إذا نظر أحدنا إلى خريطة الرؤساء الأمريكيين، منذ ولادة هذه الدولة الإمبريالية الدموية، لأدرك دون الدخول في الحسابات الانتخابية، أن ترامب هو المرشح الأقرب للفوز، وإذا سألت أحد السياسيين حاكيًا له عن تاريخ السياسة الأمريكية دون ذكر أسماء، لرشح لك للفوز السياسة الهوجاء الشعبوية للمدعو ترامب.
ذلك أن السياسة الأمريكية في التعامل مع عالم الخارج والداخل، أشبه بسياسة العصا والجزرة، فالحزب الجمهوري يمثل سياسة العصا، والحزب الديمقراطي يمثل سياسة الجزرة.
ولم يخطئ من قال بأن الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجهان لعملة واحدة، ومن ثم فلا فرق بين هيلاري وترامب في نهاية الأمر، كذا لم يخطئ من قال بأن الذي يقدم السم واضحًا خير من الذي يدسه لك في العسل، فالسياسة الأمريكية محددة سلفًا، والفرق بينهما في آليات التنفيذ.
الرئيس جورج دبليو بوش
فبعد ما قام به بوش الابن من العربدة الخارجية (العصا) التي كلفت الولايات المتحدة قرابة عشرة تريليون دولار كانت كفيلة بحدوث الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بالولايات الأمريكية إلى الانكفاء الداخلي بدرجة كبيرة، حتى قال وزير الدفاع الأمريكي في 2011 أن من ظن قيام أمريكا بحرب مثل العراق أو أفغانستان فمكانه في مستشفى المجانين.
وهل صعد الدب الروسي إلا في فترة حكم “غطرسة القوة” (بوش)، وهل واصل التنين الصيني تنفسه حتى اتسع صدره ليبتلع أطرافًا من أنحاء العالم، ويصل نموه الاقتصادي لأرقام لم يسمع بها من قبل، وتغزو الصين دولاً بسياسات اقتصادية فريدة مثل “الأموال السائلة”، هل حدث هذا إلا في فترة “المحافظين الجدد”، وهل تكونت مجموعة البريكس إلا في تلك الفترة كذلك.
كان حتمًا أن تأتي سياسة (الجزرة)، وديمقراطية أوباما، الذي جاء بوعوده السخية الحالمة الواهمة والخادعة وسياساته المترددة البائسة، وسنوات الفرص الضائعة التي لم تساهم إلا في مزيد من سياسات الدولة المارقة، كـ”عقيدة الصدمة” و”الفوضى الخلاقة”، وزعموا، والمزيد من رجال الاقتصاد المأجورين الذين يغتالون الدول، الناتج “تحطم الأمم”، والإجابة الشافية عن السؤال الأهم: لماذا تفشل الأمم؟ كي ندرك نهاية الأمر: ماذا يريد العم سام الهيمنة أم البقاء؟
ما أدى إلى مزيد من التغول الروسي والتمدد الصيني والتوحش الإيراني ودخول العالم في فوضى تعدد الأقطاب وصعود الديكتاتوريات العسكرية خادمة الإمبريالية الرأسمالية، واليمين المتطرف خادم اليسارية البائدة، والشيوعية الزائلة، وبروز وجوه جديدة ولاعبين خارج إطار الدول، وإدارات التوحش الباحثة عن الخلافة الضائعة، ناهيك عن عربدة الدولة اللقيطة في أرض فلسطين المحتلة، وهي من أكبر الفائزين.
فماذا عن الداخل الأمريكي، مزيد من البؤس والفقر والبطالة وتكريس المال في أيدي نفس الحفنة من رجال الأعمال الذين يحكمون العالم جنبًا إلى جنب رجال السلطة، ذلك التزاوج الكاثوليكي الصليبي الصهيوني الماسوني الرأسمالي الإمبريالي الاستعماري البغيض، وفق نظريات التبعية المقيتة، فـ”من يجرؤ على الكلام”، فضلاً أن يستطيع أن يفعل شيئًا؟
فلم يأت أوباما بأي علاج حقيقي لإرث الكراهية الدولية للوحش الأمريكي، ولا الأزمة الاقتصادية الداخلية، إن لم يكن قد زاد الطين بلة على الصعيدين الخارجي والداخلي، وكل ذلك من مخلفات بوش كما يقولون، ولكنه في الحقيقة من مخلفات سياسات “النيوليبرالية”.
فمن ينتظر بعد ذلك: هيلاري (الجزرة) أم ترامب (العصا)؟
الإجابة في غاية الوضوح، إنه الوجه الجديد للنيوليبرالية، وتحطم الأمم، والمزيد من صدمات: الحروب والاقتصاد والقهر، والسطو على العالم، كل ذلك مغلف في دستور الحرية والديمقراطية الحلم، على رقعة الشطرنج الكبرى، إنها ببساطة لعبة العصا والجزرة “لعبة الأمم”.
ويقفز إلى الأذهان هذا السؤال بواقع الحال: هل يستطيع ترامب إنقاذ أمريكا حقًا؟