ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أن الغرب لم يعد مهتما بالشرق الأوسط بسبب الاستقطاب والشلل الذي أصابه بفعل القوى القديمة وحتى الجديدة في المنطقة.
إن الثنائيات المتضادة مثل الإسلاميين والحكام العسكريين، الطائفية والعلمانية، الحرب والإرهاب، رغم أنها أحيانا تبدو واضحة وبديهية، إلا أنها تخفي واقعا أكثر تعقيدا وخطورة وتتطلب إيجاد نهج بديل للنظر إلى التدخل الغربي في المنطقة.
إذا كنت تعتقد أن العالم يعج بالفوضى من واشنطن إلى نيويورك إلى بروكسل، فحاول أن تعيش في مصر أو أن تموت في سوريا! إن اللامبالاة تجاه هذه المعاناة هي أمر غير أخلاقي فضلا عن أنه قصير النظر على المستوى السياسي.
ما لدينا عن المنطقة يقول أن الحكام يمكنهم أن يصبحوا متوحشين، وأن يكون الإسلاميون سلميين للغاية، وأن يصبح العلمانيون شديدي التدين، وأن يغدو الليبراليون طائفيون بعنف وغير ديمقراطيين وأن يكون جنرالات العسكر ديكتاتوريون بلا خجل.
هذه التسميات جميعا لم تعد تعني شيئا في الشرق الأوسط!
لذلك فإن النهج الغربي في التعامل مع المشرق لا يجب أن يُبنى على تلك التسميات! لكنه عوضا عن ذلك يجب أن يسأل: هل يحارب الأسد الإرهاب أم يرعاه؟ هل أفسد السيسي العملية الديمقراطية أم أصلحها، وهل إيران هي واحة للاستقرار أم مصدر عدم الاستقرار في المنطقة؟
منطق القمع
وراء العنف الرهيب الذي يندلع في المنطقة تكمن حقيقة ساخرة: إن هذا ما هو إلا معاقبة للناس الذين يتوقون للحرية والكرامة وإجبارهم على إعادة النظر فيما إذا كانت الثورة ضد الطغيان أمرا حكيما أم لا!
بداية من سحق القذافي لمعارضيه أو المذبحة في سوريا أو حتى من خلال انقلاب عسكري في مصر. إن الثورة المضادة ترتدي عتادها كاملا وتشحذ أسنانها وأظافرها للقتال لاستادة السلطة المفقودة.
لقد حاول الطغاة العرب ربط كل الإسلاميين بالتطرف أو بالعنف ودائما بالقاعدة. لكن مع العصر الجديد الذي أعقب الثورات، شاركت الجماعات الإسلامية، المحافظين والمتشددين أيضا، في العملية الديمقراطية التي حاولت الأنظمة القديمة تخريبها كلما لم ترق لهم النتائج كما كان الحال في مصر.
وبينما أثبت الإسلاميون سوء فهم للقيم الديمقراطية عندما كانوا في السلطة في مصر، إلا أن ذلك القصور لا يقارن مع زعزعة الاستقرار الذي ستنتج عن الانقلاب العسكري وجهوده لدفع البلاد إلى الفوضى: بداية من الانقلاب العسكري والإطاحة بمرسي، ثم حظر الجماعة بل وجعلها منظمة إرهابية ما يعني استحالة التوصل إلى مصالحة أو تسوية مع الجماعة أو أنصارها الذين يشكلون ما لا يقل عن ربع السكان في مصر!
لقد أعرب القادة الغربيون عن استيائهم من الديكتاتورية الوليدة في القاهرة، واستبعاد جزء كبير من الشعب المصري، لكن ذلك لم يرق إلى اتخاذ خطوات حقيقية لردع الجنرالات من إقامة حكم عسكري بالأمر الواقع.
في سوريا واجه الأسد التظاهرات السلمية بشديد القمع، وحجته في ذلك كانت “محاربة التطرف” غير الموجود، لكنه خلق عمدا نبوءة ذاتية التحقق! لقد رسخ الأسد تواجد الجهاديين ليصبح أكثر نشاطا!
لقد أظهر النظام السوري أنه ليس هناك حد لمثل هذه الديكتاتوريات تقف عنده! إنها ستذهب إلى النهاية من أجل الحفاظ أو استعادة السلطة! حتى بما في ذلك صنع الإرهابيين لإقناع الغرب من فائدة النظام في الحفاظ على الاستقرار في منطقة استراتيجية مضطربة
الآن بعد أن خرج المارد من قمقمه، يُرضي الطغاة وحلفاءهم بعدم الاستقرار. ومع حملة الأنظمة التي لن ترحم، لن يولد إلا مزيد من العنف والتطرف.
للأسف يبدو أن واشنطن ولندن يصدقون الحجة الروسية بأنه هناك حاجة للنظام السوري لاحتواء القاعدة ومكافحة الإرهاب.
إن المتحدثين الغربيين المتزايدين الذين يتحدثون عن التعاون بين الولايات المتحدة وقيادة إيران والعراق (الشيعية) في الحرب ضد الإرهاب (السني) سيأتي بنتائج عكسية تماما، وسوف يؤدي بلا شك إلى صراع طائفي على نطاق المنطقة بأكملها.
في الواقع يجب أن ينظر الغرب والمجتمع الدولي إلى اعتقادات القادة في المثل الديمقراطية التي يطالب بها الشارع العربي منذ ثلاث سنوات: الحرية والرخاء والعدالة الاجتماعية.
وفي غياب الديمقراطيات المتقدمة أو أغلبية ديمقراطية شعبية، يكون الحل الوحيد لتعزيز الاثنين هو دعم العملية الديمقراطية. وبالمثل، فإن دفعة على مستوى المنطقة من أجل العدالة الانتقالية والديمقراطية الشاملة هو الترياق الأكثر فعالية ضد متبني العنف في العالم العربي
المصدر: الجزيرة