“لقد قاموا بوضعي داخل صندوق، وقالوا لي انظري يا فتاة، هذا ما هو مسموح للمرأة المحجبة أن تفعله فقط”، هكذا بدأت فرانكا سويريا حديثها الذي بدأ بروايتها عن قصتها الشخصية لارتدائها الحجاب، قائلة بأنها كانت تعمل في واحدة من أكبر الجرائد الإعلامية من قبل، وكانت من أكثر الكاتبات اهتمامًا بالكتابة عن الحجاب في إندونيسيا، وكيف أصبح من الظواهر المنتشرة بين النساء المسلمات في ذلك الوقت، حيث كانت ترى في ذلك إضافة جديدة ومختلفة إلى عالم الأزياء الذي كانت تكتب عنه في الجريدة، ومن هنا تحولت “فرانكا سويريا” من مجرد كاتبة عن الأزياء الإسلامية إلى صانعة لها.
تابعت فرانكا بأنها لم ترتد الحجاب إلا منذ ثلاث سنوات فقط، أي منذ مجيئها إلى تركيا للعمل والاستقرار فيها، فتقول بأن الحجاب كان شائعًا للغاية في إندونيسيا، ورغم عملها في الأزياء وشغفها بالكتابة عن التيار الجديد الإسلامي في صناعة الأزياء، لم ترغب بارتدائه في ذلك الوقت، خوفًا من الحكم عليها مسبقًا في كونها تُقلد من تكتب عنهم تقليدًا أعمى لأنها ظاهرة منتشرة ليس إلا.
“انتقلت إلى تركيا وبدأت حياة جديدة، لا أحد يعرفني هنا، لذا قررت المضي قدمًا على ما عزمت عليه، أن أقوم بتغيير قواعد اللعبة”
لتصبح فرانكا إحدى مؤسسات موقع Alahijab.com، وهو الموقع الوحيد العالمي والمختص بالأزياء المحتشمة والإسلامية، وكانت فيما قبل من إحدى رواد صحوة الزي الإسلامي بعالم الموضة في إندونيسيا، حيث كانت نائب قسم العلاقات الدولية والعلاقات العامة لاتحاد الأزياء في إندونيسيا، وهي الحركة الأكثر تأثيرًا بعالم الموضة في القارة الآسيوية، كما يُدعم الاتحاد ماديًا من الحكومة الإندونيسية، بالإضافة إلى رعايته من قِبل الشركات الخاصة، والعديد من وكالات الدعاية والإعلان.
على الرغم من تأثير فرانكا محليًا في عالم الأزياء، إلا أنها انتقلت من تلك المرتبة، لتصبح مديرة العلاقات الدولية في “مودانيسا” Modanisa، وهو الموقع التجاري للأزياء الذي يحظى بزيارة 6 مليون زائر شهريًا، والمصنف رقم واحد على قائمة أفضل المواقع للتجارة الإلكترونية في مجال الأزياء المحتشمة.
“أسبوع الأزياء المحتشمة في إسطنبول”
صورة من فعاليات أسبوع الأزياء المحتشمة في إسطنبول
تعتبر فرانكا أحد المؤسسين الرئيسين لأول عرض عالمي للأزياء المحتشمة، الذي أُقيم في إسطنبول ما بين 13-14 شهر مايو/ آيار الماضي، والذي اعتبرته فرانكا بمثابة جسر يربط الشبكة القائمة على العمل في مجال الأزياء المحتشمة عبر الدول المسلمة منها وغير المسلمة، حيث كانت فرانكا مسؤولة العلاقات الدولية للحدث، ودعت بنفسها مصممي أزياء غير مسلمين، يعملون كذلك في نفس المجال، كما ذكرت أيضًا تلقيها للتهنئة من مصممي أزياء يهود على “أسبوع الأزياء المحتشمة”، باعتبارهم مصممي أزياء محتشمة للمجتمع اليهودي كذلك.
بالرغم من افتخار فرانكا الشديد بحدث الموضة العالمي التي كانت جزءًا كبيرًا من نجاحه العام الماضي، فإنها لا تنسى ذكر خيبة أملها من الأتراك بعد إقامة الحدث، فرغم تلقيها التهنئة من مختلف المصممين من مختلف الأديان، لاقت ردة فعل سلبية شديدة من الأتراك على المستوى المهني وكذلك على المستوى الاجتماعي، حيث شهد الحدث مظاهرات في الشوارع عقب انتهائه منددة بمحاولة بعض الأجانب تغيير الثقافة التركية تجاه الزي الإسلامي وتغييره، فقاموا بانتقاد كل عارضات الأزياء المشاركات في العرض، ووصفهم بأنهن لا يلقن بتمثيل الزي الإسلامي مع ارتداء ملابس ضيقة ووضع مساحيق التجميل.
كما تلقت فرانكا نفسها على الموقع الخاص بالحدث وعلى إيميلها الشخصي انتقادات سلبية من الجمهور التركي، متهمين إياها بمحاولة التغيير الخارجي للثقافة الإسلامية التي تربى عليها الأتراك لمئات السنوات ولا يمكن تغييرها بمجرد حدث للأزياء، إلا أن فرانكا قامت بإنكار ما سبق، محاولة أن تفسر مهمة حدث كذلك، وهو فرض الزي الإسلامي على ساحة الموضة العالمية، والقدرة على المنافسة مع العلامات التجارية المشهورة، بالإضافة إلى إبراز نموذج للمرأة المسلمة على الساحة الدولية بشكل مميز واحترافي، وليس عن طريق الصورة النمطية له التي يحفظها الغرب له ظهرًا عن قلب.
فرانكا بإحدى فعاليات الملابس المحتشمة في إندونيسيا
تتابع فرانكا في حديثها أنه لكي نكون جزءًا متصلًا بالعالم يجب علينا أن نتقبل الآخر، وأن نكون منفتحين لتقبل الأفكار الجديدة، وهذا ما كرهته في انتقادات الأتراك السلبية لها، واصفين ربطات الحجاب المقدمة في العرض بأنها ليست حجابًا من الأساس، وأنها مجرد عرض أزياء يدفع إلى جلب مزيد من المال، وبالرغم من أن الحدث كان بالفعل عرضًا للأزياء المحتشمة، فلم يكن غرضه المال على الإطلاق، حيث تشير فرانكا إلى كون الحدث من أهم الجسور بين شبكات الموضة المحتشمة حول العالم للتجمع ومحاولة التعاون في المشاريع القادمة، والتي تعد برؤية ثمارها في أسبوع الأزياء المحتشمة لعام 2017، والذي من المتوقع له أن يتم تنظيمه في إسطنبول للمرة الثانية، بالإضافة إلى مدينة أوروبية أخرى سيتم اختيارها فيما بعد.
“أنت محجبة، مسلمة، لا يمكنك أن تكوني مصممة للأزياء”
لقد أصابتني العنصرية ضد وجود المحجبات في مجال الأزياء بالإحباط في مرات عديدة، حيث تتابع فرانكا بأنها لا ترى في غطاء الرأس شيئًا يمنعها من تصميم الأزياء التي تواكب المجتمع المدني المتحضر، كما كونها محجبة وتتحدث عن الأزياء، جعلها تشعر في العديد من المناسبات بالسطحية، فهذا ما لاقته من ردة فعل الجمهور لها.
على النقيض الآخر، لاقت فرانكا انتقادات سلبية من المجتمع المسلم نفسه على مشروع الأزياء المحتشمة الدولي كذلك، حيث لاقت انتقادات مثل “هل تحاولين تغيير الدين؟ هل سيتم تطويع الحجاب ليرضي المفاهيم الغربية؟ لماذا تقدمين نموذجًا مختلفًا عما اعتادت عليه المرأة المسلمة بالفعل”؟
ترى فرانكا أن صناعة الأزياء المحتشمة من أفضل الوسائل الممتعة والمسلية للتعريف بالدين الإسلامي، فمن خلالها يتساءل العملاء عن أهمية ارتداء زي كهذا، ومنهم من يتطرقون للأسئلة عن الدين نفسه، ليسألون ما الحجاب؟ وما الإسلام؟ حيث واجهت فرانكا ذلك من خلال حديثها مع الصحافة الفرنسية بحد قولها في الصيف الماضي بشأن قضية منع البوركيني (ملابس السباحة المحتشمة) من على الشواطئ الفرنسية، لتجيب بأن البوركيني ما هو إلا وسيلة للتكيف، لإدماج المرأة المسلمة في المجتمع الغربي دون تخلصها من معتقداتها الدينية، فنحن نريد في النهاية أن نعيش كلنا في سلام معًا، لذا فإن الأزياء الإسلامية لا تحاول خلق مجتمع منغلق على نفسه، بل هي وسيلة رائعة للتكيف، فإذا كان تحقيق السلام ممتعًا كتصميم الأزياء، فلم لا؟
غلاف مجلة مودانيسا
لا تجد فرانكا عيبًا أو نقصًا للمرأة المحجبة أن تفعل ما تريد، فمن حقها ركوب الدراجة، ومن حقها وضع مساحيق التجميل، حيث واجهت مثل تلك الاعتراضات في أثناء حديثها مع “أسوشيتيد بريس” بحسب روايتها، قائلة بأن الإعلام الدولي يعتبر وجود المرأة المحجبة في مكان لم يعتد العالم على رؤيتها فيه، أو في أثناء قيامها بنشاطات تقوم بها المرأة غير المحجبة بأن ذلك نوعًا من أنواع التمرد المجتمعي، لتجيب فرانكا بأن المرأة المحجبة هي امرأة عادية قررت أن تخرج في صباحها مرتدية غطاء على رأسها، فسنرى المحجبة تفعل أي من نشاطات المرأة غير المحجبة، وسيستمرون في التعجب من ذلك، ما داموا قرروا تجريد المحجبة من الرغبات الإنسانية العادية!
أسبوع الموضة المحتشمة في تركيا في أثناء غياب الأتراك!
“أرى أن كل شيء في تركيا مهيمن عليه من قِبل السياسة”، فعلى الرغم من إقامة الحدث الأول للأزياء المحتشمة في إسطنبول، إلا أن مودانيسا وفرانكا تلقوا الدعم التركي معنويًا فقط، حيث أخبرتها العديد من شركات الأزياء التركية بعدم رغبتها لحضور الحدث أو التعاون فيه، كما تعاونت بعض الأطراف التركية إلا أنهم رفضوا التصريح بأسمائهم أو نشر صور لهم في الحدث بسبب الخوف من إبرازهم في الإعلام التركي كونهم مؤيدين للأزياء الإسلامية، وهو ما تأخذه العديد من الأطراف الحزبية في المجتمع التركي على محمل سياسي.
صناعة الأزياء قبيحة حتى ولو كانت إسلامية
فرانكا بعرض الأزياء المحتشمة في إسطنبول
لا تعتبر صناعة الأزياء المحتشمة قديمة العهد في عالم الموضة والأزياء، لذا يمكننا اعتبارها كمجتمع صغير، حيث تتابع فرانكا “بالرغم من أن هدف صناعة الأزياء المحتشمة النبيل، فإنها لا تخلو من السرقة، حيث يسرق المصممون أفكارهم من بعضهم البعض، بل يسرقون أحيانًا مصممين من شركات بعضهم البعض، حيث ترى فرانكا بأن الجميع يريد أن يربح من وراء هذه الصناعة، ولذا تتحول فيما بعد إلى أقل حشمة وأقل احترامًا.
لا يمكنني اعتبار تلك الصناعة خاصة فقط بالأزياء الإسلامية، نعم، هي تستهدف المرأة المسلمة بدون شك، إلا أن فرانكا تراها صناعة للملابس المحتشمة أكثر منها صناعة للملابس الإسلامية، حيث ترى بأن الاحتشام في الملبس واجب على المجتمعات المتحضرة والملتزمة بعض الشيء، فلا يوجد شرط يحتكر صناعة الملابس المحتشمة على المرأة المحجبة فحسب، وهذا ما تحاول فرانكا تغييره أيضًا في عالم الأزياء على المستوى الدولي.
أنهت “فرانكا” حديثها بأهمية كون الجيل الجديد جيل التغيير، حيث قررت هي كذلك تغيير قواعد اللعبة، والمخاطرة بتجارة كان من المؤكد فشلها في السوق الدولي، إلا أن مودانيسا انتشرت في القارة العجوز بشكل سريع، لتكون أعلى مبيعاتها في فرنسا بالمرتبة الأولي، وتليها ألمانيا، وهذا يعني أنه برغم التيار العاتي المواجه للفكرة، لم تنتشر إلا فيما بينهم، وهو ما يؤكد على أن تغيير قواعد اللعبة شيء ممكن، وأننا قادرون على التغيير بالفعل!