يصوت الكنيست الإسرائيلي الأسبوع القادم على مشروع قانون حظر استخدام مكبرات الصوت في رفع الأذان في القدس وعامة أراضي الـ48 في فلسطين المحتلة، فلماذا تصر دولة الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في هذا القانون الذي فجر حالة من الغضب لدى الشارع الفلسطيني وخلق أزمة ما زالت تتضخم على المستوى السياسي المحلي والإقليمي، وربما ينذر بانفجار شعبي قادم في الأراضي المحتلة؟
ما مشروع “قانون الأذان”؟
ينص مشروع القانون على منع استخدام مكبرات الصوت في القدس ومساجد فلسطين (1948) عامة، لبث رسائل دينية أو وطنية بهدف مناداة المصلين للصلاة، وجاء في نص المشروع الذي صادقت عليه اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الحكومة الإسرائيلية في 13 من نوفمبر/ تشرين الأول الحاليّ أن “مئات آلاف الإسرائيليين يعانون بشكل يومي وروتيني من الضجيج الناجم عن صوت الأذان المنطلق من المساجد والقانون المقترح يقوم على فكرة أن حرية العبادة والاعتقاد لا تشكل عذرًا للمس بنمط ونوعية الحياة”.
وبناء على نص هذا القانون سيتم تحديد معدلات مكبرات الصوت في “مختلف بيوت العبادة لجميع الديانات” في أراضي دولة الاحتلال، علمًا بأن المساجد هي الوحيدة في فلسطين التي تستخدم مكبرات الصوت لرفع الأذان، بينما تستخدمها الكنس اليهودية مرة واحدة في الأسبوع للإعلان عن ليلة السبت.
ويمنح مشروع القانون – الذي تقول الحكومة الإسرائيلية إنه يستند إلى قانون حماية البيئة لعام 1961 – وزير الداخلية صلاحية منع استخدام مكبرات الصوت في دور العبادة خلال ساعات الليل وعند الفجر.
وسيمنح المشروع – في حال إقراره من الكنيست – الشرطة الإسرائيلية صلاحية استدعاء المؤذنين والأئمة للتحقيق معهم، واتخاذ إجراءات جنائية ضدهم وفرض غرامات مالية على مخالفيه منهم، ووفقًا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإنه يعيش ما يزيد على مليون وأربعمئة ألف عربي فلسطيني في داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويشكلون 20% من عدد السكان البالغ أكثر من ثمانية ملايين نسمة.
“مشروع قانون المؤذن” والقاضي بمنع الأذان عبر مكبرات الصوت بحجة إزعاج المحيطين بالمسجد ودور العبادة، قدمه عضو الكنيست عن حزب البيت اليهودي موتي يوغاف، وهو حزب يميني متطرف يعود بجذوره الصهيونية للتيار الديني الصهيوني المؤسس، حيث يقول يوغاف إن قانونه يحظى بتأييد واسع من قبل الوزراء في الليكود والبيت اليهودي.
حتى إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو – الذي أخفق في تمرير قانون مماثل في لجنة التشريعات عام 2011 – أبدى تأييده للمشروع قائلاً: “لا أستطيع أن أعدّ كم مرة توجه إليّ مواطنون من جميع الشرائح وجميع الأديان واشتكوا من الضجيج والمعاناة التي يعيشونها”، وأضاف أن دولة إسرائيل ملتزمة بحماية من يعانون من الضجيج الذي تسببه مكبرات الصوت رغم أنها “دولة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان”.
هل يفجر المشروع حربًا دينية؟
هذه الإجراءات وما تبعها من تصريحات رسمية مستفزة، فجرت حالة من الغضب لدى الفلسطينيين، حيث رفض النواب العرب والمسلمون مشروع القانون، وشهدت البلدات الفلسطينية مسيرات احتجاجية واسعة وتحديًا من قبل المؤذنين المحليين، كما قام النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي برفع الأذان من على منصة الكنيست، وقال الطيبي إنه سيلجأ إلى المحكمة العليا بسبب “المس بحرية العبادة للمسلمين”، وأضاف: “هذا القانون سَيُسكِت المسلمين لكنه يستثني اليهود، القانون يمس بحرية العبادة للمسلمين في إسرائيل، هذا القانون زائد محرض ومستفز، ويمكن حل الأمور دون إكراه”، وأكد: “لقد توصل اليهود والعرب بأماكن كثيرة في البلدان إلى حلول بواسطة الحوار ويجب مواصلة هذا التوجه”.
كما رأت قيادات سياسية ودينية بالداخل الفلسطيني في المصادقة على القانون انفلاتًا خطيرًا وتعديًا عنصريًا آخر على الحريات، وانتهاكًا لحرية العبادة للمسلمين واعتداءً على الديانة الإسلامية، وإعلان “حرب دينية” من قبل نتنياهو.
كما قالت حركة حماس على لسان الناطق باسمها حسام بدران: “الشعب الفلسطيني لن يمرر هذا القانون مهما كلف ذلك من ثمن خاصة في مدينة القدس”، ووصف بدران القانون بأنه عنصري ويدلل على حقد إسرائيلي أعمى تجاه المقدسات الإسلامية، وأضاف “آن الأوان ليقول المسلمون في كل أصقاع الأرض كلمتهم إزاء ما يتعرض له المسجد الأقصى وباقي الأماكن المقدسة من تدنيس وتهويد من قبل الاحتلال”.
الأردن يحذر من مشروع القانون
عربيًا ودوليًا، حذر الأردن غير مرة من أن تمرير مشروع الأذان وخصيصًا في المسجد الأقصى سيؤدي إلى “حرب دينية”.
الأردن الذي تربطه اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1994، رد وزير خارجيته ناصر جودة عبر بيان مقتضب على الخطوة الإسرائيلية، رافضًا “قبول الأردن بأي شكل من الأشكال منع رفع الأذان في الحرم القدسي الشريف”، وهو الموقف الذي حاز انتقاد نواب أردنيين لاقتصار البيان الحكومي على مدينة القدس دون سائر المدن الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
كما أُجبر رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة على إفراد جلسة خاصة للمجلس الـ18 الجديد لمناقشة القرار الإسرائيلي بمنع الأذان في القدس، وإصدار بيان يستنكر الخطوة التي يمكن لإسرائيل أن تقطع الكهرباء بها عن المسجد الأقصى وتمنع رفع الأذان عنه عنوة،
كما اعتبرت وزارة الأوقاف الأردنية – الوصية على المقدسات الإسلامية في القدس – أن أي قرار تصدره دولة الاحتلال الإسرائيلي بشأن الأماكن المقدسة في مدينة القدس – بما في ذلك رفع الأذان في المسجد الأقصى – باطل ولا يؤخذ به.
أما دوليًا فقد قال رئيس الشؤون الدينية التركي محمد غورماز: “مشروع حظر الأذان معناه إنكار وجود الإسلام والمسلمين في القدس على مر التاريخ، وهذا لا يمكن قبوله أبدًا”، كما أدانت جامعة الدول مشروع القانون في بيان مقتضب، واعتبرته “استفزازًا خطيرًا جدًا وتصعيدًا مرفوضًا”.
أخيرًا، قالت إذاعة صوت إسرائيل اليوم الأربعاء، إن الحكومة الإسرائيلية اتفقت على أن يقتصر حظر استخدام مكبرات الصوت في الأذان، ما بين الساعة الحادية عشر مساءً، وحتى السابعة صباحًا بتوقيت القدس، أي أنه يشمل أذان الفجر فقط، في إجراء وصف بأنه “تخفيف للقانون”، وفي المقابل قدمت كتلة يهودوت هتوراة الدينية المتشددة، اقتراحًا باستثناء “الصفارات” التي تعلن قدوم السبت لدى اليهود من مشروع القانون.
وأشارت الإذاعة إلى أنه سيتم التصويت على مشروع القانون في الكنيست الأسبوع المقبل، دون تحديد يوم بعينه.
هذه الحالة من المراوغة الإسرائيلية قبيل التصويت على المشروع، بات يعيشها الفلسطينيون في حالة ترقب وحذر شديدين، وقبل الآن، فجّر المساس بالمقدسات الإسلامية هبّات وانتفاضات شعبية على طول الصراع العربي الفلسطيني – الإسرائيلي، آخرها كان هبّة القدس والضفة الغربية في مطلع أكتوبر 2015، والتي فتحت باب العشرات من عمليات الطعن والعمل المسلح، والتي أدت لمقتل عشرات الإسرائيليين، بسبب ازدياد التدنيس الإسرائيلي للمسجد الأقصى والاستمرار في تهويده والاعتداء عليه.
فهل سيشهد الشارع الفلسطيني موجة جديدة من الغضب تشعل الصراع مجددًا وتعيد الباب مفتوحًا أمام العمليات الفدائية التي أثقلت كاهل دولة الاحتلال، حتى في ظل غياب مظلة حقيقية جامعة لأطياف الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والأراضي المحتلة.