شهدت ليبيا في الفترة الأخيرة تزايدًا في عمليات الاختطاف من قبل ميليشات مسلحة شملت مسؤولين حكوميين وإعلاميين وبرلمانيين ورعايا أجانب وشخصيات مؤثرة في المجتمع، وأثارت هذه العمليات الهيئات الحقوقية الليبية والدولية ونشرت الذعر بين الليبيين.
منذ أكثر من شهر وبالضبط في الـ6 من أكتوبر/ تشرين الأول عمدت مجموعة مسلحة إلى اختطاف شخصية م- ن أمام أحد المساجد في طرابلس – معروفه على مستوى ليبيا والمنطقة بفكرها الوسطي، وهو الشيخ الدكتور نادر السنوسي العمراني، حيث ساقته إلى جهة مجهولة وبقي مكانه مجهولًا حتى ظهر خبر مقتله أمس الإثنين.
دار الإفتاء تنعي العمراني
نعت دار الإفتاء الليبية (أعلى سلطة دينية في ليبيا) في بيان لها أمس الإثنين الدكتور العمراني المخطوف، والذي شغل في حياته عدة مناصب منها عضو دار الإفتاء وعضو مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء والأمين العام لهيئة علماء ليبيا ونائب رئيس رابطة علماء المغرب العربي وعضو الرابطة العالمية للاحتساب.
لا تزال عمليات البحث عن جثة العمراني مستمرة حسب مصادر أمنية والتي أكدت أن العمراني تم تصفيته في منطقة السبيعة (أحد أحياء طرابلس العاصمة)، وتتهم قوات الأمن الليبية عبد الحكيم مقيدش التابع لقوات الردع الخاصة بتنفيذ الجريمة.
وذكر بيان دار الإفتاء أن العمراني قُتل لأنه يحمل لواء العلم وذو توجهات وسطية في دعوته ومنابذة الغلو وأهله، وطالب البيان في نهايته بـ”القصاص من كل من شارك وخطط ودبر للجريمة، ردعًا لأمثالهم من المجرمين”.
وقد سبق أن استنكر مفتي ليبيا الصادق الغرياني اختطاف عضو مجلس الإفتاء العمراني وذكر إنها سابقة خطيرة في ليبيا وطالب الكتائب الأمنية في طرابلس بإعلان استنكارهم لما حدث والتبرؤ من هذا الفعل، يُذكر أن رئيس دار الإفتاء الصادق الغرياني معارضًا لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس وكذلك للسلطة المنافسة لها في شرق ليبيا والمناهضة للإسلاميين.
قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية الليبية أصدّرت بيان لها بشأن قضية قتل العمراني نفت فيه صلتها بالجريمة وبالشخص الذي ظهر في فيديو منشور في بعض الصفحات الذي زج بالمسؤولية على قوة الردع.
وطالبت قوة الردع في بيانها بفتح تحقيق شفاف لمعرفة من يقف خلف الجريمة ومن يحاول استغلالها لمآرب خاصة به، وفي النهاية ذكرت أنها تسعى لبسط الأمن والقبض على كل المجرمين والدواعش.
أيًا كانت الجهة التي نفذت عملية الاختطاف والقتل بحق العمراني فإن حالة الانقسام سياسيًا وعسكريًا في ليبيا والمستمرة منذ سنوات أدت إلى الحالة الأمنية المتردية، إذ لم تستطع القوات الأمنية في طرابلس في أكثر من شهر الوصول للجهة الخاطفة وفي ظل هذا الانقسام الحاد من غير المتوقع أيضًا أن تلقي القبض على الفاعل.
ومن جهة أخرى فإن مراقبين يرون أن الجهة التي قتلت العمراني استهدفت التيار الوسطي في المجتمع الليبي الذي لا يخدم الغرماء السياسيين والتكتلات العسكرية المتقاتلة فيما بينها.
مأزق سياسي معقد
مرت على اندلاع الثورة الليبية التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي خمس سنوات ولا تزال البلاد غارقة في دوامة العنف وعدم الاستقرار، وفي تلك الأثناء ولد تنظيم داعش مستفيدًا من حالة عدم الاستقرار والانقسام السياسي والعسكري بين حكومتين تتنافسان على السلطة إحدهما في طبرق والثانية في طرابلس.
فهناك حكومة طبرق أو الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا وتسيطر على حوالي ثلثي البلاد رغم تنازعها النفوذ في بعض المدن كبنغازي ودرنة وغيرها مع الميليشيات الإسلامية وتنظيم داعش، أما حكومة طرابلس فهي تحالف من القوى السياسية كونت المؤتمر الوطني العام والتي أسهمت القوة المنضوية فيه كغرفة عمليات ثوار ليبيا ودرع ليبيا في السيطرة على العاصمة طرابلس، علمًا أن هذه الحكومة غير معترف بها دوليًا.
ويوجد أيضًا الخلافات داخل حكومة طبرق بسبب اللواء خليفة حفتر الذي يشغل منصب القائد العام للجيش الوطني الليبي في حكومة برلمان طبرق، وهناك خلافات أيضًا داخل حكومة طرابلس حيال مجريات عمليات الحوار السياسي والتي ألقت ظلالها على علاقة قادة الفصائل ببعضهم.
وفي خضم هذا المشهد الانقسامي الحاد غابت دولة القانون التي تحفظ الأمن والأمان للمواطنين وبرزت القوى العسكرية لتتحكم بالمشهد الأمني اليومي والذي تظهر تجلياته في إقامة حواجز التفتيش في الشوارع وعمليات السطو والاختطاف والاغتيالات واستيقاف المواطنين في الشوارع وسؤالهم عن انتماءاتهم المناطقية، وبقاء هذا الشكل من الدولة ينذر بتطورات أكثر تعقيدًا في المستقبل من الناحية الأمنية والتي انعكست بشكل سلبي كبير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين في ليبيا.