في الـ13 من كانون الأول/ ديسمبر 2015 ، اُعتِقل الصحفي الأردني تيسير النجار في مدينة أبو ظبي، النجار الذي خرج من بلده الفقير ذي المرتبات الشهرية الضعيفة، لتحسين وضعه في بلد خليجي مثل الإمارات، بعد أن أتيحت له فرصة للعمل هناك، ليوْدَع بعد ذلك في سجن الوثبة الصحراوي القاسي.
ما الخطأ الذي ارتكبه النجار؟
تيسير سلمان النجار هو صحفيّ أردنيّ، يبلغ من العمر 42 عامًا، وعضو في نقابة الصحفيين، وعضو كذلك في رابطة الكتاب الأردنيين، عمل في القسم الثقافي بصحيفة الدستور الأردنية اليومية، وهو من الصحفيين الأردنيين المميزين العاملين في الصفحات الثقافية الأردنية منذ سنوات، وله عدة أبحاث ودراسات وكتب كان آخرها “أنثى عذراء كل يوم” خصصه لمدينة عمان، وهو أب لخمسة أطفال يقطنون ووالدتهم في منطقة ضاحية الرشيد شمال العاصمة عمان.
النجار كان قد توجه للعمل في مدينة أبو ظبي قبل ستة أشهر من اعتقاله، حيث تعاقد مع شركة “الجواء” للثقافة والإعلام في أبو ظبي، لتأسيس جريدة الدار بعد حصوله على إجازة لمدة سبعة أشهر من عمله في عمان.
في الـ3 من ديسمبر/ كانون الأول، وبشكل مفاجئ، منعت الأجهزة الأمنية الإمارتية تيسير النجار من السفر إلى عمان، وطلبوا منه مراجعتهم يوميًا دون أن يتلقى أي إجابة عن سبب منعه من السفر، وفي صباح الـ13 من ديسمبر/ كانون الأول 2015، اتصلت به شرطة أبو ظبي في المطار وطلبوا منه الحضور إليهم بهدف سفره، وهناك تم اعتقاله، دون إخطار ذويه أو السفارة الأردنية عن ذلك، وسط حالة تكتم إعلامي وغموض، امتدت حتى آذار/ مارس 2016.
ودون توجيه أي تهمة له أو إحالته للمحاكمة من قِبل السلطات الإماراتية، نُقل النجار إلى سجن الوثبة الصحراوي، على خلفية منشور له على “فيسبوك” نشره خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، انتقد فيه موقف الإمارات من العدوان وتعاونها مع مصر لتدمير الأنفاق بين مصر و قطاع غزة، كما تقول زوجته ماجدة الحوراني.
الحوراني التي لم تكن تعرف مصير زوجها حتى 22 من يناير/ كانون ثاني 2016، حينها علمت بتأكيد خبر اعتقاله، وظل الغموض يحيط بقضية اعتقاله وأسبابها حتى مارس/ آذار 2016، حيث تمكنت الحوراني، من التحدث إلى زوجها هاتفيًا بعد نقله إلى سجن الوثبة، حينها أعلمها زوجها أنه لم تُوجه له أي تهم رسمية بعد، وأن السلطات الإماراتية استجوبته بشأن تعليقات نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/ تموز 2014، قبل عام تقريبًا من انتقاله للعمل في الإمارات.
العائلة بدورها حاولت الحصول على إجابات واضحة من الأجهزة الرسمية الإماراتية، لكنها لم تحصل على شيء، والنجار نفسه لم توجه له أي تهمة رسمية حتى اللحظة، لتحول خطابها ومناشداتها إلى الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة خارجيتها، التي تتهمها العائلة بالتقصير الكبير بشأن ابنها، فبعد مناشدات طويلة ومريرة، خرجت وزارة الخارجية بتصريح صحفي على لسان الناطقة باسمها صباح الرافعى، قائلة: “الوزارة تبذل جهودها مع كافة الجهات المختصة الأردنية للتواصل مع الجهات الإماراتية عبر القنوات الدبلوماسية لمعرفة مصير الصحفى النجار وقضيته”، نافية أن يكون لديها أي معلومات أو تفاصيل عن التهمة الموجهة له.
إلا أن الوزارة قد أعلنت لاحقًا أن النجار بحالة جيدة، ولم يتعرض للأذى كما نشر في بعض وسائل الإعلام المحلية، ووعدت الوزارة عائلته بأنه سوف يتم تسهيل زيارات له في سجنه، لكن ذلك لم يحصل بعد.
حتى إن نقابة المحامين الأردنيين كلفت المحامي فيصل الخزاعي بإجراءات عملية للدفاع عن النجار، وقدم الخزاعي طلبًا لوزارة الخارجية الأردنية لتسهيل مهمته والحصول على موافقة من السلطات الأمنية والقضائية الإماراتية من خلال السفارة الأردنية في أبوظبي لمقابلة الصحفي النجار، إلا أنه بعد مخاطبة طويلة لكل من السفارة الإماراتية في العاصمة عمان ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة من أجل الحصول على الموافقات اللازمة لمقابلة موكله تيسير النجار، لم يصله أي رد حتى الآن.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” الأمريكية كانت قد اتهمت الإمارات بالإخفاء القسري للصحفي النجار، وطالبتها بالكشف عن مكانه والسماح له بالاتصال بمحامٍ، وقالت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان في بيان إن الصحفي النجار محتجز بمعزل عن العالم الخارجي منذ أن استدعته إدارة التحريات الجنائية في أبوظبي.
وقبل أيام قليلة، كشفت زوجة النجار عن تردي حالته الصحية بشكل جدي، بسبب التضييق عليه في مقر اعتقاله وإهماله طبيًا، وقالت ماجدة الحوراني إن زوجها اشتكى لها في اتصالاته الأخيرة من مشاكل طرأت على بصره نتيجة حرمانه من أشعة الشمس في مقر اعتقاله، حيث ضعف بصره وتضرر، بالإضافة إلى تعرضه لآلام شديدة في أسنانه بسبب إهماله وعدم تقديم الرعاية الصحية اللازمة له.
ونقلت الحوراني عن زوجها قوله: “أنا ما بسمحولي أشوف الشمس مطلقا في السجن”.
عائلة النجار الآن وبعد مرور ما يقارب العام على اعتقاله، ما زالت تقف وحدها على بوابات وزارة الخارجية والسفارة الإماراتية في عمان، حيث تم تنظيم عشرات الاعتصامات والوقفات اليتيمة من الحضور، بعضها شارك بها صحفيون بشكل منفرد، وبعضها محامون، وبعضها نقابيون آخرون متعاطفون مع قضية النجار، إلا أن غياب ممثلي المؤسسات الصحفية الكبيرة في الأردن، وغياب نقابة الصحفيين ذاتها، كان الأكبر.
فهل كان على النجار أن يفكر مليًّا قبل أن يكتب ذلك “البوست” في 2014، وهل كان يعلم أنه سيسافر للإمارات للعمل بعدها، وأنه سيتم الانتقام منه، وسيعاقب على رأي نشره على منصة مفتوحة من المفترض أنه لا قيود عليها، أم أن حظه السيء قاده لذلك العقاب الذي لا مفر منه ولا مناص، في عالم باتت القيود تصنع فيه على مقاس كل كلمة، تزعج مسؤولاً هنا، أو حكومة هناك؟