جلست مع أستاذي نتحدث عن شجاعة الاختيار وقيمته في الحياة وكيف أن جبناء العالم لا تميزهم الحياة بل تبتليهم إجبارًا لأنهم لم يكونوا شجعانًا كفاية ليختاروا الطريق، قال لي رغم حبي وتصديقي لشرف وإخلاص الرئيس المدني المنتخب الدكتور محمد مرسي فإنه ظل يؤجل القرار الشجاع بمحاكمة القتلة حتى أخذوا هم القرار الأسود واغتالوا أحلام الحرية وأهدروا دماء المزيد، لقد خشي الرئيس أن يأخذ قرارًا تراق فيه دماء واجبة فكانت النتيجة أن أريقت الدماء الحرام أنهارًا وحتى اليوم.
متظاهرون يواجهون الأمن في شارع محمد محمود
في ذكرى مجزرة محمد محمود نتذكر كيف واجه حفنة من الشباب الرصاص بصدورهم العارية، لم يكن الرصاص وحده ما واجهوه بل كان التخوين والاتهام بالعمالة والتآمر، العجيب أنه بالرغم من اتهاماتهم فإن العكس منها قد حدث وكانت تلك الأحداث سببًا مباشرًا في إجراء الانتخابات الرئاسية ونجاح صوت الشارع في انتزاع أول رئيس مدني منتخب، الحرية التي ذقناها لأول مرة بعد حكم عسكري استمر 60 عامًا كان سببه تلك الدماء التي سالت في محمد محمود، هؤلاء الذين جمعهم حب الوطن، ولا أنسي أبدًا منظر الشباب الذين وقفوا للصلاة وحولهم صنع المسيحيون دائرة حماية وكانوا يضربونها بعنف لكنهم لم يتزحزحوا حتى أنهى الشباب صلاتهم.
الفترة الماضية قامت احتجاجات كبيرة في دولة المغرب الشقيقة لأن أحد الضباط تعنت مع بائع سمك فقير يدعي محسن فكري وألقى بحمولة رزقه في حاوية القمامة، فما كان من البائع إلا أن قفز خلف رزقه قاصدًا انتشاله من قلب الحاوية فقال الضابط لعامل الحاوية #طحن_مو أي (اطحن أمه) وبالفعل استجاب العامل للأمر وشغل الحاوية وطحنت عظام الرجل مع رزقه وكانت صورة العامل وجسده مهشمًا وبارزًا من القمامة تذكر بمشهد الشاب الذي ألقاه عسكر مصر في القمامة بعد قتله على مرأى ومسمع من العالم.
يبدو أن الجلادين في كل أنحاء العالم يتحدثون لغة واحدة والشعوب الممتهنة على اختلاف أجناسها تعيش ذات المأساة، عندما قال عمر بن الخطاب كلمته الشهيرة “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”، ربما لم يكن يعرف أن تساؤله سيمتد إلى يومنا هذا!
اليوم نجد نفس الصورة لبائع سمك آخر لكن من مصر يدعى مجدي مكين جرجس سحله ضابط بعد مشادة كلامية وقعت بينهما في أثناء عودته بعربته “الكارو” في طريقه إلى البيت وقتله بعد تعذيبه في قسم شرطة الأميرية، ثم أدرك بعد موته أن الرجل مسيحي فصرح قائلاً: “لم أكن أعرف أنه مسيحي كان ملتحيًا ويردد حسبنا الله ونعم الوكيل”، رفضت أسرته استلام الجثمان المليء بآثار امتهان فادحة وتم نقله للمشرحة لكتابة أسباب الوفاة، واتهمت الأسرة ضابط قسم الأميرية المعني بتعذيبه حتى الموت.
الفارق أننا لن نجد هنا رد فعل مثل الذي كان في دولة المغرب ولا أدري تمامًا ما السبب! هذا المواطن أيضًا أهدرت حياته ظلمًا تمامًا كما أهدرت حياة بائع السمك المغربي، لكن الشعب المصري قد وصل لمرحلة تبلد عجيبة كأن الرصاصات التي أصابتنا منذ ثورة الياسمين وحتى اليوم قتلت فينا الأحياء الثائرين وما بقي سوى صدى الموت في أنفاس الخانعين.
الفلسطينيون في القدس يحتجون على منع الأذان
مشهد آخر من بلاد الزيتون حيث أصدر الكنيست قرارًا بمنع الأذان في القدس المحتلة لنفاجأ بمشهد رائع حيث رفعت مدينة السلام الأذان من الكنائس وأسطح البيوت في صوت واحد يوجه رسالة واضحة “الرصاصات التي لا تفرق بيننا لا تهزمنا بل تزيدنا وحدة وتزيد التحام الصفوف”.
في القدس كان المشهد ثوريًا بالرغم من أنها أقدم البلاد المحتلة والرصاصات التي وجهت لها منذ صدور وعد بلفور وحتى اليوم لم تكن كافية لقتل الأمل ولا النضال في عروق شعبها الحر، نحتاج درسًا في الصمود والأمل، نحتاج درسًا في الحياة وجمع الشمل، نحتاج شمسًا تشرق على أوطاننا المحتلة من قلوب أهل فلسطين الأبية، فربما نتعلم الدرس ونهزم تلك الرصاصات التي لا تفرق في القتل والإبادة بين شعب وآخر في أوطاننا العربية المحتلة من أنظمة قمعية تقتات على الموت وصوت الرصاص.