صحفي، إعلامي، مراسل، مصور صحفي، مدون، هل تغريك هذه المسميات؟ هل ترغب بأن تتابع الأخبار وتلاحقها إلى مكان الحدث لتنقل الصورة أول بأول؟ تنقل الأخبار المفرحة تارة وهموم الناس تارة أخرى؟
احذر قد تصبح مجردًا من الأحاسيس إن عملت بهذه المهنة الخطرة خصوصًا إن كنت تعمل في بلد نظامه يكمم الأفواه ويستأثر بالفاسدين ويشجع القتلة ويحميهم، لا يوجد أي قانون يحميك، قد تخطف وتعذب ويطلق سبيلك كرسالة تحذيرية على خبر نشرته ضد حزب من الأحزاب السياسية، وربما عبوة ناسفة أسفل سيارتك الشخصية كفيلة بإنهاء حياتك، أو ربما تعمل على مبدأ (ابعد عن الشر وغنيله) فتغض البصر عن بعض الأحداث والانتهاكات خوفًا على حياة عائلتك، ويأتي أول الشهر مع مرتب بخس لا يكفيك لنهايته.
تستيقظ بوقت مبكر على اتصال هاتفي من أحد مصادرك الخاصة يخبرك بوقوع انفجار في المنطقة الفلانية فتسأل كم عدد القتلى؟ ماذا عن الجرحى؟ ما سبب الانفجار؟ عجلة مفخخة، يقودها انتحاري أم مركونة؟ القتلى من الطائفة الفلانية؟
لتصبح أرواح الناس مجرد أرقام تنشر باسمك واسم مؤسستك وتنفرد بأول من نشر الخبر مع إحصائية دقيقة وتصريح باسم مسؤول صريح، وصورة حصرية من قلب الحدث، سيعلو نجمك مع علامة عشرة على عشرة، قد تحزن للضحايا الذين سقطوا لكن بمرور الأيام ستصبح أرقام الأرواح إدمانًا تشتاق لحدوثه خصوصًا إن كنت تعمل كصحفي في بلد كالعراق.
اسم المهنة مغرٍ لكن الحقيقة أنه لا شيء يغري بمهنة الصحافة في العراق، نقابات صحفية لا تحمي حقوقك ولا تحمي حقيقة ولا تدافع عن ذمار، ونخبة تسيء التعامل مع الإعلام والتعاطي معه، فما بين أحزاب تحتكر المؤسسات الإعلامية والسلطة أو تسعى للوصول إليها واحتكارها لن يترك للحق صاحب وإن جانبت الحق فتحمل كل صعوبات المهنة وأصعبها هي حياتك وحياة أسرتك، لا شيء يغري في مهنة يهضمك الدهر عليها حتى يقال عنك “سني أو شيعي”، علماني؟ فهو إذًا الخيار بين إعدام.
اقتبست يومًا وقلت “قبل عام كنت أحلم بأشياء كثيرة والآن أصبح حلمي الوحيد أن أعود كما كنت” بسبب نقل الحقيقة واختيار الانحياز للوطن، لكن الاستمرار على مبدأك من أصعب الأشياء التي تواجهها في حياتك، ربما تقفل كل الأبواب في وجهك لكن لا تكن ممن يفرون ويتركون صهوة الفرس، إذا اخترت العمل في مجال الإعلام كن كالفارس الذي يمتطي حصانه، ربما سيؤكد البعض ويقول بأن إعلامنا مسيس، سأتفق معك عزيزي بأنه لا يوجد إعلام لا ينقل الحقيقة إلا من وجهة نظره لكن علينا أن نميز بين الحقيقة والمصداقية، فالمهم أن ننقل المصداقية ونركز على الحدث.