لم يتردد قادة الشرق الأوسط في تهنئة دونالد ترامب على فوزه المفاجئ في الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي قد يكون مثيرًا للدهشة نظرًا لخطابه المعادي للمسلمين، لكن لا ينبغي أن نعتبر هذه التهاني أمرًا مفاجئًا، بما أن عددًا قليلاً فقط من قادة المنطقة أبدوا استحسانهم لفكرة فوز هيلاري كلينتون التي قيل إنها ستواصل على منوال باراك أوباما، وستنتهج نفس السياسات تجاه إيران وسوريا، وفي الوقت ذاته، لا يزال قادة المنطقة غير واثقين في السياسات التي سيعتمدها دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
أما العرب المحافظون والإسرائيليون فهم يأملون في أن تنجح حكومة ترامب في تغيير السياسية التي انتهجها أوباما، والتي كانت تعتمد أساسًا على القيادة من الخلف، وعلى وجه الخصوص، فهم يريدون إشارات واضحة على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين، لكن الأمريكيين المحافظين لطالما سعوا إلى تجنب دخول الولايات المتحدة في تحالفات، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.
وإذا ما قرر ترامب الالتزام بوعده في “جعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى”، فإن على حلفاء واشنطن البدء في عملية البحث عن حلفاء جدد لحماية مصالحهم.
التحفظ: أسلوب الشرق الأوسط
من الصعب التوصل إلى قراءة واضحة لخيارات دونالد ترامب فيما يتعلق بالشرق الأوسط، نظرًا لأنه لم يتحدث كثيرًا عن السياسة الخارجية خلال حملته الانتخابية، بينما واصل انتقاد أوباما وكلينتون على الأخطاء التي ارتكباها في إيران والعراق وليبيا وسوريا، وإذا كان هناك خيار بين إعادة الارتباط أو مزيد من التراجع، فإن الزعماء العرب يخشون أن يختار ترامب مزيد من التراجع عن التورط الدبلوماسي والعسكري للولايات المتحدة في المنطقة، وفي خضم هذه الشكوك، فإن رؤساء الدول العربية قد يلجأون لحلفاء جدد مثل الصين وروسيا والهند وتركيا، كما قد يتعزز دور هذه الدول في الشرق الأوسط، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار وتوازن القوى في المنطقة، وفي العالم أيضًا.
دول الخليج وروسيا يبحثون عن تحالفات جديدة
وتجدر الإشارة إلى أن أنظمة الشرق الأوسط المحافظة والموالية للغرب مثل الأردن والمملكة العربية السعودية، لطالما اعتبرت الولايات المتحدة شريكة داعمة لمصالحها منذ أربعينيات القرن الماضي، لكن خلال فترة حكم أوباما، بدأت تلك الثقة تهتزّ وتدهورت العلاقة بين واشنطن وحلفائها العرب، خاصة بعد فشل أوباما في الالتزام بما أسماه “الخط الأحمر”، وساءت العلاقة أكثر سنة 2015، عندما تم التفاوض والتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي أدى إلى التشكيك في التزام الولايات المتحدة بمواقفها السياسية، وبالتالي البحث عن مصادر بديلة للدعم السياسي والدبلوماسي، خاصة في روسيا.
وخلال السنة الفارطة، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من شن هجوم كبير في منطقة الشرق الأوسط من خلال فرض سيطرته على الحرب في سوريا، ويبدو أن الكرملين يسعى إلى تعزيز وجوده العسكري والدبلوماسي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ويطمح في الوقت نفسه إلى إضعاف الموالين للولايات المتحدة، وبفضل وجود روسيا وتراجع الولايات المتحدة، فإن مصر وإسرائيل والسعودية ودول أخرى في الخليج العربي قررت تعزيز علاقاتها مع روسيا، لذلك، فإنه على ترامب أن يعمل جاهدًا لاستعادة ثقة هذه الدول من خلال تدابير مختلفة، من بينها تعزيز جهود التشاور والتنسيق وإبرام اتفاقيات أمنية رسمية ومنح إمدادات أسلحة وتسليط مزيد من الضغط على إيران.
وفي الحقيقة، لا زالت دول الشرق الأوسط تفضّل التعامل مع الولايات المتحدة، وقد تفضل أيضًا تعاونًا ثنائيًا بين واشنطن وموسكو، على أي تراجع كلي تقوم به الولايات المتحدة، لكن من الواضح أن ترامب يشجع روسيا على التوغل أكثر في حربها ضد تنظيم الدولة، الذي يعتبره ترامب سببًا رئيسيًا لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، لكن طبيعة القرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة إذا ما رفضت روسيا لعب الدور الذي أنيط بها، تبقى أمرًا يشوبه الغموض.
الروابط المحلية والخارجية
لا يزال القادة العرب قلقين بسبب الخطاب المعادي للإسلام الذي اعتمده ترامب خلال حملته الانتخابية، خاصة فيما يتعلق بمنعه للمسلمين من الدخول للولايات المتحدة (كان هناك إعلان لشركة طيران أردنية تشجع المسافرين على السفر إلى الولايات المتحدة طالما لا يزال الأمر ممكنًا).
لكن الفائزين في الانتخابات عادة ما يعتمدون سياسات تختلف بشكل ملحوظ عن خطاباتهم الانتخابية، وبالتالي، فإن هناك احتمال أن يكون خطاب الرئيس ترامب مختلفًا عن خطاب المرشح ترامب، وبالفعل، فإن ترامب أبدى سعيه للتخلي عن تصريحاته السابقة بشأن المسلمين والإرهاب، فعلى سبيل المثال، تم حذف الدعوة إلى رفض دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة من موقع الحملة الانتخابية لترامب، أما العرب، فلهم عدة أسباب للسعي إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات، فالأمير السعودي الوليد بن طلال، الذي يعد من أشد منتقدي ترامب، وكان قد وصفه بأنه “عار”، أصبح الآن يدعو إلى وضع الخلافات جانبًا.
ترامب والسيسي
في هذا السياق، يمكن أن يكون لسياسات أوباما في الشرق الأوسط تأثير مفيد، فالعرب السنة في مصر والإمارات والأردن والسعودية، لطالما كانت لهم مخاوف من الاتفاق النووي، ولا زالوا يطمحون إلى قيادة أمريكية حازمة ضد إيران في فترة حكم ترامب، خاصة وأن هذا الأخير كان قد وصف الاتفاق النووي بأنه “كارثة”، وأنه “أسوأ صفقة تفاوضية على الإطلاق”، في المقابل، كانت كلينتون من مؤيدي الصفقة، الأمر الذي عزز من مخاوف العرب حيال تقارب كبير بين الولايات المتحدة وإيران، أما الآن، وبعد انتخاب دونالد ترامب، فإن إيران حذرت من اتخاذها ردود فعل أخرى، إذا تراجع الرئيس الأمريكي القادم عن بنود الاتفاق.
وفي الواقع، على الرغم من أن المحللين يتوقعون أن صفقة إيران قد تصبح أول “ضحية” للسياسة الخارجية لترامب، فإنه لن يكون من السهل التراجع عن اتفاق ملزم ومتعدد الأطراف، خاصة وأن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتعقيد علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين، وبالتالي، فإن مهمة ترامب تتلخص في إيجاد وسائل لطمأنه الحلفاء التقليديين لواشنطن، الأمر الذي قد لا يكون سهلاً رغم أن ترامب كان قد طلب من حلفاء الولايات المتحدة المشاركة في عبء مكافحة الإرهاب، كما هدد ترامب بوقف واردات النفط من السعودية، إذا ما رفضت هذه الأخيرة توفير قوات عسكرية للتصدي لتنظيم الدولة، مضيفًا، بطريقة غير ديبلوماسية، أنه لولا الولايات المتحدة، لما كانت المملكة السعودية موجودة.
وعلاوة على ذلك، فإن أعضاء جامعة الدول العربية لا زالوا ملتزمين بحق إقامة دولة فلسطينية في إطار اتفاقية السلام بين الدولتين، لكنهم قد يضطرون إلى التقليل من أهمية هذه القضية، فخلال الحملة، كانت لترامب آراء متضاربة بشأن هذه القضية، حيث صرّح أنه سيكون “محايدًا”، ثم أعلن لاحقًا أنه لم يمارس أي ضغط على إسرائيل.
وبالتالي، فإن إسرائيل هي المسؤولة عن اتخاذ قرار بخصوص ما سيحدث بعد تاريخ 20 من كانون الثاني/ يناير، لكن يبدو أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومستشاريه يتوقعون تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة بصفة عامة، وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بصفة خاصة، وبالتالي، فإن هذه القضية لن تكون من أهم عناصر جدول أعمال ترامب.
أما داخل الحكومة اليمينية في إسرائيل، فإن هناك من أبدى تفاؤله بنتائج الانتخابات الأمريكية، معتبرين أن ترامب من شأنه أن يمنح إسرائيل إمكانية أكبر للمناورة في علاقتها مع الفلسطينيين، لكن دوائر حكومية أخرى راودتها الشكوك حيال نوايا ترامب الحقيقية وقدرته على تجاوز سياسات واشنطن المعهودة، خاصة فيما يتعلق بوعوده في نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس.
كل الأنظار متجهة نحو واشنطن
لا تزال معالم سياسة ترامب الخارجية غير واضحة، ولا يزال بعض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في انتظار ما سيحصل، أما البعض الآخر فقد بدأ بالاستعداد لتراجع الولايات المتحدة من الشرق الأوسط من خلال الصراعات أحادية الجانب، مثل تركيا في دفاعها عن حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق وإيران، والسعودية خلال حربها في اليمن، لكن بعض الدول الأخرى مثل مصر، سعت إلى تعزيز أمنها من خلال تحسين العلاقات مع الصين وروسيا، في تحدّ واضح للولايات المتحدة ومصالحها.
ومن المرجح أن تتواصل هذه السياسة في المستقبل، وبالنسبة لمعظم البلدان والقادة فإن التحفظ ليس الخيار الأفضل، فمصر على سبيل المثال، قد ترغب في الاعتقاد بأنه يمكنها التعامل مع ترامب إذا لم يتدخل في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة المصرية، وليس أمرًا مفاجئًا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أرسل رسالة تهنئة لترامب، قائلاً إنه واثق من أن الفترة الرئاسية الجديدة ستعطي دفعًا جديدًا للعلاقات المصرية الأمريكية، وبالنسبة للسيسي، فإن ذلك يعني التخلي عن “إرث” أوباما وكلينتون، الذين يعتبرهما البعض من الداعمين لتنظيم الدولة.
وهناك أيضًا أولئك الذين يعتبرون أن رغبة دونالد ترامب (والأمريكيين بصفة عامة) في وضع حدّ لتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تكون رغبة ملحة يصعب تجاهلها، ومع ذلك، فإن للشرق الأوسط قدرة على فرض نفسه على واشنطن، فالتحديات العالمية مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الارهاب ستبقى مركزة في منطقة الشرق الأوسط.
في الحقيقة، تعتبر منطقة الشرق الأوسط من بين المناطق الأقل استقرارًا في العالم، والحد من دور الولايات المتحدة لن يجعل المنطقة أكثر استقرارًا، كما أن أي تغيير جذري في التزامات حلف واشنطن من شأنه أن تكون له نتائج سلبية على المدى الطويل على الحلفاء الإقليميين، والولايات المتحدة والنظام الدولي، وفي خضم عالم عربي مفكك وأطماع إيرانية وروسية وأربعة حروب مستمرة إلى الآن، فإن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة سيواجه مجموعة كبيرة من القرارات المصيرية تجاه الشرق الأوسط.
المصدر: فوراين بوليسي