أثار تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، أمس الأحد، غضبًا واسعًا في أوساط برلمانية وسياسية ورسمية عراقية، حيث نسبت الصحيفة إلى مسؤول في منظمة الصحة العالمية تصريح بشأن حدوث العشرات من حالات “الحمل غير الشرعي” في مدينة كربلاء جنوب العراق، تلك المدينة التي تعتبر مقدسة لدى الشيعة، وذلك إثر زيارات دينية العام الماضي.
جاءت هذه الأزمة بعدما نشرت الصحيفة التي تصدر من لندن، تقريرًا بعنوان “تحذير أممي من حدوث حالات حمل غير شرعي في كربلاء”.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية غريغوري هارتل، قوله: “المناسبات الدينية التي تقام في جنوب العراق تشهد في الغالب اختلاطًا غير منتظم بالوفود القادمة من الخارج، خصوصًا من جمهورية إيران المجاورة له، ويصعب على القوات الأمنية السيطرة على الوضع بسبب كثرة أعداد المشاركين”.
وأضاف هارتل بحسب التصريحات التي نقلتها الصحيفة أنه بعد “زيارة الأربعين العام الماضي حصلت فيها حالات حمل غير شرعي لأكثر من 169 امرأة عراقية”.
المنظمة تنفي
عقب انتشار تقرير الصحيفة ورود الأفعال العراقية الواسعة عليه نفت المنظمة صحة التصريح المنسوب لها، وأدانت في بيان لها ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط قائلة: “بأشد عبارات الإدانة ندين إقحام اسم المنظمة في تقرير مفبرك لا يمت لمبادئها بصلة”، مشيرة إلى أنها تتحرى حاليًا عن مصدر الخبر الخاطئ، مرجحة لجوئها إلى “مقاضاة ناشريه”.
"لا يمت لمبادئها بصلة "
منظمة الصحة ليس لها دين لكن لها مباديء
بعض ربعنا لهم دين وليس لهم مباديء.
عرفتم الفرق ؟#اكاذيب_صحيفه_الشرق_الاوسط pic.twitter.com/mMsFWJOkRP
— حُـسـيـنُ الحَـربـيّ (@HUSSAIN_ALHRBI) November 21, 2016
ثورة في بغداد بعد التقرير
طالبت الأوساط البرلمانية والسياسية العراقية حكومة بلادها بمقاضاة الصحيفة السعودية، وإغلاق مكاتبها في البلاد، فيما طالبت بغداد الصحيفة بتقديم اعتذار عن التقرير الذي اعتبرته “مسيئًا” لمواطنيها.
توالت بيانات رجال الدين والسياسيين الشيعة المنددة بالتقرير، والتي تطالب الحكومة بمقاضاة الصحيفة، وإغلاق مكاتبها في العراق.
إذ قال رجل الدين الشيعي النافذ وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إن تقرير الصحيفة “تعدٍ قذر”، مهددًا بغلق مكتب الصحيفة لدى بغداد بطرق “معهودة” في حال لم تقدم اعتذارًا للعراقيين، كما طالب الصدر الحكومة العراقية باتخاذ موقف حازم إزاء ذلك.
بدوره، طالب نائب رئيس البرلمان همام حمودي، بـ”رفع دعوى قضائية حكومية، أممية متمثلة بمنظمة الصحة العالمية، ضد الصحيفة لتطاولها السيء بنشر خبر كاذب”.
حمودي (الذي ينتمي للمجلس الأعلى الإسلامي الشيعي بزعامة عمار الحكيم) دعا لـ “إيقاف عمل الصحيفة داخل العراق ومقاطعتها بجميع الوسائل الممكنة سيما الشراء ونشر الإعلانات فيها”.
ودعا مكتب رئيس الوزراء العراقي العبادي الصحيفة والجهة المالكة لها إلى تقديم اعتذار للشعب العراقي على التقرير السيء الملفق الذي كذبته منظمة الصحة العالمية، وأضاف: “في الوقت الذي ندعو إلى الابتعاد عن نشر الأخبار المضللة والتحريضية، فإن بلادنا تحتفظ بحقها في مقاضاة الصحيفة المذكورة وفق الأصول والقوانين المعمول بها”.
رد فعل الصحيفة
بعد هذه الضجة أعادت الصحيفة نشر رد منظمة الصحة العالمية على موقعها، وقالت إنها ومن خلال التزامها بالمبادئ المهنية والمصداقية التي تلزم بها صحيفة العرب الدولية “الشرق الأوسط” فإنها تنشر هذا النفي لتصحيح المعلومات المغلوطة التي تضمنها، وأفادت الصحيفة: “تم إيقاف التعامل مع محرر الصحيفة في بغداد الذي تسبب بنشر التقرير”.
#العراق سيقاضي #جريده_الشرق_الاوسخ وسيتم منع مداولتها في المكتبات واغلاق مكتبها في بغداد ع خلفيه ماحدث من #اكاذيب_صحيفة_الشرق_الاوسط ?
— مغـرده حلاويـه?? (@1shoo_oosh1) November 20, 2016
أزمة تفتح ملف الشائعات الإعلامية من هذا النوع
لا تعتبر هذه الشائعات من هذا النوع جديدة على العراق، حيث ظهرت في منتصف العام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مدن عراقية عدة، حيث اتهمت وسائل إعلام تابعة للنظام السوري النساء في المدن الواقعة تحت سيطرة “داعش” بممارسة ما أسموه “جهاد النكاح”.
من طعن بشرف أهل #الموصل أمس، يطعن بشرف أهل #كربلاء اليوم، نفس القذارة تنضح من إناء واحد.
— ahmed almallah (@ahmedalmallah89) November 20, 2016
وذلك بعدما أخذت منابر الإعلام السوري في ترويج هذه الشائعة بوسائل مختلفة، ثم ظهرت عقب ذلك في الإعلام المصري في أثناء انقلاب الثالث من يوليو واعتصام الإسلاميين الرافض لعزل الرئيس المنتخب، وكذلك استخدمته أجهزة الأمن التونسية وروجت له، إلا أن أحدًا من هؤلاء لم يستطع إثبات هذا المصطلح وما يعنيه، وإنما كان في إطار حروب إعلامية.
ليس بالجديد على الشرق الأوسط هذا التهجم على العراقيين لانها ذات فكر خليجي نابع من همجية وتعصب قبلي وهابي داعشي. #اكاذيب_صحيفة_الشرق_الاوسط pic.twitter.com/9Iyj3s72zd
— وفيق السامرائي (@wafik_alsamurai) November 20, 2016
المثير في الأمر فيما يخص الشأن العراقي، أن هذه التهمة لم تلق كل هذا الاستنكار في وقتها، وأخذت ردود الأفعال في حالة “صحيفة الشرق الأوسط” جانبًا طائفيًا بما أن التهمة هذه المرة في الجانب العراقي الشيعي، حيث ثارت الأوساط الشيعية مستهجنة تقرير الصحيفة السعودية، حيث اعتقدوا أنها نشرت هذا التقرير في إطار الحرب الإعلامية على إثر الخلاف بين بغداد والرياض، بينما صمتت نفس هذه الأوساط إبان شائعات “جهاد النكاح” المماثلة بل وساهم البعض في ترويجها.
أمس صرخنا جميعا بوجه الشرق الأوسط .. ولكن هل فتح أحد فمه عندما عرضت قناة العراقية الحكومية هذه المادة الإعلامية ! pic.twitter.com/sJdQLQ5p4A
— علي عمر (@ali3omar) November 21, 2016