جولة جديدة من توتر العلاقات بين القاهرة ودول الخليج تلوح في الأفق جرّاء إعلان 8 دول عربية وإفريقية انسحابها من المشاركة في القمة العربية الإفريقية، التي تعقد اليوم بمالابو في غينيا الاستوائية، تحت عنوان “التنمية المستدامة والتعاون الاقتصادي بين إفريقيا والعالم العربي”، وذلك بسبب إصرار الاتحاد الإفريقي على مشاركة وفد الصحراء “جبهة البوليساريو” في أعمال القمة.
الانسحاب الخليجي المفاجئ قبيل عقد القمة جاء بالتزامن مع مشاركة مصر عبر وفد ترأسه عبد الفتاح السيسي، مما وضع القاهرة في موقف حرج أمام الدول الخليجية التي انسحبت بالكامل دعمًا للمغرب، وسواء كان هذا الموقف بقصد أو دون قصد، خاصة وأن إعلان الانسحاب جاء مفاجئًا ودون ترتيب مسبق، إلا أن صدام مرتقب بين القاهرة والعواصم الخليجية بات وشيكًا، ليزيد الأجواء تلبدًا، لا سيما بعد توتر العلاقات بين الجانبين خاصة السعودية في الآونة الأخيرة.
انسحاب خليجي
في خطوة تصعيدية تهدد أعمال القمة العربية الإفريقية الرابعة في غينيا الاستوائية، أعلنت وفود ثماني دول عربية وإفريقية انسحابها من القمة، بسبب إصرار الاتحاد الإفريقي على مشاركة وفد “الصحراء” في أعمال القمة، حيث احتجت المغرب على مشاركة جبهة البوليساريو خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب والأفارقة والذي عقد أول أمس الإثنين، مما أدى إلى تأجيلها إلى موعد لم يحدد، في وقت يواصل العاهل المغربي الملك محمد السادس، جولته الإفريقية، والتي تشمل دولاً وقفت دائمًا ضد المغرب إلى جانب الجبهة.
وفي ظل إصرار الاتحاد الإفريقي على مشاركة الجمهورية الصحراوية، أعلنت وفود كل من المغرب والبحرين والسعودية والإمارات وقطر واليمن وسلطنة عمان والصومال، انسحابها الكامل من المشاركة في القمة، لحين البت في طلب الرباط باستبعاد وفد الصحراء.
السفير أحمد القطان سفير السعودية لدى مصر والجامعة العربية، أكد في تصريحات له أن بلاده أعلنت انسحابها تضامنًا مع المغرب، ملفتًا إلى مساندة السعودية للشقيقة المغرب في انسحابها من القمة، وكل ما يمسّ سيادة الدولة المغربية ترفضه السعودية، على حد قوله.
أعلنت وفود كل من المغرب والبحرين والسعودية والإمارات وقطر واليمن وسلطنة عمان والصومال، انسحابها الكامل من المشاركة في القمة، لحين البت في طلب الرباط باستبعاد وفد الصحراء
القطان تقدم بمقترح للخروج من هذه الأزمة تمثل في رفع علم “الصحراء” من على طاولة الدول المشاركة، حتى يتم التوافق على حل لمواصلة الاجتماعات، مضيفًا أن غينيا الاستوائية “لم تقدم دعوة للصحراء”، وهو ما لم يلتفت إليه من قبل الدولة المستضيفة أو المنظمة الإفريقية.
وفي نفس السياق، أعلن وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي ثاني بن أحمد الزيودي، مساندة بلاده لموقفي المغرب والسعودية، وقال في كلمة خلال الاجتماع، إن بلاده تضم صوتها إلى جانب المغرب والسعودية في الانسحاب من القمة، كما أعلنت البحرين وقطر تضامنهما مع الرباط والانسحاب من القمة.
وقد تسبب انسحاب الوفود الخليجية وبعض الدول العربية، في إحداث خلل وإرباك كبير في القمة، ما يهدد نجاحها، ما اضطر رئيس المجلس الوزاري للقمة، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي وزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، إلى رفع أعمال اجتماعات المجلس الوزاري إلى وقت لاحق لم يحدد، مشيرًا أن هذه الخلافات ستتسبّب بصورة كبيرة في فشل القمة العربية الإفريقية الرابعة.
انسحاب 8 دول من المشاركة في أعمال القمة العربية الإفريقية
التحالف الخليجي المغربي
تحيا العلاقات بين المملكة المغربية ودول الخليج في الآونة الأخيرة أزهى عصورها، نظرًا لتقارب وجهات النظر في عديد من الملفات الإقليمية الشائكة التي فرضت نفسها خلال الخمس سنوات الماضية، وكان لها مفعول السحر في إعادة رسم خارطة التحالفات في المنطقة.
مؤخرًا نجحت الرباط بفضل سياساتها الخارجية في تدشين حلف خليجي مغربي داعم لتوجهاتها ومواقفها السياسية لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء، فالملك محمد السادس يعلم جيدًا حجم الدعم الخليجي لقضيته الأساسية، لذا بادر بتقديم ما يثبت حسن النوايا، حيث بعث جيشه للقتال مع السعودية في اليمن ضمن قوات عربية أخرى شاركت في عاصفة الحزم، وبعد هذا أعلن انضمامه إلى الحلف السني الذي تقوده السعودية ضد داعش وإيران، ثم شارك في المناورات العسكرية المسماة رعد الشمال، وقبل هذا بعث قواته العسكرية والأمنية إلى الإمارات لتعزيز أمنها، كما أن ساعة علاقته بإيران مضبوطة على توقيت خليجي، لذا كان على دول الخليج أن ترد الجميل، وهو ما كان بالفعل، حيث الإعلان عن تكتل خليجي مغربي لدعم القضية الصحراوية المغربية.
نجحت الرباط بفضل سياساتها الخارجية في تدشين حلف خليجي مغربي داعم لتوجهاتها ومواقفها السياسية لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء
لكن يبدو أن هذا التقارب بات سلاحًا ذو حدين فيما يتعلق بعلاقات الجانبين الخارجية، فقوة علاقة أحد الطرفين بأي دولة أخرى ينسحب على الدولة الحليفة، والعكس صحيح، وهو ما يمكن تجسيده في الموقف المصري، حيث أثار التقارب المغربي الخليجي حفيظة القاهرة بلا شك، عزز ذلك تباين الموقف المصري والمغربي حيال القضايا الحيوية الإقليمية وفي مقدمتها الملف السوري، ومن ثم فحين ارتفع منسوب التوتر في العلاقات المصرية السعودية، انسحب هذا التوتر بالتبعية على العلاقات المصرية المغربية.
العاهل السعودي ونظيره المغربي
البوليساريو.. بداية الأزمة
كثير من المحللين أرجعوا التوتر في العلاقات بين القاهرة والرباط إلى الاستقبال المصري لوفد جبهة “البوليساريو” بقيادة خطري إدوه رئيس البرلمان الصحراوي، في أكتوبر الماضي، للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي، الذي عقد في شرم الشيخ بمناسبة الاحتفال بمرور 150 سنة على أول برلمان مصري، وكأنها سابقة تحدث لأول مرة، لكن من خلال قراءة متأنية لبعض المحطات في تاريخ العلاقات بين البلدين نجد أن هناك سوابق تنبئ بمزيد من التوتر حاضرًا ومستقبلاً.
زادت حدة التوتر أكثر حين قدم المغرب طلبًا رسميًا للعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بعد انسحابه عام 1984، بسبب انضمام البوليساريو للمنظمة، وهو ما دفع 28 دولة إفريقية من الدول المقربة من المغرب للتوقيع على وثيقة تطالب تعليق مشاركة البوليساريو في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي، لكن المفاجأة أن مصر لم تكن ضمن الدول الموقعة
فالعلاقات المصرية المغربية شهدت موجات متتالية من المد والجذر، والشد والجذب، ما بين الحين والآخر، كان أبرزها ما حدث العام الماضي، حين قام وفد مصري بزيارة للعاصمة الجزائرية من أجل حضور مؤتمر دولي داعم لجبهة “البوليساريو”، مما تسبب في غضب الشارع المغربي.
كما زادت حدة التوتر أكثر حين قدم المغرب طلبًا رسميًا للعودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بعد انسحابه عام 1984، بسبب انضمام البوليساريو للمنظمة، وهو ما دفع 28 دولة إفريقية من الدول المقربة من المغرب للتوقيع على وثيقة تطالب تعليق مشاركة البوليساريو في جميع هياكل الاتحاد الإفريقي، لكن المفاجأة أن مصر لم تكن ضمن الدول الموقعة، مما يعني موافقتها على استمرار الجبهة في المنظمة، وهو ما اعتبرته الرباط إخلالاً بتعهدات القاهرة السابقة بدعم الموقف المغربي.
واليوم تدخل العلاقات بين الرباط والقاهرة نفقًا مظلمًا جديدًا، إثر مشاركة الأخير بالقمة العربية الإفريقية ممثلاً بأعلى رأس في الدولة في الوقت الذي تنسحب فيه 8 دول دعمًا للمغرب في قضيتها ضد الجمهورية الصحراوية.
البوليساريو.. صداع في رأس الحكومة المغربية
القاهرة والخليج.. صدام مرتقب
ألقت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لغينيا الاستوائية عائدًا من البرتغال للمشاركة في أعمال القمة، بظلالها على الإعلام المغربي، حيث تنبأت بعض الصحف الصادرة في الرباط بأن الأيام المقبلة سوف تكون حبلى بالخلافات بين القاهرة والرباط في ظل المشاركة المصرية، خصوصًا أن العلاقات بين الطرفين تشهد بين الفينة والأخرى حالة من الشد والجذب في هذا الملف بطريقة دراماتيكية دون قصد من الطرفين، فمصر هذه المرة لم تلتفت إلى أزمة وجدتها تحت قدمها دون مقدمات.
وفي الجانب الآخر لا شك أن المشاركة المصرية في ظل الانسحاب الخليجي ستلقي بظلالها على أجواء العلاقات بين القاهرة والعواصم الخليجية بصورة ترفع منسوب التوتر في العلاقات بين الجانبين، خاصة وأنها تتزامن مع الشرخ الكبير الذي أصاب التحالف المصري الخليجي المتماسك طيلة السنوات الثلاث الماضية.
العلاقات المصرية الخليجية خلال الأشهر الماضية تعرضت لهزة عنيفة جراء تباين وجهات النظر حيال الملفات الإقليمية خاصة سوريا واليمن، تمخض عنها بعض القرارات والمواقف السياسية التي أفسدت الأجواء بين القاهرة والرياض بصورة خاصة، أبرزها التعاون الاستخباراتي الأمني بين مصر وسوريا، والذي تجسد في زيارة علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري إلى القاهرة، إضافة إلى التعاون العسكري بين الجانبين، فضلاً عن التأييد المصري للقرار الروسي بمجلس الأمن والمناهض للموقف الرسمي السعودي، تبعتها حملة من التراشق الإعلامي والسياسي بين الجانبين ساهمت بشكل كبير في تعكير صفو العلاقات.
التصويت المصري للقرار الروسي أثار حفيظة الرياض
الخبراء برروا الوجود المصري داخل القمة بأنه طبيعي خاصة في ظل إعلان دول الخليج عن مشاركتها، إلا أن تصميم الاتحاد الإفريقي على مشاركة الجمهورية الصحراوية هو ما دفع إلى انسحاب وفود الدول الثمانية ومن بينهم الدول الخليجية، وأن القاهرة لا ذنب لها في ذلك، حيث أنها وجدت نفسها في مأزق لا تحسد عليه.
وفي المقابل هناك من يرى أنه كان يتوجب على القاهرة إذا ما حرصت على علاقاتها مع الخليج أن تنسحب فورًا من المشاركة، لا سيما وأن دولاً أخرى مثل الصومال حذت نفس الموقف، خاصة وأنها وقعت بنفس الفخ في الشهر الماضي حين استقبلت وفد البوليساريو وتسبب ذلك في مزيد من توتر العلاقات مع الخليج من جانب والمغرب من جانب آخر.
سواء كان الإحراج الذي تعرضت له مصر جرّاء المشاركة في القمة العربية الإفريقية بقصد أو دون قصد، إلا أنه سيلقي – بلا شك – بظلاله القاتمة على مستقبل العلاقات بين القاهرة والعواصم الخليجية من جانب، والعلاقات مع الرباط من جانب آخر، لتتسع الهوة بين الحلفاء بصورة تصب في مسار إعادة رسم خارطة التحالفات في المنطقة.