بالرغم من أن جملة: “لا يوجد دار سينما أو استديوهات تصوير سينمائي في السعودية”حقيقة تلخص صناعة السينما والمشهد السينمائي السعودي، البعض اختار ألا يرضخ للأمر الواقع وقرر النضال ضد هذا الحصار المفروض قسرًا، من أجل محاولة زرع بذرة مشهد سينمائي في صحراء السينما السعودية القاحلة على أمل أن تُثمر بعد عقود.
فالمملكة العربية السعودية، وإن كانت تخلو كليةً من دور العرض السينمائي وتفتقر تمامًا إلى أية بنية تحتية قد تدعم صناعة الفن السابع، إلا أنها تملك مخرجين موهوبين وفنانين قديرين وصنّاع أفلام حملوا على عاتقهم خلق مشهد سينمائي متميز ذي علامة واضحة قادر على شق طريقه في دور العرض العربية والمنافسة في المهرجانات الدولية.
في الأصل كان السماح
كان للموظفيين الغربيين في شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، الفضل في إدخال دور العرض السينمائية إلى المملكة العربية السعودية، واستمر هذا الوضع حتى بداية السبعينيات ثم أصبحت متاحة للمواطنين السعوديين، حيث اُفتتحت الصالات السينمائية في فترة السبعينيات عبر الأندية الرياضية السعودية وفي بعض البيوت الشهيرة خاصة في الرياض وجدة والطائف وأبها، إلا أن ذلك كان يتم بصورة عشوائية ويفتقد التنظيم والتهيئة اللازمة للمشاهدة ويفتقر إلى التسويق المناسب.
ثم جاء حادث اغتيال الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود – الذي وُجِّهت له انتقادات بعد سماحه دخول التليفزيون إلى المملكة – واحتلال الحرم المكي في نوفمبر عام 1979، ليتسببا في إغلاق دور العرض السينمائية المتاحة للمواطنين السعوديين في محاولة منها لاحتواء غضب التيار الإسلامي السعودي.
ورغبةً في التمرد على هذه القيود المفروضة، قام شبان سعوديون بتأسيس مجموعة سرية أطلقت على نفسها اسم “الشمع الأحمر”، تدعو أعضاءها لمشاهدة عروض سينمائية سرية، في مكان خاص بمدينة أبها السعودية، متحدية غضب السلطات.
وفي عام 2009 ولأول مرة بعد ثلاثة عقود من المنع، استطاع السعوديون في العاصمة الرياض، ممارسة طقس الذهاب إلى السينما – وإن لم يُسمح للنساء والفتيات أكبر من عشر سنوات، بخوض تلك التجربة – بعد الموافقة الرسمية على عرض فيلم “مناحي” في مركز ثقافي تديره الحكومة، كما سمحت السُّلطات منذ عامَين وتحديدًا في 2014، بتنظيم أول مهرجان سينمائي “مهرجان أفلام السعودية” في مدينة الدمام والذي انعقدت دورته الثالثة في مارس الماضي، ويعد هذا المهرجان أحد برامج المبادرة الوطنية لتطوير صناعة الأفلام السعودية التي أطلقتها الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون.
الإنتاج السينمائي السعودي
يبلغ عدد الأفلام السعودية التي أنتجت منذ عام 1975 وحتى عام2012 ، حوالي 255 فيلمًا، تنوعت ما بين أفلام وثائقية وأفلام قصيرة وأفلام روائية وأفلام رعب وأفلام أكشن وأفلام كوميدية وأفلام صامتة وأفلام خيال علمي وأفلام تليفزيونية وأفلام رسوم متحركة وأفلام يوتيوبية .
وبلغ الإنتاج السينمائي السعودي في عام 2012، حوالي 25 فيلمًا، وتصنف جميع الأفلام السعودية للعام2012 ، بالأفلام القصيرة والوثائقية ما عدا فيلم روائي طويل، هو فيلم “وجدة” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور.
حصلت الأفلام السعودية والمخرجون السعوديون والممثلون السعوديون على عشرات الجوائز في المهرجانات السينمائية العربية والدولية، وكان أول فيلم سعودي يحصل على جائزة دولية هو فيلم “اغتيال مدينة” للمخرج السعودي عبد الله المحيسن، هي جائزة “نفرتيتي” لأفضل فيلم قصير عام1977 .
أفلام سعودية فرضت نفسها
ملصق فيلم “بركة يقابل بركة”
منذ أيام، تم إعلان القائمة الأولية للأفلام الأجنبية المرشحة للفوز بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي لعام 2017، وضمت القائمة، الفيلم السعودي “بركة يقابل بركة”، من إنتاج وإخراج محمود صباغ، وسبق وأن حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في قسم Forum بمهرجان برلين السينمائي الدولي، واختير للمنافسة ضمن قسم عروض خاصة بالدورة الـ41 من مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.
ويُعدُّ “بركة يقابل بركة” هو الفيلم السعودي الثاني الذي يتم ترشيحه للفوز في هذه المنافسات، بعد فيلم “وجدة” من إخراج وتأليف السعودية هيفاء المنصور والذي كان أول فيلم يُرشح للأوسكار لفئة أفضل فيلم أجنبي عام 2013.
وفيما يلي استعراض سريع لبعض الأفلام السعودية المهمة، التي فرضت نفسها على الساحة بالرغم من التضييق والحصار المفروض على السينما وصناعها في المملكة.
وجدة
واحد من أروع الأفلام التي صنعتها السينما السعودية الحديثة، حيث لقى الفيلم نجاحًا كبيرًا في دور العرض داخل الوطن العربي وخارجه، وعلى إثره حصل صناع الفيلم على الكثير من الجوائز الدولية والعالمية، رُشح هذا الفيلم ضمن قائمة أفضل فيلم أجنبي لعام 2013 لجائزة أوسكار، وكان أول فيلم سعودي يصل إلى هذه المرحلة العالمية، كما فاز بجائزة أفضل فيلم عربي من مهرجان دبي السينمائي.
الفيلم من إخراج هيفاء المنصور وبطولة ريم عبد الله ووعد محمد وعهد كامل، وتدور أحداث الفيلم عن فتاة صغيرة تحب ركوب الدراجات ولكن المحيط الاجتماعي المحيط بها يمنعها من القيام بذلك وتحاول أن تحقق حلمها ليسلط الفيلم الضوء على بعض العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع السعودي .
ريم
يُعد هذا الفيلم، خطوة سابقة إلى العالمية، حيث قامت المخرجة السعودية سميرة عزيز بالدخول إلى عالم السينما الهندية “بوليود”، بإنتاجها لفيلم سعودي في الهند.
يحكي الفيلم عن فتاة سعودية تسافر إلى الهند بحثًا عن والدتها، ليتناول الفيلم التحديات الدينية والاختلافات الثقافية بين المجتمعين الهندي والسعودي، حيث تقع بطلة الفيلم خلال رحلة البحث عن والدتها، في حب شاب هندي، ساعدها خلال رحلة البحث، لينتهي الفيلم بزواجهما، بعد الحصول على موافقة السلطات في المملكة، وتدور أحداث الفيلم بين مومباي في الهند ومدينة جدة .
ظلال الصمت
أول فيلم روائي سعودي يحتل مكانة عالمية، حيث تم عرضه ضمن فعاليات مهرجان “كان” السينمائي الدولي لما احتوى عليه من أحداث هامة تدور في الوطن العربي.
ويدور الفيلم في مدينة خيالية من اختراع الكاتب، بها مصنع لغسيل العقول، حيث يتم غسل العقول الخاصة بعدد من المثقفين والفاعلين في المجتمع العربي، لفرض مجموعة من الآراء والاتجاهات المحددة سلفًا، والفيلم من تأليف وإخراج عبد الله المحيسن وشارك فيه مجموعة من الممثلين العرب، منهم الفنان السوري غسان مسعود والفنانة الفلسطينية فرح بسيسو والفنان الكويتي محمد المنصور، وقد ترشح الفيلم للمسابقة النهائية في مهرجان روما عام 2007.
عايش
فيلم قصير من إخراج عبد الله آل عياف، ويحكي قصة عامل حماية وأمن في أحد المستشفيات، يعمل بدأب ومثابرة في ثلاجة الموتى الخاصة بالمستشفى، ليدخل في حالة من التعايش مع الموتى الذين يتعامل معهم بصورة يومية، ثم ينقل إلى قسم المواليد الجدد، فيصاب بالدهشة لأنه بات معتادًا رؤية ما هو نقيض ومختلف، ليكتشف عايش أنه أصبح يكره الأحياء ولا يحب أن يكون معهم.
الفيلم نال عددًا من الجوائز كجائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان الخليج السينمائي وجائزة “ألف” الفضية لأفضل فيلم شرق أوسطي بمهرجان بيروت السينمائي الدولي عام 2010.
غبش
أول فيلم رعب سعودي من إخراج المخرج الشاب عاصم الرومي، تم عرضه عبر موقع يوتيوب، وتدور أحداثه في قالب مرعب عن شابين يذهبان في رحلة إلى مزارع مدينة الخرج وهناك يعترض طريقهم شبح ويستدرجهم لبيت مهجور في وسط مزرعة.
والفيلم بطولة محمد الشدوخي وقريطم والطفلة لمار الدوسري، ومن تأليف بدر الكثيري وتصوير عاصم الرومي وحمد القحطاني وفهد القحطاني.
حورية وعين
“الإعلان الرسمي لفيلم “حورية وعين”
فيلم قصير من إخراج المخرجة السعودية شهد أمين عام 2013، يروي الفيلم قصة خيالية تخلط بين الدراما والفانتازيا، حيث الطفلة “حنان” التي اكتشفت أن والدها صياد اللؤلؤ يخطف حوريات البحر، فتقرر أن تنقذ إحداهن عبر رحلة رمزية، محملة بالدلالات العميقة عن واقع المرأة السعودية.
جدير بالذكر أن الفيلم حصل على العديد من الجوائز، من ضمنها المركز الأول في مهرجان أبوظبي السينمائي، وجائزة النخلة الفضية في مهرجان “أفلام السعودية”، وهو من إنتاج المنتج السعودي الشاب محمد سندي.
بلال
فيلم كرتوني ثلاثي الأبعاد، من تأليف الكاتب السعودي “أيمن جلال”، وإنتاج شركة “بارجون إنترتيمنت” وهي تابعة لمجموعة من الشباب السعودي المحترف بالتعاون مع الممثل الأمريكي “ويل سميث”.
استغرق العمل على السيناريو الخاص بالفيلم نحو سبع سنوات، وتم تنفيذه في ثلاث سنوات، ويتميز الفيلم بدقة تفاصيله من جميع الجوانب سواء الإخراج أو الموسيقى والرسم والألوان والحيوانات .
يتناول الفيلم سيرة مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام “بلال بن رباح”، ويسلط الضوء على قصة إسلامه وعبوديته في مكة، حيث تدور الأحداث عن الصبي بلال الذي تم اختطافه هو وشقيقته إلى أرض بعيدة عن منزله ليواجه فيها الجشع والظلم، إلا أن بشجاعته وبطولته رفع صوته عاليًا لرفض العبودية والظلم .