أثارت مؤخرًا تقارير إعلامية عن أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت قواعد عسكرية تونسية للقيام بعمليات استخباراتية في ليبيا، موجة من التساؤلات عن طبيعة وحجم التعاون العسكري الأمريكي التونسي، وهل بالفعل استخدمت أمريكا قواعد تونسية في عملياتها الاستخباراتية في ليبيا؟
عمليات استخباراتية من أراض تونسية
الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أكد بدوره مساء الثلاثاء في مقابلة تلفزيونية أن الولايات المتحدة الأمريكية استعملت طائرات دون طيار للقيام بعمليات استطلاعية على الحدود التونسية الليبية، نافيًا إقامة قواعد عسكرية أمريكية في بلاده.
السبسي وخلال المقابلة التي أجرتها معه قناة الحوار التونسية الخاصة، أكد أن “70 ضابطًا أمريكيًا يتولون تدريب ضباط في الجيش التونسي، ويستعملون طائرات دون طيار للقيام بعمليات استطلاعية على الحدود التونسية الليبية في إطار التعاون العسكري لمكافحة الإرهاب”، ونفى السبسي ما نشر من أخبار عن وجود قواعد عسكرية أمريكية على التراب التونسي.
إلا أنه وفي وقت سابق أفادت تقارير إعلامية بأن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت قواعد عسكرية تونسية للقيام بعمليات استخباراتية في ليبيا، حيث ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن طائرات دون طيار تابعة لسلاح الجو الأمريكي بدأت عملياتها من قاعدة جوية في تونس أواخر حزيران/ يونيو الماضي.
70 ضابطًا أمريكيًا يتولون تدريب ضباط في الجيش التونسي، ويستعملون طائرات دون طيار للقيام بعمليات استطلاعية على الحدود التونسية الليبية
مساعدات عسكرية بملايين الدولارات
وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني قال في تصريحات سابقة: “تونس حصلت مؤخرًا على منظومة استعلام وطائرات مراقبة دون طيار من الولايات المتحدة في إطار التعاون العسكري بينهما، وذلك بهدف كشف التهديدات والتحركات المشبوهة”.
كما سلمت واشنطن، في مايو الماضي وزارة الدفاع التونسية مساعدات تتمثل في منظومة مراقبة للحدود ومكافحة الإرهاب بقيمة 20 مليون دولار تتكون من طائران وسيارات رباعية الدفع.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قدمت دعمًا أمنيًا في 2014 و2015 لتونس، تمثل في معدات إنارة ووسائل رؤية ليلية وزوارق بحرية لفائدة الجيوش الثلاث ووسائل مكافحة الألغام.
ونشر موقع السفارة الأمريكية في تونس على الإنترنت ما أسماها مذكرة تعاون، تحت عنوان “نحو علاقات أمريكية – تونسية مستدامة”، نشرت بتاريخ 20 من مايو/ أيار2016، أهم ما جاء فيها كان التالي:
- – تمثل تونس شريكًا هامًا في إطار الجهود الإقليمية الرامية إلى مقاومة الإرهاب، وقد منحت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغًا إجماليًا يتجاوز 225 مليون دولار بعنوان المساعدة الأمنية لتونس منذ 2011 وذلك لدعم قدرات تونس مجابهة التهديدات والإرهاب على المستويين الداخلي والإقليمي.
- – تعتزم الإدارة الأمريكية منح تونس صفة حليف أساسي غير عضو في حلف شمال الأطلسي اعترافًا بالقيم التي تتقاسمها وبالمكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس وبتنامي التعاون الثنائي في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.
- – تم توجيه مبلغ يتجاوز 100 مليون دولار بعنوان المساعدة الأمنية منذ سنة 2011 لتنمية قدرات وزارة الدفاع التونسية ولمجابهة الإرهاب، كما تولت الولايات المتحدة تنظيم دورات تكوينية لفائدة العسكريين التونسيين ومنحهم تجهيزات تمكن من تطوير جاهزيتهم في مجال الترصد والانتشار وحماية الحدود.
- – تسعى الإدارة الأمريكية لتوفير تمويل إضافي يقدر بـ30 مليون دولار بعنوان “التمويل العسكري الأجنبي” للسنة الحالية، بما يشكل ارتفاعًا بنسبة 50% مقارنة بالسنة الماضية، وسيمكن هذا الدعم من تطوير قدرات تونس في مجال مكافحة الإرهاب وحماية الحدود والتعاون الأمني المشترك.
- – كما ساهمت الولايات المتحدة في دعم جهود الحكومة التونسية الرامية لبعث قطب أمني مندمج متعدد الوزارات لمكافحة الإرهاب، كما تغطي برامج تعاون أخرى تنمية القدرات في مجالات حماية الحدود وإنفاذ القانون والاستعلامات وتبادل الخبرات الناجعة في مجال مكافحة الإرهاب لفائدة هياكل القضاء الجنائي.
- – وبالتوازي مع المساعدة الأمريكية المذكورة، ساهم برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية في تيسير اقتناء تونس لـ8 مروحيات من نوع بلاك هوك UH-60M والرامية إلى تطوير جاهزيتها في مجابهة التهديدات الإقليمية ودعم قدراتها الدفاعية إلى جانب دعم عمليات مكافحة الإرهاب.
وثائق “نَوَاة”
في 31 من مارس الماضي، نشر موقع “نواة” التونسي وثائق تتعلق بوجود قوات أمريكية على الأراضي التونسية بدعوى مساعدة القوات المسلحة التونسية في الحرب على الإرهاب وتطوير قدرات الكوادر الأمنية.
الموقع التونسي والذي يحظى بمصداقية في الأوساط الصحفية التونسية، والمهتم بنشر التحقيقات الاستقصائية، نشر ثلاثة وثائق تفصح عن اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها الأمريكية بخصوص وضعية “أفراد أحد الطرفين الذين يمكن أن يكونوا داخل إقليم الطرف الآخر، فيما يتم الاتفاق عن تمارين وتدريبات أو أنشطة أخرى متصلة بالمجال العسكري”.
سلمت واشنطن، في مايو الماضي وزارة الدفاع التونسية مساعدات تتمثل في منظومة مراقبة للحدود ومكافحة الإرهاب بقيمة 20 مليون دولار
يقول الموقع التونسي “بالرغم أن البنود الواردة في الوثيقة المذكورة تشمل قوات الطرفين، إلا أنه من البديهي أن الطرف المعني هو الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعتبر نشر قواتها على أراضي “الحلفاء” عقيدة عسكرية تقليدية للجيش الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فيما لا تملك تونس القدرة ذاتها لنشر قوات في الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء بعثات طلبة الكلية العسكرية أو دورات التكوين والتدريب”.
ويضيف الموقع أن من أهم البنود المثيرة للجدل في هذه الوثائق، أنها تتعلق بالحرية المطلقة للأفراد الموجودين في البلد المضيف لتوريد ما يرونه ضروريًا في مهماتهم من أسلحة ومعدات وتقنيات، وحرية استعمالها دون تراخيص مسبقة أو تفتيش أو رقابة.
أما النقطة الأخيرة بحسب الموقع ذاته، فتتعلق بمجال الاتفاق، حيث لم يتم توضيح طبيعة الأنشطة الأخرى المتصلة بالمجال العسكري والتي تفتح باب التأويلات عن طبيعة وحجم القوات ومهامها الحقيقية بين البلدين.
ويتحدث الموقع أخيرًا، عن وثيقة ثالثة حصل عليها، تتعلق بفحوى الحوار الذي جمع كلا من رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ووزير الخارجية الأمريكي خلال أعمال الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي الأمريكي التونسي في 13 من نوفمبر 2015.
هناك رغبة أمريكية في تركيز قاعدة للطائرات دون طيار في يوليو/ تموز 2015 للتصدي للخطر الذي يشكله تنظيم ما يسمى “داعش ليبيا”
حيث كانت النقطة الأكثر إثارة في تلك المحادثة الثنائية، هي تجديد موافقة الرئيس التونسي المبدئية على مشروع “intelligence, surveillance et reconnaissance“.
هذا المشروع الذي نشرت بعض تفاصيله الصفحة الرسمية لحلف شمال الأطلسي يتعلق بتنسيق الجهود على صعيد الاستخبارات والمراقبة وتبادل المعلومات بين مختلف أعضاء الحلف، ومن ضمنها تونس التي تحصلت مؤخرا على صفة “الحليف الأساسي غير العضو بالناتو”.
أخيرًا، تبقى الأسئلة تدور وتكرر، ما الدور الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية من تونس أن تلعبه مقابل كل هذه المساعدات والدعم العسكري الكبير الذي تقدمه لها، وما الذي يمكن أن يفهم من حديث صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن رغبة أمريكية في تركيز قاعدة للطائرات دون طيار في يوليو/ تموز 2015 للتصدي للخطر الذي يشكله تنظيم ما يسمى “داعش ليبيا”.
وهذا كله بالطبع لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن السياسة الأمريكية مؤخرًا تجاه القارة الإفريقية، التي تقوم بالأساس على حضور أمريكي عسكري قوي عبر الطائرات دون طيار، التي أحد أهم وأول أدوارها هي الأدوار الاستخباراتية وجمع المعلومات.