“الكشافة هي حياتي، لذا لا أفكر أبدًا في تركها، فهي ما تربيت عليه وما سأكون عليه حينما أكبر”، تلك كانت إجابة أحد أعضاء مجموعة الفاتح الكشفية، والتي تأسست عام 2013، في إسطنبول، كأول مجموعة كشفية سورية منظمة في تركيا، وهي عضو في اتحاد الكشافة السوري، لتجمع الأطفال السوريين من كل الأعمار ما بين عمر السابعة وحتى عمر السابعة عشر، ليتفقوا جميعًا على الحياة ضمن هذا النظام، أو كما يحبون وصفه بكونه مجتمعهم الخاص بهم، والذي يحظى بقوانين وقواعد ومنهجية محببة إلى نفوسهم، يقوم بالنشوء عليها والمداومة فيها، في حلقة متكاملة من المعرفة والإيمان والحب والاحترام.
بدأ الحوار مع “أسامة” من دمشق، عن رحلته مع الكشافة، ليبدأ وصفه للكشافة بخمس كلمات؛ الكشافة هي حياة، رياضة، تربية، معرفة، ونظام، حيث انطلق “أسامة” في رحلته مع الكشافة عام 2013، ليصف بأن عائلته كلها عائلة كشفية، وكان ذلك مدخلًا لـ “أسامة” للتعرف عليها، حيث كان بعض إخوته في كشافة الأردن قبل الانتقال إلى تركيا، ليبدأ “أسامة” حياته بالكشافة أثناء وجوده في إسطنبول.
تحدث “أسامة” لنا عن أيامه في الكشافة من خلال تجربته، فكان بالنسبة إليه أسعد أيامه الكشفية هي يوم من أيام المخيم، حيث يعدّ قادة المجموعة الكشفية برنامجاً للتخييم في إحدى الغابات المخصصة لذلك مع أفراد الكشافة، ليذهب الأفراد من خلال مجموعات منظمة تُسمى الطلائع، لكل طليعة عدد معين، وقائد خاص بها يُسمى “العريف”، وهو فرد من أفراد تلك الطليعة وفي نفس عمرهم تقريبًا، يتم ترقيته نتيجة لالتزامه وحضوره المميز وأدائه الإيجابي في نشاطات الكشافة المختلفة، ليكون مسؤولًا عن طليعته، ومن خلاله يتم التواصل مع قائد المجموعة الأكبر سنًا، في هرمية تصل بهم جميعًا إلى قائد المجلس، المسؤول عن الطلائع الكشفية كلها.
أسامة من فرقة الفتيان
يروي أسامة بأن أيام المخيم هي أسعد أيامه في الكشافة لأنه يستمتع بها بشدة، حيث يبيتون في المخيم لخمسة أيام وأحيانًا تمتد المدة لأسبوع أو أسبوعين، ويهدف المخيم إلى كسر الروتين الذي يعتاد عليه الأفراد أسبوعيًا، كما يقول أسامة بأنه يتعلم من المخيم الكثير من القيم التي لا يمكن للمدرسة أن تعلمه إياها مثل حس المسؤولية والاعتماد الكامل على النفس والانضباط والتدريب على العمل في مجموعة.
التحية الكشفية
كما شرح لنا “أسامة” عن التحية الكشفية، وعن الفولار الكشفي الذي يرتديه حول عنقه، حيث يعتبر هذا الفولار الكشفي “جواز سفر الكشاف” ، أي هوية الكشاف في سياق آخر، تختلف ألوانه على حسب المرحلة العمرية التي يكون فيها الفرد، فعلى سبيل المثال يعبر اللون الأحمر الخاص بالفولار الذي يرتديه “أسامة” عن مرحلة الفتيان، والتي يتراوح أعمارهم ما بين 12- 15 سنة، تصغرهم بمرحلة فرقة الأشبال، بينما يكبرهم فرقة “الكشاف المتقدم” وفي النهاية فرقة الجوالة، التي تخطى أفرادها عامهم الثامن عشر.
أما عن حديثه عن التحية الكشفية، فشرحها “أسامة” كالتالي، بأن الإصبع الأوسط يرمز للواجب نحو الله، أما السبابة فيشير إلى الواجب نحو الذات، ومن ثم البنصر يشير إلى الواجب نحو الآخرين، وأسفلهم دائرة الأخوة والمحبة التي تمثلها راحة الكف، أما عن الإبهام والخنصر فهم يمثلون الاحترام المتبادل ما بين الكبير والصغير في الكشافة.
“مجاهد سراقبي” قائد مجموعة الفاتح الكشفية
تحدث مجاهد سراقبي قائد مجموعة الفاتح الكشفية قائلًا بأن للكشافة مميزات تختلف تمامًا عن المدرسة، بل تعلم الأطفال قيم من الممكن أن تغفل المدرسة عن تعليمها للطلاب، من ضمنها تعاليم خاصة بالأمور الحياتية، فعلى الرغم من أن الكشافة لا تخلو من التعليم التربوي الذي يسير على منهاجية معينة يشرحها مختصون بمجالات مختلفة، فإنها تفيد الفرد في حياته اليومية، فعلى سبيل المثال، يستطيع الكشاف قراءة الخرائط وتحديد الاتجاهات دون استخدام الأجهزة المختلفة التي تساعد على ذلك، كما يعرف كيفية استخدام البوصلة، حيث أشار إلى ضعف احتمالية ضياع الكشاف في طريقه، فهو يستطيع تحديد اتجاهاته دون استخدام هاتفه المحمول.
يعتبر القائد مجاهد كشافًا منذ صغره، حيث انضم للحركة الكشفية عام 2002 في الأردن، مكان مولده، وتدرج فيها حتى أصبح قائداً عام 2009، واكتمل مشواره مع الكشافة بعد مجيئه إلى تركيا، ليستمر في العمل الكشفي، ويقود اليوم مجموعة الفاتح الكشفية.
يرى قائد المجموعة بأن أفراد الكشافة مميزون في مجالهم الكشفي وكذلك العملي والعلمي، حيث يبرزون بين أقرانهم في الصفوف الدراسية، كما يقول أنه من خلال تجربته الشخصية مع الكشافة، وجد أن أفراد الكشافة يشغلون مراكزاً قياديةً في المجتمع، ويؤثرون في غيرهم بشكلٍ إيجابيّ وفعّال.
هنا يأتي دور عبد الرحمن، 14 عامًا، سوري يقيم في تركيا منذ 3 سنوات، بدأ هو أيضًا رحلته مع الكشافة منذ بداية قدومه إلى تركيا، تحدث إلينا عن الكشافة كونها حركة تغيير الذات ولكن في نفس الوقت هي حركة تساعد الفرد على اكتشاف ذاته وتعلمه الاعتماد على نفسه كما تعلمه درسًا يعتبره عبدالرحمن الأهم، وهو تعليم العمل الجماعي، حيث إن مكافئة الفرد تعود بالسعادة على طليعته، ومحاسبة الفرد على أعماله تعود على طليعته كذلك، ليشعر الفرد أنه متصلًا بمجموعة وليس منعزلًا على نفسه تبعًا لشعار الطليعة الكشفية “الكل يعمل، والطليعة تفوز”.
عبد الرحمن، 14 سنة، من فرقة الفتيان
روى “عبد الرحمن” عن حبه لـ “الصيحة” في الكشافة، وهي عبارة عن أهزوجة تفاعلية، يجب على كل طليعة أن تصيح بها في نفس الوقت، وبنفس القوة، وبنفس الشدة، حيث تعبر عن الكشاف، أو عن النشاط الذي يمارسونه وقت إلقائها، كما أشار إلينا إلى ما أخذه من حافز خلال ذلك اليوم، ونظام الحوافز هو نظام تشجيعي عن طريق إعطاء حافز معنوي، فإن تم منح الفرد حافز مثل الموجود في الصورة أدناه، يعتبر نقطة إيجابية في ميزان طليعته، وهو نظام يتبعه القادة في الكشافة لتعزيز الشعور بالمسؤولية لدى جميع أفراد الطليعة، وتشجيع جميع الأفراد على الاندماج في النشاطات والعمل الجماعيّ.
شكل للحوافز
“من يلتقى مع أصدقائه على فكرة، لا يخسرهم أبدًا في المستقبل”، حيث تابع قائد المجموعة “مجاهد سراقبي” بأن أفراد الكشافة لا يلتقون على دراسة ولا يلتقون في مهمة عمل، بل يلتقون على فكرة، ولذلك تكون الرابطة بينهم أقوى وأكثر متانة من كونها مع أصدقائهم العاديين من المدرسة أو غيره.
همام إلى يمين الصورة، وعلى يساره حسان
حسان وهمام، كلاهما 17 عامًا، وكلاهما قائد لمجموعته في الكشافة، وعلى الرغم من صغر سنهما إلا أنهم يؤديان مهمتهما بجدارة، حيث يؤمن كلاهما أن الكشافة عبارة عن الفكر المغاير في المجتمع، وتكسر بعضًا من الأصنام في تربية الأطفال، من أجل مزيد من التربية والتطور، حيث أشار همام إلى اهتمام الكشافة الشديد بالتركيز على احتياجات الطفل، والتي ربما يغفلها الأهل بحكم انشغالهم، بينما أشار حسان إلى أن الكشافة هي مكان الطفل لتفريغ طاقته واستمتاعه بصداقات جديدة ليتعلم منها تنظيم وقته وإدارة مشاريعه وعلاقاته الاجتماعية فيما بعد.
الصديقان “عمر” من سوريا و “إياد” من مصر تحدثا إلينا عن دورة “فن الأوريجامي”، وكيف تعلما تشكيل الأوراق بأشكال معينة، وعن حبهم لتعلم أشياء جديدة من خلال الكشافة. يعتبر “إياد” إضافة نوعية لمجموعة الفاتح الكشفية باعتباره مصري الجنسية، حيث لم يقتصر قبول الفرد في الكشافة على أن يكون سوريًا، كما تحدث “إياد” عن تجربته في الكشافة المصرية وفي مجموعته الكشفية في إسطنبول، حيث أحب الاعتماد على نفسه أثناء وجوده في المجموعة، بينما كان يتغيب كثيرًا عن الحضور أثناء وجوده في الكشافة المصرية بسبب عدم الاستقرار الأمني في ذلك الوقت، إلا أنه يشعر بالأمان في إسطنبول، ويستطيع الذهاب والعودة من الكشافة معتمدًا على نفسه.
عمر على يمين الصورة وإياد بجانبه
أما عمر الطفل طليق اللسان رغم عمره الصغير، فينتقي كلماته ببراعة ليضعها في سياق بلاغي جميل، وعلى الرغم من التحاقه الحديث بالكشافة الذي لم يزيد عن ثلاثة أشهر، إلا أنه الآن أصبح قائدًا لطليعته، أي عريفًا بمفهوم الكشافة.
اتفق الطفلان على أن أسعد أيامهما في الكشافة كانت أثناء التخييم، حيث يستطيع الأفراد الاستمتاع بالنشاطات المختلفة وعن طريق الألعاب التي تحفز على المنافسة الإيجابية، وتطوير الذات وتنمية قدرات الذكاء الخاصة بالأفراد في كل طليعة من الطلائع على حد سواء، كما استمتعا بالتنظيم الكامل للمخيم، والذي يبدأ بصلاة الفجر، ومن بعدها الرياضة الصباحية والفطور الجماعي، ومن ثم جمع النشاطات المختلفة، التي يتخللها فترات الراحة، أو فترات “الطهي الخلوي” من خلال المجموعات.
الكشافة في عيون الفتيات.. من زهرات وحتى الدليلات
تقسم الكشافة إلى قسمين، قسم الكشافة للفتية، وقسم المرشدات للفتيات، اللاتي يتدرجن من مرحلة الزهرات، ثم المرشدات إلى الرائدات وحتى المرحلة الأخيرة وهي الدليلات، وقمنا بلقاء بعض من المرشدات، وهم في عمر يتراوح بين الـ 12-15 عاماً.
اجتمعت الفتيات على قول شابه ما تحدث به الفتيان معنا، فكانت الكشافة بالنسبة إليهن روح للمغامرة واكتشاف الذات واكتشاف أن الحدود التي يصنعها الإنسان لنفسه مجرد وهم وأنه من الممكن أن يدهش الإنسان نفسه بقدراته التي لم يكن يعرف عنها شيئًا، وذلك كان من أهم الأشياء التي اجتمعت على ذكرها الفتيات، فبحكم أن مجموعاتهن كلها تتألف من البنات، فلا يخجلن من فعل أي شيء يخجلن من تقديمه في العادة، فيتمتعن بالحرية كما ذكروا، ويقومن بأشياء ذكروا أنهن كن يرونها فقط في التلفاز مثل تسلق الجبال والتخييم في الغابات، فلم تكن تتوقع أي منهن فعل ذلك في المستقبل، ولكنهن فعلن!
بيان من فرقة المرشدات
ما اختلفت فيه “بيان” عن باقي الأطفال، كان في حبها للكشافة وخصوصًا التخييم، لأنه يشعرها بشعور اللاجئين في المخيمات، بيان فتاة سورية في عمر الثالثة عشر، تقوم بالذهاب يوميًا إلى مدرسة تركية، إلا أنها على الرغم من تحدثها التركية بطلاقة، فإنها تجد نفسها أكثر وسط من يتحدثون نفس اللغة من قريناتها في الكشافة، لتقول بأن الكشافة لا تمثل لها وقتًا جيدًا فقط، بل تمثل لها وطنًا مفقودًا في الغربة.
لذة العطاء أكثر من لذة الأخذ
أما ربى، من دمشق، وهي في عمر الـ 13 عامًا أيضًا تقول بأن الكشافة هي عبارة عن تخطي حاجز الخوف، حيث أنها أصبحت أكثر شجاعة بعد انضمامها للكشافة، وهو ما لاحظه والداها، لذلك أيّدا فكرة الكشافة أكثر من ذي قبل، كما اتفقت ربى مع بيان في أن الكشافة هي رمز للانتماء إلى شيء، وهو شعور نادراً ما يحسه المرء في الغربة، حيث تحس نفسها غريبة أغلب الوقت في المدرسة وسط الأطفال الأتراك، أما في الكشافة فالوضع مختلف، ولهذا قامت بتوصيف الكشافة على أنها السعادة!
رُبى من فرقة المرشدات
“كل يوم سعيد بالكشافة” هكذا أجابت رغد عندما تم سؤالها عن أسعد يوم في الكشافة، وهي فتاة سورية في عمر الـ 14 سنة، لتقول بأنه لا غربة وسط من يتفهم طريقة تفكيري، ويفهم لغتي، ويحبني من أجل اجتماعاتنا المسلية، وليس فقط من أجل الدراسة، كما أشارت رغد إلى حبها الجم للدورات التربوية التي تقوم الكشافة على تنظيمها لهم، وأشارت بحبها الشديد لدورة الإسعافات الأولية، حيث أنها وجدت في نفسها اهتمامًا بالطب، جعلها تكتشف رغبة خفية في نفسها، لم تستطع المدرسة اكتشافها بسهولة.
رغد من فرقة المرشدات وعريفة لإحدى الطلائع
تقول القائدة انتصار، فتاة أنهت دراسة الصيدلة لتبدأ دراسة العلاقات الدولية في جامعة بيلجي بإسطنبول، بأن الكشافة تساعدنا كقائدات على غرس قيم في الأطفال بطريقة غير مباشرة، وبطريقة مسلية، حيث يتعلم الطفل ومن ثم يقوم بممارسة ما تعلمه، ومن هنا لا ينساه مطلقًا، فتتابع بأن وظيفة القائد أن يكتشف القدرات المميزة لكل طفل، ويقوم على تنميتها، وعندما تم سؤالها عن السبب الذي يدفعها للتطوع بوقتها ومالها من أجل الكشافة، فأشارت لإيمانها بأن “لذة العطاء أكثر من لذة الأخذ”.
انتصار، حاصلة على بكالريوس صيدلة وتدرس العلاقات الدولية، إحدى قائدات المجموعة الإرشادية
لين، فتاة سورية في عمر الـ21، وهي قائدة مجموعة الفاتح الإرشادية
أما لين، وهي قائدة المجموعة الإرشادية، فتقول بأنها أعادت اكتشاف ذاتها من جديد من خلال الكشافة، فأن يكون المرء مسؤولًا عن 50 فتاة ليست بالمهمة السهلة، إلا أن ذلك عاد بالأثر الإيجابي على حياة لين، فهي ترى أن الكشافة أفضل مكان لتفريغ طاقات الطفل أو المراهق، وأنها تجربة لا يجب أن يظلمها الأهل وسط عادات وتقاليد مجتمعية، فهي يمكن أن تسير موازية لنشاطات الطفل الأخرى، لا تؤثر سلبًا عليها، وإنما تنميها، وتساعده على اكتشاف ذاته وماذا يفعل وماذا يريد في هذا العالم.
ويذكر أن الحركة الكشفية هي حركة تطوعية غير سياسية، موجهة للفتية والفتيات، مفتوحة للجميع دون تمييز في الأصل أو الجنس أو العقيدة، وفقاً للأهداف والمبادئ والطريقة الكشفية التي وضعها مؤسس الحركة اللورد بادن باول عام 1907، وتضم الآن أكثر من 30 مليون عضو حول العالم.