كتب أحدهم منشورًا على الفيسبوك: “ماذا نفعل وقد صادف ربيعُ عمرنا خريف العالم”.
فعلًا.. فالحقيقة التي لا تخفى على أحدٍ أن التعب والإرهاق والانكسار أصبحوا من السمات المميزة التي يمكنك أن تراها في تفاصيل وجوه هذا الجيل، تجده يتدرج من نشوة الشغف والجنون إلى هاوية الاكتئاب وعبثية الوجود، تلاشت فيهم الإرادة ومات فيهم الضمير، وأصبح أغلبية شبابنا مسنٌ عشريني أو ثلاثيني، تحول لمأساة حقيقية بعدم انتظاره لشيء، ومع أفق سياسي مرتبط بالسياسات الخارجية، وظلم اجتماعي وفروق طبقية منظمة، وفرص اقتصادية نادرة الوجود مع انعدام التكافؤ، وخطاب دينيٍ متأخر، وحالنا بعد أن استدامت الإهانة في المجتمع، وتعودنا السب والشتم، حتى تصورنا أن الأكل والشرب هم أقصى درجات مطالبنا، رهيب مصير الإنسان، شديدة آلامه، صورته لامعة من الخارج وقبيحة مظلمة من الداخل، تطحنه مشاعر الحنين.
ولكن.. على شبابنا ألا يترك اليأس يتسلل إلى النفوس، فاليأس غير مسموح به في زمن الشدائد، فالنفس تصهرها الشدائد، وأن يبقي الهمة عالية، بالعلم والعمل حقق سلفنا ما حققوا، لتكن رجلًا واحدًا يحيا حياة كاملة، وإياك ثم إياك، فلا نجاة لك من فكرة لمعت بداخلك إلا بتحقيقها.
قال الأديب مصطفى صادق الرفاعي: “إنّ الخطأ أكبر الخطأ، أن تُنظِّم الحياة من حولك، وتترك الفوضى في قلبك”.
نحن نخشى من أنفسنا، نخشى من قدراتنا، نخشى الخروج، ننسى أن واجب الإنسان الأول هو واجبنا نحو أنفسنا، علينا العمل على إصلاح ذاتنا وتنقية النفس من عيوبها والمبادرة بالخيرات والأعمال الصالحة ولا نحتقر من المعروف شيئًا، نحتاج لضجة أقل وعمل أكثر، نحتاج إلى الثبات في وجه المتغيرات، وألا نتنازل عن قيمنا ومبادئنا، ولن ينجح الانسان في حياته إن غاب عنه أمران، أولهما ضربة تقسم ظهره، وما أكثر الضربات في بلادنا، ويد تمتد لانتشاله وما أقلها!
فاسع دومًا للبحث عنها وتذكر دومًا أن الأشخاص أفضل من المبادئ، فاحتفظ بالصحبة الصالحة حولك دائمًا، فهم ملائكة ترفعنا حينما تعجز أجنحتنا عن تذكر كيفية التحليق، وهو ما يحصل كل حينٍ وحين، يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: “ألفتَ عجز العادة، فلو علت بك همتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم، فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها، وأحمدها عاقبة”.
تحطيم البؤس لدى شبابنا أصبح الوظيفة الأساسية التي تشكل اليوم رهان كل مسلم واعٍ بمشاكل أمته، لا يلين ولا ينكسر، وقد ينزعج أحدنا من كآبته، ويطلب من الله كثيرًا أن يذهبها عنه، وهو لا يدري أنها نعمة من نعم الله عليه، فلولا هذه الكآبة لما بحث عن الحقيقة ولكان سطحيًا كغيره، ولم يكن ليدرك لأمانة الخلافة في الأرض، وقيادة الناس إلى طريق الله وتحقيق كلمته في عالم الحياة، فهي أمانة كريمة وثقيلة، ليس كل أحدٍ قادر على حملها، ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء، طراز واثق فيما عند الله تعالى، طراز لا يشترط على الله، فهذا ليس من الأخلاق مع الله، وقال ابن القيم رحمه الله: “فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل ونصحه لكل من اجتمع به”.
اغتنم الحياة المتفتحة في داخلك، واستفد من كل اختبار يمر بك بأقصى السبل الممكنة، بدلًا من أن تكون قد بعثرت أيام شبابك على حزن فارغ ولتكن أنت رمز الهمة والنشاط، ولتبدأ بالإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة، فهي في حاجةٍ إلى إعدادٍ خاصٍّ لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق، والاستعلاء الحقيقي على الشهوات، والصبر الحقيقي على الآلام، وبالثقة الحقيقية في نصر الله، عليك أن تثق بأنك إن فعلت من أجل الله ولو القليل، فإن الله سيرضيك بالكثير.