أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في أحد حواراته بشأن برنامجه الرئاسي، خلال حملته الانتخابية في شهر أغسطس/ آب الماضي، عن نيته التعاون مع روسيا وحلف الناتو وعديد من البلدان الأخرى، بهدف القضاء على تنظيم الدولة، لكنه أعرب أيضًا عن رغبته بالمشاركة في مبادرة فريدة من نوعها تضم حلف الناتو.
ترامب وحلف الناتو
وفي حوارات أخرى، انتقد دونالد ترامب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الذين يستغلون مواردها، مشيرًا إلى أنه سيجبرهم على القبول باتفاق يفرض عليهم دفع حصة أكبر من مصاريف الدفاع داخل الحلف.
للوهلة الأولى، يمكن القول إنه ليس مستبعدًا أن ترامب سيسعى لتنفيذ كلا هاتين المبادرتين إذا أصبح رئيسًا، لكنه سوف يكتشف قريبًا أنه لا يمكنه الذهاب في كلا الاتجاهين في نفس الوقت، وأن شراكته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ستؤدي على الأرجح إلى تراجع قوة حلف الناتو.
ولمعرفة المخاطر التي تنطوي عليها توجهات ترامب، لنفترض أولاً أنه سيمضي قدمًا في فكرة التحالف مع بوتين لشن حرب شاملة ستدعم نظام بشار الأسد الديكتاتوري في سوريا، الذي يقوم بمحاربة تنظيم الدولة على حد زعمه.
بوتين وترامب ومستقبل علاقات ودية
مثلما أعلن كل من ترامب وفلاديمير بوتين عن تحالفهما من أجل حلّ قضايا الشرق الأوسط، أعربا أيضًا في خطابهما الرسمي عن رغبتهما في حل قضايا أوروبا الشرقية، التي تشهد في الآونة الأخيرة العديد من التوترات العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، قامت القوات الجوية والبحرية الروسية بشن سلسلة من الغارات المعادية على طول الحدود مع دول الاتحاد الأوروبي، وردًا على تلك الغارات دفعت قوات حلف الناتو بعديد من التعزيزات العسكرية، منها تركيز العديد من الصواريخ قصيرة المدى في مناطق قريبة ومجاورة لروسيا.
ونظرًا للتحالف البوتيني الترامبي الجديد في الشرق الأوسط، فمن المنطقي أن يدعو كل منهما إلى وقف هذا التصعيد الخطير، ويعلنان عزمهما المشاركة في مبادرات رامية لإعادة بناء الثقة بين حلف الناتو وروسيا في المستقبل.
ولكن بما أن الحرب في سوريا قد تستمر لأشهر ولسنوات أخرى، فمن المحتمل أن بوتين سيعيد النظر في مسألة الانفراج الدولي التي ما زالت على حالها، نظرًا لأنه بدأ بالتخطيط للاستيلاء على دول البلطيق، على غرار ما فعله مع أوكرانيا سابقًا، وعلى ضوء هذا السيناريو، انخرطت عديد من الأقليات الروسية المحلية في أستونيا ولاتفيا في انتفاضات مدعومة من القوات البرية الروسية التي تدفقت عبر حدودها.
وعلى ضوء هذا التحول الاستراتيجي الذي تشهده هذه الدول، أكد بوتين مؤخرًا أن دول البلطيق هم أعضاء في حلف الناتو، ولذلك فهم يملكون الحق في التمتع بالحماية، بموجب المادة خمسة من معاهدة الحلف.
ومع ذلك ربما سيقوم ترامب وعديد من البلدان الأخرى بغض الطرف عن تعليقات بوتين، وسيقبلون بادعاءاته التي ينفي من خلالها أي مصلحة لقواته من استيلاء بعض التابعين لروسيا على السلطة في دول البلطيق.
وفي هذه النقطة، سوف تظهر جهود ترامب الموازية التي سيحاول من خلالها إجبار أوروبا على وقف تحرك حلف الناتو نحو دول البلطيق، وفي الخطاب السنوي الذي سيلقيه الرئيس الجديد في سنة 2017، من المحتمل أن يطلق ترامب مبادرة جديدة وفريدة من نوعها، من شأنها أن تثير صخبًا كثيرًا في أوروبا، فبإمكانه التأكيد على أن كل البلدان الأوروبية يجب أن تتعهد بموجب بنود الاتفاقية المؤسسة للحلف، بدفع 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية، وذلك بعد أن فشلت كل القوى الأوروبية الكبرى بالوفاء بالتزاماتها المادية، فعلى سبيل المثال استثمرت ألمانيا 1.2% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي في الدفاع.
ونظرًا للأزمات المالية الهائلة التي تشهدها عديد من البلدان الأوروبية، ستحاول العديد من القوى الأوروبية تجاهل مطالب ترامب المتعلقة بزيادة ميزانية الدفاع، وهذا سيخلق سلسلة من المواجهات، التي من شأنها أن تسلط ضغوطًا خطيرة على هذا الحلف وتمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى صلابته.
ومن المحتمل أن بوتين سيستغل هذه الأجواء المتوترة داخل الحلف، من أجل مواصلة عملياته التوسعية، التي تهدف إلى الاستيلاء على دول البلطيق، ولكن في هذه المرحلة سيواجه ترامب تحديًا حقيقيًا، يتعلق بمدى تمسكه بتحالفه الشرق الأوسطي مع بوتين، وبمدى دعمه لإجراءات حلف الناتو الرامية للتصدي إلى التهديد الروسي الذي يلوح في الأفق، وبمدى تقبله لضم أجزاء من دول البلطيق في الاتحاد الروسي، التي على إثرها سيتم تدمير مصداقية حلف الناتو في كامل العالم.
ولكن من المحتمل أن يرمي ترامب كل المخاوف الأوروبية عرض الحائط، عن طريق تذرعه باحتمال نشوب حرب بين كل من كوريا الشمالية وحليفة الولايات المتحدة الأمريكية القديمة، اليابان.
وإذا ما تفككت قوى حلف الناتو، فإن روسيا ستتمكن من إعادة تأسيس مجال نفوذها في أوروبا الشرقية، وفي هذه الأثناء، ستحاول بلدان أوروبا الغربية الاستعداد عسكريًا للدفاع عن نفسها أمام التهديد الروسي المحدق بها، وذلك لأنها لم تعد قادرة على الاعتماد على جهود الولايات المتحدة.
ويوحي هذا السيناريو المخيف بأن ترامب لن يتمكن من الاختيار بين ولائه لحليفه الروسي وولائه لحلف الناتو، فإذا اختار الرئيس المنتخب حلف شمال الأطلسي، فيجب عليه أن يرفض دعم روسيا لديكتاتورية الأسد، ولكن سيكون من الأفضل له أن ينأى بنفسه بعيدًا عن استراتيجيات أوباما الفاشلة في الشرق الأوسط، وأن يتحالف مع الناتو لردع القوات الروسية.
ولكن إذا اختار دونالد ترامب حلف الناتو، ليست هنالك أدلة تؤكد أن البلدان الأوروبية سوف توافق على مقترح ترامب المتعلق برفع حجم ميزانية الحلف، ولكن من المرجح أيضًا أن تلعب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دورًا مركزيًا في هذه المسألة، فنظرًا لأن ألمانيا تعتبر قوة اقتصادية كبيرة في القارة، من المحتمل أنها ستقبل بزيادة أعباء دفاع الحلف، لأنها ترغب في الحفاظ على الحدود الشرقية والغربية للقارة الأوروبية.
إذ إنه إذا تفكك حلف شمال الأطلسي، ستضطر ألمانيا إلى زيادة استثماراتها العسكرية بشكل كبير لمواجهة تقدم بوتين في أوروبا الشرقية، وفي المقابل فإن إبرام اتفاق ناجح مع ترامب سيقلل بشكل حاد احتمالات تزايد العدوان الروسي، ولكن إذا قلنا إن بوتين سيتمكن من ترؤس البلدان التي تمتلك الثروات النفطية الأكبر في العالم، سيكون من الأفضل لو تحرك ترامب نحو مسار الانفراج الدولي مع روسيا، ولكن إذا أكّد ترامب التزامه بمهام حلف الناتو، فلن يجرؤ بوتين على الاستيلاء على دول البلطيق.
ومن المؤكد أن المستشارة الألمانية ستواجه صعوبات في الحصول على الدعم السياسي لخطط ترامب المتعلقة بزيادة الاستثمار العسكري للحلف، كما أنها سوف تواجه اختبارًا انتخابيًا حقيقيًا العام المقبل، مع اليمين المتطرف، الذي سيسكب تمثيلاً برلمانيًا كبيرًا، لأول مرة في التاريخ الألماني الحديث، ومن المحتمل أنها سوف تترأس في أعقاب تلك الانتخابات ائتلافًا كبيرًا من الأحزاب اليسارية الألمانية ذات التوجهات السلمية.
ومن المرجح أن هذه الأحزاب ستحثها على رفض أي زيادة كبيرة في الإنفاق، لأن ذلك سوف يدفع بالبلاد نحو طريق العسكرة، وهي الكارثة الكبيرة التي شهدها القرن العشرين، كما أن تيارات مماثلة ستعارض عديد من القادة الأوروبيين الآخرين الداعمين لمقترح ترامب.
لا يمكن معرفة ما إذا كان الاتفاق الجديد الذي سيبرمه ترامب مع حلف الناتو سيكون من ضمن أولوياته الرئيسية، أو أن البلدان الأوروبية ستقبل بتحمل حصة عادلة من تكاليف هذا الالتزام الأمريكي بالدفاع عن حدود أوروبا الشرقية، فترامب يخدع نفسه إذا قال إن بإمكانه المحافظة في نفس الوقت على شراكته مع حليفه الروسي وعلى قوة حلف الناتو، كما إنه سيكون مخطئًا إذا كان يظن أنه سيتمكن بمساعدة فلاديمير بوتين من إرجاع مجد أمريكا العظمى.
المصدر: الأتلانتيك