ترامب تور”
خطوة خطيرة.. وترقب إسرائيلي
من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، أن تصريحات ترامب كانت جزءا من حملته الانتخابية، وأنه ليس كل ما يقال في الحملة الانتخابية يرى النور واقعا، مشيراً إلى أن ترامب سيفكر كثيرا قبل القيام بالخطوة، وربما يؤجلها إلى نهاية فترته الرئاسية إذا ما فكر في الترشح لفترة ثانية.
وعن الأسباب التي تجعل نقل السفارة أمرا صعبا، قال أبو سعدة، إن:” القرار يتناقض مع القانون الدولي، وسيضر بعلاقات أمريكا مع 56 دولة إسلامية بينها 22 دولة عربية يربط بعضها علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
كما لفت إلى أن نقل السفارة قد يكون عاملا في زيادة التطرف في المنطقة، وستكون “صبا للزيت على النار” وستعقد الأمور أكثر من السابق.
كان ثلاثة رؤساء أمريكيين هم بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، أجلوا نقل السفارة إلى القدس المحتلة رغم موافقة الكونغرس بشقيه على النقل، ليبقى ملفا مؤجلا لحين إطلاق ترامب وعدا بإنفاذ القرار.
وبحسب القانون الدولي تعتبر القدس مدينة محتلة، وعليه تمتنع الدول الكبرى عن نقل سفاراتها إليها رغم إصرار الجانب الإسرائيلي على أن القدس العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل.
على الجانب الأخر، ينتظر الإسرائيليون بفارغ الصبر وعد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بنقل سفارة بلاده من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، وسط تشكيك من مراقبين بقدرة ترامب على تنفيذ وعده.
ودعت وزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكد من حزب “البيت اليهودي” ترامب إلى الوفاء بوعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في خروج عن سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية.
كما دعت تسيبي هوتوفلي، نائبة وزير الخارجية وهي من حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس بلدية القدس نير بركات، إلى نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة.