ترجمة وتحرير نون بوست
يعاني الأشخاص الذين فقدوا حاسة الشم من مرض اسمه الأنوسميا، وتؤثر هذه الإعاقة غير الظاهرة بشكل سلبي على حياة الإنسان المصاب بها.
أنتم تتذكرون جيدًا الفيلم الشهير للويس دو فيناس الذي يحمل عنوان “الجناح أم الفخذ” الذي صدر سنة 1976، حيث يعمل البطل في مهنة تذوق الأطعمة، لكنه بعد ذلك أصبح غير قادر على مواصلة عمله نتيجة فقدانه لحاستي الشم والتذوق معًا، أما الآن، فحاولوا أن تتخيلوا أنكم غير قادرين على شم دخان الحرائق أو التسريبات الغازية، وغير قادرين حتى على شم رائحة أجسادكم ولا رائحة الأشخاص المحيطين بكم، هل بدأتم بالإحساس بالحيرة وأصبحت أذهانكم مشوشة؟ هذا ما يحس به أيضًا الشخص المصاب بمرض الأنوسميا أي فقدان حاسة الشم، تلك الإعاقة غير الظاهرة للعيان وغير المعروفة جدًا.
يمكن أن يظهر الأنوسميا منذ الولادة أو يمكن أن يظهر نتيجة لأمراض أخرى، كما يمكن وصفه بأنه نقص حسي يؤدي إلى الفقدان الكلي لحاسة الشم، وهناك أيضًا فقدان جزئي لهذه الحاسة.
يمكن أن يكون فقدان حاسة الشم أقل خطورة من فقدان حواس أخرى كالسمع أو البصر، ولكن فقدان القدرة على الشم من شأنه أن يعقّد علاقات المريض بالعالم الخارجي ويدفعه للعزلة والابتعاد عن الحياة الاجتماعية، كيف يمكن التواصل مع أشخاص لا يمكن أن نحس بهم؟ في الواقع، يؤثر الأنوسميا كثيرًا على الحياة اليومية للأشخاص المصابين به حيث لا يغادر أغلبهم منازلهم، لأن هذا المرض يرفع نسبة الإجهاد النفسي لديهم ويقوي إحساسهم بالضعف الجسدي وبالقلق من نظرة المجتمع إليهم.
ويمكن أن نقدر نسبة المصابين بالأنوسميا والمصابين بضعف حاسة الشم في فرنسا بنسبة 5% من مجموع السكان بينهم 57% يعيشون في عزلة و54% يعانون من صعوبات في التواصل مع العالم الخارجي، كذلك يعاني 43% منهم من الكآبة والقلق الدائم في حين يعاني قرابة 92% منهم من اضطرابات في الأكل كمرض فقدان الشهية العصبي، وعلى الرغم من كل هذه الإحصائيات، يبقى المرض غير معروف في العالم.
كذلك لا يوجد أي تشخيص موثّق لهذا المرض ولا حتى علاج واضح له، فعدد الأطباء المهتمين بالأمر قليل جدًا، لكن يمكن أن يشكل الأنوسميا خطرًا كبيرًا على المجتمع خاصة مع ارتفاع نسبة التهرم السكاني، ومن جهة أخرى، فإن أعراض هذا المرض مرتبطة كثيرًا بالأعصاب كمرض الزهايمر، وحسب دراسة أجريت سنة 2015، فإن الشباب عرضة بنسبة 10% للإصابة بالأنوسميا، أما الشيوخ فيزداد خطر إصابتهم به بنسبة 40%.
في المقابل، قام فريق طبي من مدرسة غرونوبل للإدارة بالبحث عن كل ما يتعلق بمرض فقدان حاسة الشم الكلي، حيث قام هذا الفريق بفتح الأبواب أمام الجمعيات الخيرية لتمويل الاستثمار في البحوث العلمية من أجل إيجاد حلول لمساعدة المصابين بهذا المرض، كما أكد هذا الفريق الطبي أن أهدافه تتمحور حول إيجاد علاج ضد الأنوسميا أو اختراع أجهزة صناعية تعوض حاسة الشم الطبيعية ويكون ثمنها في المتناول، باختصار هم يريدون “جعل اللامرئي مرئي”.
يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تخترع أنفًا إلكترونيًا صناعيًا، حيث سيساعد ذلك الأطباء على تشخيص حالة المصاب بالأنوسميا وبالتالي سيؤدي إلى سرعة اكتشاف المجتمع لهذا المرض، لكن يبقى ذلك غير كافٍ، لأن مثل هذه الاختراعات تحتاج إلى دعم مالي مرتفع وإلى جدية واضحة في تحدي هذا المرض.
ولكن هل يمكن فعلاً أن تعوض التكنولوجيا أحد الأعضاء الطبيعية للإنسان؟ قبل كل شيء ومن أجل الحصول على إجابة شافية، يجب فهم طريقة عيش إنسان عندما يكون فاقدًا لحاسة الشم، التي تعتبر مكملة لحاسة الذوق.
إن فقدان حاسة الشم ليس عطبًا ميكانيكيًا حتى يقع تغييره، كما أن تعويض هذه الحاسة بجهاز استشعار صناعي ليس بالأمر الضروري لأنه أن تشمّ شيئًا ما، هو في الأصل عملية لا إرادية نابعة من عواطف الإنسان، وبذلك سيحاول المصاب بهذا المرض أن يتفاعل مع جهاز الاستشعار الصناعي لكي يفهم ماهية ما يشم رائحته أو ما يتذوقه، فعلى سبيل المثال يمكن أن يظهر له على الجهاز رموزًا، كالتي توجد على الفيسبوك، مثل “إعجاب أو ضحكة” مما يساعده على فهم أن ما يشمه رائحته زكية.
في المقابل، فإن أغلب المصابين بالأنوسميا قاموا بابتكار طرق جديدة ليحددوا طبيعة الروائح المحيطة بهم حيث يطلب بعضهم من الشخص المرافق له بأن يكتب له في ورقة ما يشم، أما البعض الآخر فقد اختار أن يستغل بقية حواسه السليمة كبديل عن حاسة الشم.
وفي الختام، فإن السير نحو طريق ابتكار علاج ضد الأنوسميا يجب أن يمر أولاً بدراسة معمقة لهذا المرض وتشخيص كلي لحالة الإنسان المصاب به من أجل توضيح المشكل الحقيقي الذي يعرقل إيجاد علاج فعال ضد الأنوسميا.
المصدر: صحيفة سلايت