ترجمة وتحرير نون بوست
هذا المقال كتابة مشتركة بين سلفادور مارتينيز وإسماعيل مونسون.
ينعزل الطفلان رفقة كرة قدم، عن باقي المجموعات، يرتديان ملابسًا خفيفة لا ترُدّ عنهما برد الطقس، وأحذية لا تقيهما أرضه الصلبة، كما أنهما لم يغيرا هذه الملابس التي قدما بها إلى روما، ولم يتخلّيا عن كرة القدم التي صاحبتهما منذ قدومهما إلى روما.
يقف الطفلان منعزلان عن بقية العالم، وإذا تحدث إليهما أحد المارة، يبادرانه بابتسامة بريئة، وقد كشف أحدهما عن حلمه قائلاً: “حلمي أن أصبح مثل نيمار”، وكان بالفعل يمتلك شبهًا بنيمار من خلال القبعة التي يرتديها بطريقة ساحرة.
جمعت الصدفة فيلمون 13 سنة، ويحيى 14 سنة أول مرة في بلدة تقع في قلب إريتريا، حيث أن الأول مسيحي والثاني مسلم، ولكن هذه التفاصيل الصغيرة لا تكتسي أية أهمية بالنسبة لطفلين تقاسما عناء مسيرة الوصول إلى أوروبا، كما سافر الطفلان سويًا من هذه النقطة، مرورًا بإثيوبيا والسودان ومصر، ومن ثم عبرا المتوسط الذي قادهما إلى سواحل إيطاليا.
وعند سؤال الطفلين عن المافيا، لم يفهم أي منهما هذا المصطلح، وذكرا أن رجلاً كان ينتظرهما عند كل نقطة عبور لتأمين مرورهما من مكان إلى آخر، كما أشار أحد الطفلين إلى أن والدته اضطرت للتضحية ببعض مجوهراتها لتأمين سفره إلى إيطاليا.
وعند الحديث عن رحلتهما عبر البحر الأبيض المتوسط، أكّد أحد الطفلين أنه “قدم إلى السواحل الإيطالية عبر قارب يحمل نحو 400 شخص، وقد دامت هذه الرحلة عدة أيام دون طعام أو شراب، الأمر الذي اضطر بعض منهم إلى الشرب من مياه البحر”.
وبعد إنقاذهما في عرض البحر تم نقلهما إلى صقلية، أين سُجّلا بأحد المراكز، وأمضيا ثلاثة أشهر في مراكز الرعاية، لكن عندما أصبح الطفلان يشعران بالخوف، هربا من هذا المكان وتنقلا عبر حافلة إلى روما، وعمومًا، يعتبر الطفلان أن إيطاليا هي بوابة أوروبا، وليست محطتهم النهائية.
وفي هذا السياق، صرّح ماركو كابوتشينو العامل بمنظمة “انقذوا الطفولة”، أن هناك نوعان من الأطفال طالبي اللجوء، يشمل الصنف الأول أطفالاً يتخذون من إيطاليا نقطة عبور، أما الصنف الثاني، فهم أطفال يأتون إلى إيطاليا لأسباب اقتصادية بهدف العمل في السوق السوداء.
ويواصل كابتشينو قائلاً: “أصبحت المجموعتان هدفًا للمنظمات الإجرامية، كما أن المجموعة الثانية هي الأكثر عرضة للخطر، إذ يبدأ عملها مع المنظمات الإجرامية باقتراض الأطفال للديون من شبكات الابتزاز التي تجبرهم على دفع هذه المبالغ بكل الطرق، من بينها العمل داخل شبكات الدعارة”.
يختفي العديد من الأطفال اللاجئين بمجرد وصولهم إلى إيطاليا، والغريب في الأمر أن الأطفال يمرون بمراكز التسجيل أين تؤخذ بصماتهم ثم يختفون فجأة.
ووفقًا لرئيس منظمة إنقاذ الطفولة، فإن السبب في ذلك هو غياب المراقبة، الأمر الذي يحول دون تقييد تحركات القُصّر، كما تَبيّن مؤخرًا أن المهاجرين يعانون من سوء المعاملة، وبالإضافة إلى ذلك فإن السلطات تشارك في هذه الانتهاكات، مما يدفع بالقُصّر إلى الهروب لمكان آخر”.
الأطفال اللاجئون غير المصحوبين بأحد أفراد العائلة في روما، يمكن أن يفلتوا من السلطات ويتخذون من هذا المكان ملجأ لهم.
كما أن إخلاء مخيم كاليه، أثار مخاوف منظمة الأمم المتحدة بشأن مصير الأطفال غير المصحوبين بأحد أفراد عائلاتهم، وقد نددت منظمة “انقذوا الأطفال”، بأخذ العديد من الأطفال زمام المبادرة من أجل إعادة بناء حياتهم خارج مراكز الاستقبال، وحسب بيانات صادرة عن منظمة أوكسفام، فإن “نحو 28 حالة فرار يتم تسجيلها بصفة يومية في مراكز استقبال اللاجئين”.
وعمومًا، شهدت الستة أشهر الأولى من هذه السنة تسجيل حوالي 5222 حالة غياب في صفوف الأطفال اللاجئين على الأراضي الإيطالية، ويرتفع هذا العدد كلما زاد تدفق اللاجئين إلى الأراضي الإيطالية.
وبعد ثلاث سنوات من أزمة اللجوء، سجلت السواحل الإيطالية قدوم ما يقرب من 14225 قاصرًا غير مصحوبين بأولياء أمورهم، تتراوح أعمار 90% منهم بين 15 و18 سنة، وكلهم تقريبًا من الذكور، وأغلبهم من غامبيا وألبانيا وإريتريا ونيجيريا.
وأمام تزايد هذه الحالات، مررت الحكومة قانونًا، لا زال يفتقر إلى موافقة مجلس الشيوخ، بهدف تنظيم وضعية الأطفال اللاجئين، كما لاقى هذا القرار ترحيبًا كبيرًا بين مختلف المنظمات غير الحكومية، إذ يقضي بفرض وصيّ قانوني على كل طفل لاجئ في أثناء إقامته في إيطاليا، وتبحث السلطات في نفس الوقت عن مضيف خاص بكل طفل خلال مدة أقصاها 30 يومًا، كما سيتمتع الأطفال اللاجؤون بالمساعدة الطبية والتعليمية والقانونية، وغيرها من الخدمات الأخرى.
وفي هذا السياق، صرح رئيس منظمة “انقذوا الأطفال”، ماركوكا بتشينو، قائلاً “نحن نطلب من الاتحاد الأوروبي فتح ممرات آمنة لتسهيل مرور اللاجئين وجمع شمل الأسر التي فكّكتها الحرب”.
تسعة آلاف طفل لاجئ اختفوا في ألمانيا
أما في ألمانيا، فقد سُجلت نحو تسعة آلاف حالة اختفاء لأطفال قُصر من بين حوالي 35 ألف قاصر جاؤوا لوحدهم إلى ألمانيا، ورغم الجهود التي تبذلها ألمانيا، إلا أن ذلك لم يمنع عديد الأطفال من الهروب من رقابة السلطة.
وحسب مصادر من الشرطة، فإن هناك حالات عديدة من بين الحالات المسجلة، التي تتمكن شرطة برلين من تحديد مصيرهم، وأطلقت على هذا النوع اسم “الطفل الشبح”، وتفسر وزارة الداخلية الألمانية أسباب هذه الاختفاءات بمواصلة هذه المجموعة سفرها بحثًا عن أقاربها في أماكن أخرى من ألمانيا أو أوروبا، ويواصل نفس المصدر قوله: “هناك مؤشرات تفيد أن الكثير منهم قد سافر إلى السويد والنرويج والمملكة المتحدة”.
العثور على بعض الأطفال بالصدفة
وحسب كابا، العامل في أحد مراكز إيواء القُصّر، تم التعرف على هوية بعض الأطفال خلال العمليات الروتينية للتحقق من الهوية، كما سجلت حالات عديدة لأطفال يطلبون المساعدة من السلطات الألمانية في دولة ألمانيا الاتحادية، في أماكن مختلفة عن أماكن تسجيلهم في بنك معلومات السلطات المحلية.
ويضيف المركز “أما بالنسبة للأطفال الذين اختفوا، فإننا لا زلنا نجهل مصيرهم”، كما أكّد أن بعض الرسائل وصلتهم من أطفال يعلمونهم أنهم عادوا إلى اليونان، في الطريق إلى بلدانهم الأصلية، لأن أسرهم في حاجة إليهم.
أطفال لاجؤون يحضرون اليوم الأول من الدراسة في المركز اليوناني
ويمثّل القُصّر غير المصحوبين بأوليائهم نسبة 37% من جملة الأطفال الذين وصلوا خلال الأشهر الأولى من هذه السنة، كما أن نسبة الاختفاء في صفوف الأطفال ليست منتشرة كثيرًا، ويفسّر ذلك، بتراجع عدد اللاجئين المتدفقين إلى اليونان منذ إبرام الاتفاق المبدئي عن اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
ومن جهة أخرى، فإن عديد من حالات الاختفاء المؤقتة سجلت في برلين، وحسب مصادر من الشرطة، فإن هناك أطفال يعودون إلى الملاجئ بعد أن عاشوا في مدن أخرى، مع الأصدقاء، لأنهم لا يشعرون بالراحة في المكان الذي استضافهم في البداية.
وتدين منظمة الاتحاد الألماني للاجئين القصر غير المصحوبين بأوليائهم، عدم وجود قوانين وآليات تسمح لهؤلاء الأطفال بالسفر مباشرة من الدول الأوروبية الأولى إلى دول أوروبية ثانية، حيث يوجد أقاربهم.
ووفقًا لأحد العاملين بهذه المنظمة، فإنه في ظلّ غياب إجراءات ناجعة، يُضطر الأطفال اللاجؤون إلى طلب خدمات غير قانونية، أو العمل ضمن منظمات إجرامية، وعموما، هناك مكانان تزدهر فيهما الجرائم في العاصمة الألمانية، التي تستقطب أطفال اللاجئين، تنتشر فيهما أساسًا عمليات السرقة وتجارة المخدرات وشبكات الدعارة.
وأكدت شرطة برلين أنه تم تسجيل حالات سرقة فقط في صفوف الأطفال اللاجئين، أما في اليونان، بوابة أوروبا، فإن هذا النوع من التجاوزات موجود بكثرة، فقد سجلت عديد من الحالات لمراهقين يتاجرون بالمخدرات، وهو ما أكّده مراهقون من طالبي اللجوء الذين تواصلت معهم إحدى المنظمات التي تهتم بشؤون اللاجئين.
وتجدر الإشارة إلى أن إسبانيا ليست في عزلة عن حالات “الطفل الشبح”، التي سجلت في باقي الدول الأوروبية، فقد أصدرت منظمة “انقذوا الأطفال” بالتعاون مع منظمة جذور الإسبانية، تقريرًا، بخصوص غياب الحماية وتواصل الإهمال والتمييز التي يعاني منها القاصرين غير المصحوبين بأحد أفراد العائلة، في مدينة مدريد.
المصدر: صحيفة الإسبانيول