ترجمة حفصة جودة
طول سنوات عملي لم أشاهد أبدًا صورًا مروعة لإصابات مثل تلك الصور، حيث يتمدد الأشخاص على أرضية غرفة الطوارئ، ويختلط الموتى بالأحياء، كان أحد زملائي الذين أتحدث معهم باستمرار، يرسل لي تلك الصور ويقول في يأس: “ديفيد، يجب أن تفعل أي شيء لمساعدتنا”، لكن ما الذي أستطيع فعله؟
الرسالة التي وصلتنا من شرق حلب، هي أن جميع المستشفيات لم تعد تعمل على الإطلاق، وذلك بعد تعرضها للهجوم مرات عديدة خلال الأيام الماضية، بعض المستشفيات كانت قادرة على إجلاء المصابين، لكن أحدهم تم تدميره تمامًا بواسطة الصورايخ والقنابل، وقد سمعت أن اثنين من الأطباء قتلوا وأصيب 16 شخصًا من طاقم المستشفى، أخشى أن يكون أحد الطبيبين هو الجراح البارع، فهذه خسارة كبيرة للغاية.
هناك أيضًا مستشفى آخر لم تصلنا منه أي رسالة، لذا أظن أنه لا يعمل أيضًا، لكننا لا نعلم أي شيء عن الموظفين أو الظروف هناك.
كانت مستشفيات حلب قد أُعيد افتتاحها عدة مرات، تحت الأرض أو في أمكان جديدة، لكن الآن بين القصف والحصار، لا أدري إذا كان من الممكن أن يحدث هذا مرة أخرى، فهم بحاجة لكثير من المعدات لاستئناف العمل، كما أنه لا يوجد تعقيم أو أجهزة مراقبة التخدير، وحتى لو تمكنت المستشفيات من إنقاذ بعض الأجهزة فلن يستطيعوا تشغيلها، لأن المولدات قد تم تدميرها أو نفذ منها الوقود.
تدمير تلك المستشفيات والمراكز الطبية التي تمنح الناس الأمل وتساعد المدنيين، لم يكن من قبيل المصادفة، فالفريق الطبي لديه روح معنوية عالية حتى إنك لا تتوقع منهم الاستسلام أبدًا، لكن هذه المرة لدي شكوك مروعة بأن هذه هي النهاية.
كان زملائي في حلب قد حذروني قبل أسبوع قائلين: “الآن هو الوقت المناسب للقيام بشيء ما”، فقد كانت تصلهم الكثير من الرسائل النصية على هواتفهم من حكومة الأسد، وكانت المدينة تغرق في المنشورات التي تقول: “إذا لم تغادروا خلال 24 ساعة فسوف نقتلكم جميعًا”.
لقد بذلت قصارى جهدي لدق ناقوس الخطر، لكن الجميع خارج حلب تجاهلوه ووصفوه بأنه دعاية، بعد ذلك بدأت الهجمات، لقد كانت متواصلة وعبارة عن وابل لا يطاق من جميع أنواع الأسلحة، أحد الزملاء أخبرني بأنهم قاموا بإحصاء 1700 هجمة فردية، ما بين براميل متفجرة وكلور وصواريخ كبيرة مدمرة.
يقول أصدقائي إنهم لن يغادروا، فليس هناك أي ضمانات للمرور الآمن، لكنني أخشى أن بقائهم يعني موتهم، فلا أحد يستطيع الوقوف في وجه الأسد والروس، وقد رأينا ما يستطيعون القيام به في جروزني عام 1994.
يجب على شخصٍ ما في مكانٍ ما أن يرفع الراية البيضاء ويقول: “دع هؤلاء الناس يرحلون”، يجب أن يتم نقل المدنيين والأطباء إلى أماكن آمنة شمال سوريا، حيث توجد مناطق منزوعة السلاح نسبيًا، والمستشفيات تعمل بها، وربما يتم إقامة منطقة حظر جوي هناك ومنطقة حظر قنابل، وقد تقوم الأمم المتحدة بإنشاء مخيم للاجئين هناك.
هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أن الوضع لا يمكنه أن يستمر أكثر من ذلك، لقد بذلنا جميعًا قصارى جهدنا، وساعدنا الأطباء على الاستمرار، لكن في وقت ما يجب أن تدرك – رغم كل ما تفعله – أن جميع الاحتمالات ضدك.
على مدى الثلاثة أشهر الماضية، تحدثت إلى جميع وسائل الإعلام وإلى جميع السياسيين الذين استطعت الوصول إليهم، لدفع روسيا نحو الاعتراف بمسؤوليتها عما يحدث، لكنني لم أجد أي استجابة.
لذا، أجد أن ما نكتشفه اليوم مأساويًا تمامًا، فقد كان واضحًا ما نحن مقدمون عليه، لكننا لم نفعل أي شيء حيال ذلك.
المصدر: الغارديان