بينما يحق لـ “جورج” الطفل الأمريكي أن يستيقظ صباحًا ويفتح عينيه على نظرات والدته الشقراء، وهي تقول له “good mornıng boy“، كذلك “سيزر” البريطاني وغير ذلك من أطفال العالم الذين ينعمون بحياة آمنة وعيش رغيد، وحق لهم أن يحتفلوا بعيدهم الذي يصادف العشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر المسمى باليوم العالمي للطفل وفق هيئة الأمم المتحدة.
وليس بعيدًا عن “جورج” وسيزر”، فهذا “جمال” الطفل الفلسطيني الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يستيقظ كل صباح على “عواء” السجانين والمياه الباردة التي يرش بها إيذانًا بموعد الاستيقاظ، يغيب عن جمال صوت الوالدة الحنون، يصطف مع أقرانه في طابور طويل لينعم بدخول الحمام الوحيد الذي يتقاسمه مع رفاقه في زنزانة ضيقة.
يحق أن يسأل جمال وكل طفل فلسطيني إن كان لهم نصيب في هذا اليوم العالمي للطفولة، وهل لهم محل من الإعراب في قاموس القانون الدولي وحقوق الأطفال، وكيف تنظر إليهم الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان مقارنة بنظرتها إلى جورج وأمثاله؟
في هذا اليوم فرصة سانحة لنقرع ناقوس الخطر ونتحدث عن أطفال فلسطين الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كنموذج مصغر عن معاناة الأطفال في ظل الاحتلال، ومحنتهم مع حصار غزة والحروب العدوانية والاعتقالات والقتل في مخالفة واضحة وانتهاك صارخ للقوانين الإنسانية الدولية.
الأطفال الأسرى
تعتبر مصلحة السجون الإسرائيلية عُمر الطفل بأقل من 16 سنة، وهذا يعد انتهاكًا للقوانين الدولية التي تحدده بـ 18 سنة وما دون، كما يتعرض الأطفال الأسرى للتعذيب والتحرش الجنسي والحبس مع الجنائيين الصهاينة ومساومتهم للإيقاع بهم في شرك العمالة مع الاحتلال، علاوة عن التعذيب النفسي الذي يمارسه السجان بحق الأطفال الفلسطينيين.
يعتقل الاحتلال الصهيوني في سجونه 300 طفل دون 18 سنة، من بينهم 150 طفلاً أعمارهم أقل من 15 سنة، وارتفعت وتيرة اعتقال الأطفال خاصة في مدينة القدس المحتلة خلال عام 2014 حيث تعرض 900 طفل للاعتقال، واعتقل أكثرهم خلال المواجهات مع جنود الاحتلال دفاعًا عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، في حين تعرض 760 طفلاً للاعتقال في عام 2013، واشتدت وتيرة اعتقال الأطفال في القدس المحتلة على إثر اندلاع انتفاضة القدس في أكتوبر 2015 الماضي وصلت إلى 700 حالة اعتقال، في حين سجلت 600 حالة اعتقال لأطفال في القدس في عام 2016، من بينهم 9 أطفال أقل من 14 سنة.
كذلك 4 فتيات قاصرات أسيرات في سجون الاحتلال وهن من القدس، وأصغرهن الطفلة منار شويكي 15 سنة اعتقلت في شباط 2016.
إحدى المعتقلات الفلسطينيات
يتعرض الأطفال الأسرى في السجون الإسرائيلية لأبشع أساليب التنكيل والتعذيب وخاصة في سجون التوقيف والتحقيق، حيث يحتجزهم الاحتلال في غرف صغيرة وبأعداد كبيرة، ويبتزهم ويضغط عليهم للارتباط معه والعمالة، بعد تهديدهم بالسجن لفترات طويلة أو نسف المنزل واعتقال الأهل، ويعتدي عليهم بالضرب المبرح والهز العنيف وتقييد الأيدي والأرجل وعصب الأعين واستخدام الصواعق الكهربائية والشبح والحرمان من النوم والضغط النفسي والسب والشتم.
كما يعاني الأطفال الأسرى من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته وانعدام النظافة وانتشار الحشرات والاكتظاظ والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، وكذلك يعانون الإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية ونقص الملابس والحرمان من زيارة الأهل والمحامي وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين والاحتجاز مع البالغين ومع أطفال جنائيين صهاينة والتفتيش العاري وتفتيش الغرف ومصادرة الممتلكات الخاصة وكثرة التنقل وفرض الغرامات المالية الباهظة ولأتفه الأسباب والحرمان من التعليم.
وثقت عمليات اختطاف لأطفال أعمارهم دون 12 سنة، وهذا مؤشر خطير على اتباع سلطات الاحتلال لسياسة جديدة تستهدف هذا الجيل الصغير لإرهابه وتدميره وزرع الخوف والجبن في نفسيته، ويحكم الاحتلال على كل طفل تثبت عليه تهمة رشق الحجارة على جنوده من 10 إلى 20 سنة سجنًا، في محاولة إسرائيلية لإيقاف المد الثوري الفلسطيني.
كما يتعرض الأطفال الأسرى للإهمال الطبي الذي أدى إلى زيادة عدد المرضى بينهم، حيث يرتفع عددهم عن 50 طفلاً مريضًا، والاحتلال لا يقدم لهم العلاج اللازم، ويرفض أن يحضر لهم طبيبًا مختصًا لكي يطمئن على حالتهم الصحية، وإن أغلب الأمراض التي يتعرض لها الأطفال الأسرى هي انتشار حالات التسمم، كما حدث عندما سجلت 10 حالات بالتسمم بين الأطفال الأسرى في سجن “تلموند”، نتيجة تناولهم لوجبة معلبات فاسدة قدمتها لهم إدارة السجن، وتشير مصادر إسرائيلية أن 14% من الأطفال الأسرى تعرضوا للتهديد بالتحرش الجنسي من قبل السجانين الصهاينة خلال فترات التحقيق معهم.
شهادات حية من أطفال تعرضوا للتعذيب في أثناء الاعتقال وفي السجون الاسرائيلية
الطفل الأسير يوسف خليل عبد الحميد ترتير، من سكان مخيم عسكر قضاء نابلس، اعتقل بتاريخ 5/10/2009، من حاجز مخيم شعاف قضاء القدس وهو من مواليد 4/2/1993م، حيث انقض عليه الجنود الموجودون على الحاجز فأمسكوه وأنزلوه من الباص وعند نزوله ضربه جندي على رأسه بالبندقية فوقع أرضًا، وأكملوا عليه بالضرب بأيديهم وبأحذيتهم، ونتيجة لهذا الضرب الوحشي أغمى عليه فجره الجنود إلى داخل غرفة بجانب الحاجز، فأيقظوه وقاموا بتعريته من جميع ملابسه ثم بدأ حوالي 15 جنديًا بضربه في جميع أنحاء جسمه لمدة ساعة ونصف مما أدى إلى تعرضه لإصابات عديدة في وجهه ورأسه وظهره وبشكل متعمد على أعضائه التناسلية ونزف الكثير من الدماء، ففقد وعيه وأغمي عليه أكثر من مرة.
بعد حوالي الساعة والنصف من الضرب المستمر لم يعد بإمكانه الحركة أو حتى الوقوف على رجليه لذلك قام أحد الجنود بإلباسه ثيابه ثم جروه على الأرض وهو ينزف، ولم يقدموا له أي علاج يذكر ولم يسمحوا له بتنظيف وجهه وجسمه من الدماء ثم ادخلوه الى الجيب التابع لهم لنقله الى مركز التحقيق.
الأسير نصار عاطف يوسف جرادات، من سكان سعير قضاء الخليل، مواليد 9/6/1994م، اعتقل بتاريخ 2/2/2010م، من بيته الساعة الرابعة صباحًا، أخذه الجنود إلى مستوطنة “كريات أربع”، بقي لليلة واحدة وحقق معه خلال أربع ساعات، ثم نقلوه إلى معسكر “عتسيون” وهناك حقق معه ثانية خلال يوم واحد لعدة مرات، بين التحقيق والآخر كان ينتظر في الخارج في البرد القارس وتحت المطر الغزير، خلال التحقيق ضربه محقق صهيوني بشكل وحشي على وجهه وجسمه وتعرض لضربات قوية على رجليه التي شلت حركته وهدده باستعمال الكهرباء لتعذيبه إذا لم يعترف.
الأسير صهيب عيسى خالد الهبل، مواليد 18/2/1994 من سكان بلدة (خربة مصباح) قضاء رام الله، اعتقل بتاريخ 26/11/2008، من البيت الساعة الثالثة صباحًا، أدخله الجنود إلى الجيب التابع لهم، دفعه أحد الجنود بقوة إلى الداخل ضاربًا رأسه بكرسي حديدي، ثم أخذوه إلى مستوطنة ما لا يعرف اسمها وتم استجوابه هناك، وبقي فيها يومين دون طعام، كذلك لم يستطع النوم لعدم وجود مكان ينام فيه فقد تم حجزه مع باقي الأسرى تحت سقف مصنوع من (ألواح الزينكو) حيث أجلسوهم هناك، وضرب أحد الجنود الأسير صهيب على رأسه بعصا كانت بحوزته، وعند محاولته النوم يقوم الجندي بإيقاظه بصفعه على وجهه أو بواسطة وخزه على أذنه بقش الأسنان.
الأسير أيمن نهاد شاكر مشه، من سكان مخيم بلاطة قضاء نابلس، مواليد 16/1/1991، اعتقل في تاريخ 9/12/2009 من حاجز الحمرا الساعة الثالثة عصرًا على يد الجنود الموجودين هناك، اعتقلوه ووضعوه داخل (الجورة) من الساعة الثالثة عصرًا حتى منتصف الليل، وخلال هذه الساعات الطويلة كان مقيد اليدين ومعصب العينين وبقي دون طعام وشراب، وعندما يطلب الماء كان الجندي يحضر قنينة ماء ويسكبها على ملابسه، بعد إخراجه من الجورة أدخله أحد الجنود إلى داخل الجيب وضربه على رأسه وبطنه، ودفعه بشدة للداخل ضاربًا وجهه بطرف الجيب ما أدى إلى نزيف بأنفه.
الأسير أحمد عبد الرحمن محمد سليم، من سكان (عزون) قضاء قلقيلية، مواليد 14/12/1992م، اعتقل بتاريخ 23/4/2010، الساعة الواحدة صباحًا، حقق معه في سجن الجلمة خلال 40 يومًا، كانوا يحققون معه يوميًا عدة مرات وأحيانًا يحقق معه في الليل ولساعات طويلة، وكان المحقق يسبه ويشتمه ويصرخ عليه ليعترف بما وجهوا له من تهم، وضربه في أغلب المرات على يديه ورجليه حتى أشبعه ضربًا لدرجة أنه في إحدى المرات أحضر عصا حديدية وضربه على رأسه فجرحه جرحين عميقين وسالت الدماء على وجهه، مع كل هذا لم يحرك المحقق ساكنًا بل استمر في التحقيق معه دون أن يقدم له أي علاج يذكر.
هذا حال أطفال فلسطين الأسرى في اليوم العالمي للطفل، فهل ستحرك هذه السطور التي تقطر من ثناياها محنة يعيشها كل لحظة طفل فلسطيني أسير بين جدران السجن، وهل ستحرك ضمير العالم الذي يميز بين “جورج” و”جمال”، وينصف الطفل الفلسطيني لينعم بحياة آمنة وكريمة، ليأتي يومًا على جمال يفتح عينيه على أمه ونظرتها الحنونة؟