أصدرت السلطات التركية مؤخرًا مذكرة اعتقال بحق القيادي الكردي السوري صالح مسلم، بعدما اتهمته بالتورط في تفجير دموي في أنقرة، حيث أوردت المذكرة اسم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، بالإضافة إلى 50 شخصًا.
يتزعم مسلم أيضًا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية قوامها الأساسي، والتي اشتركت في معارك عدة في الشمال السوري أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، وتحظى بدعم من الولايات المتحدة وروسيا على السواء.
إلا أن تركيا أعلنت مرارًا أن هذه القوات ذات نزعة انفصالية في الشمال السوري، وتريد إقامة دولة كردية على الحدود الجنوبية التركية، كما تتهمها بالارتباط مع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا داخل تركيا، والذي تورط في العديد من حوادث الإرهاب في الداخل التركي.
وحينما تدخلت تركيا عسكريًا في شمال سوريا في الأونة الأخيرة، أشار العديد من المراقبين إلى أن أحد الأهداف التركية الاستراتيجية من هذا التدخل، هو منع قيام كيان كردي انفصالي على حدودها مع سوريا، وكانت الاستهدافات التركية لقوات سوريا الديمقراطية دليلًا واضحًا على ذلك، حماية لأمنها القومي بحسب تصريحات مسؤولين أتراك.
بإصدار مذكرة اعتقال صالح مسلم من جانب تركيا، تتحول المواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية إلى منحى جديد يستهدف شخص صالح مسلم، بعد اتهام الحكومة التركية لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وزعيمهما صالح مسلم بالضلوع في التفجير الذي استهدف رتلًا عسكريًا في العاصمة التركية أنقرة، وأسفر عن مقتل 28 شخصًا في فبراير الماضي.
وكان تنظيم “صقور حرية كردستان” – وهو تنظيم كردي مسلح – أعلن مسؤوليته عن الاعتداءات التي ضربت أنقرة في الـ17 من فبراير الماضي، وارتبط اسم هذا التنظيم بحزب العمال الكردستاني بشكل دائم.
وبينما ينفي حزب الاتحاد الديمقراطي هذه الاتهامات، تصر تركيا على أن الميليشيات السورية الكردية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي نفذ العديد من العمليات الإرهابية في جنوب شرق تركيا لعقود.
اتساع هوة الخلاف مع واشنطن بشأن مسألة أكراد سوريا
تشكك الولايات المتحدة بشكل شبه دائم بالمزاعم التركية تجاه صالح مسلم ومليشياته في سوريا، وهذا الأمر امتدادًا للخلاف الذي اندلع بين واشنطن وأنقرة بشأن دور حزب الاتحاد ووحدات حماية الشعب في سوريا.
وعلى إثر هذا الخلاف كانت تركيا قد عرضت المشاركة في تحرير مدينة الرقة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ولكن هذا شرط عدم مشاركة القوات الكردية، لكن الجانب الكردي رفض مشاركة تركيا أو القوى التي تدعمها في عملية تحرير مدينة الرقة.
فيما شكلت الولايات المتحدة غرفة عمليات “غضب الفرات” العسكرية التي جرى تشكيلها لهذا الغرض وتضم “قوات سوريا الديمقراطية” التي يشكل المقاتلون الأكراد عمادها إلى جانب عدد من الفصائل العربية، حيث تقود الهجوم بدعم من الولايات المتحدة التي نشرت قوات خاصة تعمل على الأرض إلى جانب هذه القوات، وتقدم لها الولايات المتحدة إسنادًا جويًا أيضًا.
اتفاق واشنطن مع مليشيات صالح مسلم لتحرير الرقة أثار حفيظة أنقرة التي تقول إن “وحدات حماية الشعب” التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، جماعة إرهابية ولا يجب إشراكها في الجهود الدولية للقضاء على التنظيم، فيما ترى حليفتها في حلف شمالي الأطلسي واشنطن أن هذه الوحدات شريك فعال وموثوق في الحرب على التنظيم وتحرير الأراضي التي يسيطر عليها.
ومع انطلاق عملية “غضب الفرات” زار أعلى مسؤول عسكري أمريكي تركيا والتقى برئيس الأركان التركي، وعقب ذلك أعلن نائب رئيس الوزراء التركي أن الخلاف بين البلدين مستمر بشأن عملية طرد التنظيم من الرقة، وأن بلاده ترى أن العرب وحدهم يجب أن يقودوا العمليات العسكرية لتحرير المدينة، وأن المشاركة الكردية في العملية ليست في مصلحة الولايات المتحدة والسلم الإقليمي.
وقد حاولت الولايات المتحدة استرضاء الجانب التركي مرارًا بالتعهد بأن دور القوات الكردية سيقتصر على محاصرة الرقة ولن تدخلها، إلا أن الجانب التركي لا يثق بهذه الوعود الأمريكية، والتي كانت آخرها تعهد واشنطن لأنقرة بسحب المقاتلين الأكراد من مدينة منبج بعد استعادتها من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” قبل عدة أشهر، وهو ما لم يحدث.
وبعدها تدخلت تركيا عسكريًا بهدف أساسي في سوريا، وهو منع قوات سوريا الديمقراطية من الوصول إلى مدينة الباب وطردها من مدينة منبج الواقعة غربي نهر الفرات، ويذكر أن الجيش التركي وفصائل عسكرية من المعارضة السورية المشتركة في عملية “درع الفرات” اصطدمت أكثر من مرة بمليشيات صالح مسلم وتدخلت واشنطن لإنهاء هذه المواجهات بين الطرفين، لكن الصدام قد يندلع في أي لحظة مرة أخرى بينهما.
وبالقرار التركي الأخير الذي يعتبر صالح مسلم متهمًا مطلوبًا للقضاء التركي، يبدو أن الأمور ستسير لمزيد من التصعيد، ولن تنجح الولايات المتحدة في الجمع بين الحليفين تركيا والأكراد في الشمال السوري.