لا شكّ أن حالة حقوق الإنسان في مصر، منذ الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، تعيش أسوأ عصورها على الإطلاق، خصوصًا، مع تزايد إنتهاكات الحقوق الإنسانية على كُل المستويات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
يقول الكاتب السياسي الساخر جلال عامر، رحمه الله، “لا تنس أن مصر فيها ربع آثار العالم وثلاثة أرباعها إذا أضفنا إليها آثار التعذيب”.
داخل أسوار السجن وخارجه
في مصر، يُعد سجن بُرج العرب (غرب الاسكندرية) من السجون شديدة الحراسة، والذي تم بنائه عام 2004 ليكون معتقلًا جنائيًا وسياسيًا، كما كان يُصنف ضمن السجون التي كانت تستقبل المعتقلين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين، إبّان فترة حكم المخلوع حسني مبارك.
تحدث حاليًا داخل أسواره وخارجها، كارثة إنسانية منذ خمسة أيام، بدأت بإطلاق قوات الأمن قنابل الغاز واعتدت بالضرب على المعتقلين ما أسفر عن إصابة بعضهم بحالات اختناق ونزيف، ما دفع مركز الشهاب لحقوق الإنسان للمطالبة يوم الاثنين الماضي، بوقف الإنتهاكات بحق المعتقلين بالسجن ومحاسبة المتورطين فيها، فيما حمّلت أسر المعتقلين الداخلية المسئولية عن حياه ذويهم.
ووفق حبيبة رشاد -ابنة أحد المعتقلين السياسيين بالسجن- فإن القصة بدأت بمطالبة محكومي الإعدام بزيادة ساعات التريّض وتوفير دورات مياه نظيفة، الأمر الذي قوبل بتعنت إدارة السجن وقيام ضابط باقتحام زنازينهم وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع داخلها ما أدى لإصابة أحد المعتقلين نقل على إثرها إلى المستشفى، وهناك نقل المعتقل المصاب ما حدث لمعتقلين في عنابر أخرى وهو ما دفع جميع المعتقلين إلى التضامن والهتاف ضد إدارة السجن، لتقوم الإدارة بتعميم انتهاكاتها ضد الجميع وخاصة عنبري 21 و22، حيث اعتدت بشكل فج على نزلائهما، حسبما صرّحت ابنة المعتقل، لموقع الجزيرة نت.
في اليوم التالي، منعت إدارة السجن أهالي المعتقلين من الزيارة، وبعد أن سجّلت الأسر أسمائها في عشرين قائمة، سُمح لثلاثة قوائم فقط بالدخول، والذين تعرّضوا لتفتيشٍ مُهين، ولم يستطيعوا إدخال الزيارة لذويهم، ما دفع جميع الأهالي للتجمهر أمام السجن، والهتاف ضد الإدارة، التي أخبرتهم بإلغاء الإدارة، بحجة أن ذويهم هم من يرفضون الحضور للزيارة، وليس العكس.
يوم الثلاثاء، شاهد الأهالي عربات للترحيلات تنقل، عددًا من المعتقلين، إلا إنه تم منع بعضها من الخروج، بعد وقوف الأهالي أمامها، إلا أن مؤسسات حقوقية، ذكرت أن مائتين وخمسين معتقلًا تم تغريبهم إلى سجونٍ أخرى، حيث تم نقل مائة وخمسين منهم إلى سجن جمصة ومائة آخرين إلى سجن المنيا دون أمر قضائي، وثمانية وعشرين إلى سجن وادي النطرون، وهو نوع من التأديب الذي ليس له سند قانوني، حسب وصف المنظمات.
وعن هذا التغريب، يقول الناشط الحقوقي ومدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، هيثم أبوخليل “من أمس وأنا قاعد أراجع قانون تنظيم السجون بمواده ولائحة مصلحة السجون وتعديلاتها، لم أجد أثر لهذه العقوبة مطلقًا، كعقوبة إدارية تأديبية وجدت المادة ٤٤ تتحدث عن حبس انفرادي وحرمان من إمتيازات ولم أجد أثر لهذه العقوبة المؤلمة للمعتقل وعائلته”.
وتنص المادة رقم 95 من دستور عام 2014 على أن”العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”. ومن يقرر عقوبة التغريب هذه هو مأمور السجن، وهو شخص غير مُخول بإصدار أحكامٍ قضائية، وبالتالي فهي عقوبة غير قانونية حسب الدستور المصري.
https://www.facebook.com/alexporisonersfamilies.official/videos/1017915415001128/
ونقلت مصادر، لنون بوست، ما حدث أمس الخميس، حيث بدأ اليوم بتطويق مداخل السجن بحواجز أمنية وقوات فض شغب، وتم تسجيل الاسماء للزيارات خارج السجن لليوم الثالث على التوالي. لتدخل في الزيارة الأولى أربعة كشوف فقط.
https://www.facebook.com/alexporisonersfamilies.official/videos/1017655271693809/
وتقول المصادر، إن الأهالي، خرجوا في حالة انهيار لرؤيتهم ذويهم بملابس دامية ووجوه مصابة وعظام مكسورة وحروق، لتكون ردة فعلهم، هي الهتاف ضد إدارة السجن، فتم محاصرتهم بالقوات وتهديدهم بالاعتداء عليهم وعلى معتقليهم.
أما بالنسبة للمعتقلين، فأكدت المصادر، لنون بوست، استمر الاعتداء عليهم بالضرب واطلاق الغاز داخل الزنازين وإطلاق الخرطوش ورصاصات الصوت، وتم تجريدهم من كل متعلقاتهم، عدا طقم ملابس واحد ولم يتم السماح بدخول الملابس الا غيار داخلي واحد.
ونقل ناشطٌ إعلامي بمحافظة الاسكندرية، لنون بوست، أن أهالي المعتقلين، توجهوا لمحكمة المنشية ظهر الخميس، لتحرير محاضر عن الاعتداء عن ذويهم، إلا أن وكلاء النيابة امتنعوا عن كتابة هذه المحاضر، مادفع الأهالي للتظاهر أمام مبنى المحكمة.
وحتى كتابة هذه السطور، فإن عدد من تم تغريبهم إلى سجون بعيدة، لم يتم إحصائه بعد، بشكل كامل، إلا أن مصادر خاصة بنون بوست، رجّحت، وصول عدد المغرّبين إلى 800معتقل، وهو العدد الذي هدد به اللواء حسن السوهاجي المعتقلين، في بداية الأزمة، وأكدت المصادر، أن سيارات الترحيلات تدخل وتخرج إلى السجن بشكلٍ مستمر.
ونقلت صفحة رابطة أسر المعتقلين بسجون الأسكندرية على فيسبوك تهديدًا وجهه السوهاجي إلى أسر المعتقلين قائلًا “انتم ستات كبار انتوا بتهتفوا بره واحنا لينا اجراءات جوه احنا حنغرب وعندنا اجراءات تانيه، انتم بتقولوا يسقط حكم العسكر واحنا بنرد عليكم فيهم. تخبيط على الابواب ده كان زمان وبتوع الاعدامات احنا حنموتهم ومش من حقهم اي حاجه ولا حمامات ولا اي حاجه هما عاوزين يتعاملوا زي الناس.”
كُل هذه الانتهاكات، دفعت شقيقة أحد المعتقلين، للاتصال بعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق لاخباره بما يحدث، فاكتفى باعطائها عنوان المجلس وأغلق الهاتف في وجهها.
لكن، هل يعلم جورج إسحاق، أن الشاب معاذ عبدالعزيز، الذي كان يقبع في السجن مع شقيقه التوأم مصعب، وتم تغريبهما إلى سجن جمصة، قد فقد الذاكرة نتيجة لصدمة عصبية لما لاقاه من تعذيب داخل أسوار سجن برج العرب؟ حيث تقول مصادر خاصة لنون بوست، أن أسرة المعتقل، فوجئت بهذه المصيبة، أثناء ذهابها للاطئنان عليهم في السجن.
+18
هذا الأسبوع أيضًا، حمل كارثة جديدة، داخل مقرات الاحتجاز في مصر، هذه المرة في قسم شرطة الأميرية شمال القاهرة. حيث انتهت مشادة كلامية مع نقيب شرطة بالقسم ويدعى كريم مجدي إلى قتل المواطن مجدي مكين خليل.
المحامي علي الحلواني كشف لموقع البداية، إن الضحية مجدي مكين خليل، تم القبض عليه مساء الأحد الماضي، أثناء عودته من عمله، مستقلًا عربته “الكارو”، بعد مشادة مع الضابط، موضحًا أن نقيب الشرطة اعتدى عليه وقام باصطحابه إلى القسم، حتى علمت أسرته صباح الاثنين بوجوده بمستشفى الزيتون جثة هامدة. فيما قال عيسى جاد قريب الضحية أنهم اكتشفوا في المستشفى علامات تعذيب واضحة على جسده “جايب دم من مؤخرته وعينيه مزرقة وتجمعات دموية ورا ودانه”.
وحصل موقع البداية، على مقطع فيديو يُظهر مشاهد قاسية للتعذيب على جسد الضحية، ونزيف وأثار دماء على مؤخرته وخلف أذنه وزرقان قوي حول عينيه.
ونقلت الصحفية، يارا صالح، التي كشّفت الجريمة على موقع البداية، في تقريرٍ لها، عن أحد أقارب “مكين” قول شهود عيان، تابعوا واقعة اعتقال الضحية “قالولي إنه كان بيجري والحكومة بتجري وراه، لغاية ما الميكروباص زنقه وقلبه بالكارو، ونزل منه بتاع 10 أمناء قعدوا يضربوا فيه بطريقة بشعة، وبعدها اتصلوا بالظابط اللي جه بموتوسيكل، وقعد يضرب فيه أكتر ما الأمناء ضربوه.” وتم سحل الضحية لمسافة كبيرة، ثم وضعوه في “بوكس” الشرطة، حسبما نقل الموقع.
وكعادة وزارة الداخلية في نفيها للجرائم التي يرتكبها أفرادها، نقل الموقع عن اللواء طارق عطية، مساعد وزير الداخلية للإعلام، قوله “إن المواطن مجدي مكين خليل، لقي مصرعه مساء الأحد الماضي، نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية، بعد القبض عليه واثنين آخرين وبحوزتهم 2000 قرص ترامادول”، نافيًا أن تكون الوفاة نتيجة التعذيب بقسم شرطة الأميرية”.
انتهاكات بالجملة
ولا تتوقف حوادث الاعتقال والاخفاء القسري في مصر، فالنشرات الحقوقية، تعج بعشرات الحوادث أسبوعيًا، بين تعذيبٍ في مقرات الاعتقال أو انتهاكاتٍ لمنع الزيارات أو التنكيل بالمعتقلين نتيجة المطالبة بحقوقهم.
لا تنس أن مصر فيها ربع آثار العالم وثلاثة أرباعها إذا أضفنا إليها آثار التعذيب
ففي سينا فجّر الجيش المصري عشرة منازل في قرية قرية العكور بعد أسبوع من الحصار والقصف المدفعي والجوي، فيما لجأت عشرات العائلات إلى المناطق الزراعية بسبب العمليات العسكرية في القرية، فيما لم يقدم لهم الجيش أي تعويضات أو دعم لهم، حسب مصادر قبلية.
وقضت المحكمة العسكرية بالمنصورة بالسجن بحق 54 معتقلًا بـ921 سنة في أحكام تتراوح ما بين المؤبد والسجن المشدد ما بين عشرة أعوام وخمسة عشرة عام وخمس سنوات وثلاث سنوات.
وكشفت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عن وفاة الإمام والخطيب بالأوقاف فتحي محمد إسماعيل داخل محبسه بسجن الزقازيق العمومي، وذلك نتيجة الإهمال الطبي المتعمد بحقه، حيث كان يعاني إسماعيل من ضيق التنفس وحساسية الصدر، وتعنتت قوات الأمن في السماح بدخول الأدوية له أو عرضه على الأطباء، وكانت التنسيقية قد أصدرت تقريرًا، للنصف الأول من العام الجاري رصدت فيه وفاة 180 مسجونًا جراء الإهمال الطبي في السجون.
ونقل الصحفي المعتقل، سامحي مصطفى، أن الزميل المعتقل محمد العادلي، عوقب بالتأديب، بسبب فضح الاهمال الطبي الذي يحدث في مستشفى السجن، حيث يُجبر ضابط يدعى أمير صقر الأطباء على عمل تقارير للخروج من المستشفى دون الخضوع للعلاج، وترفض النيابة كتابة محضر ضد، هذا الضابط.