فيما لا تزال حلب تحترق منذ أواخر سبتمبر 2015 على يد الطائرات الروسية بشتى أنواع القنابل والأسلحة الفتاكة وسط صمت دولي مريب لا تزحزحه الجعجعة الكلامية التي تصنع في أروقة الأمم المتحدة والعواصم الدولية، يهب العالم اليوم لنجدة دولة الاحتلال الإسرائيلي من حرائقها التي تأكل الأخضر واليابس منذ أمس.
وأرسلت روسيا الحليف الأول لنظام الأسد هرعت للاستجابة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الفور طائرة إطفاء كبيرة تشبه تلك التي تقصف حلب في الشكل، لكنها بالفعل تخرج ماءً يخمد الحرائق التي ما زالت تمتد من طبريا حتى البحر الميت.
آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ ألقيت على المدينة المحاصرة “حلب” خلال العام الأخير، ودمرت تقريبًا جميع المستشفيات ومراكز الدفاع المدني فضلًا عن البنى التحتية، وأزهقت أرواح آلاف الأشخاص، فيما أصيب آلاف بجراح ويواجه كثير منهم مصير الموت بسبب غياب العناية الطبية وعجز المشافي الميدانية القليلة المتبقية عن تقديم أي شيء لهم، وعدم قدرتها على استقبال المزيد من الجرحى.
العالم ما زال يعبّر عن “قلقه”، تمامًا كما عبر عن “قلقه” تجاه حرائق “إسرائيل”، لكنه استجاب في الثانية خلال ساعات، وأما الأولى فليس بعد.
كل شيء في حلب، تشتمّ منه رائحة ومشاهد الموت، بمشاركة مباشرة أو ضوء أخضر روسي، مذابح وفظائع مذهلة، مشافٍ مدمرة، جثث متحللة على قارعة الطرقات، أسر تحت الأنقاض، دماء جافة وسائلة، تلطخ البنايات المهدمة، ثكلى وأرامل، أيتام ومعاقون، حصار خانق، فمن لم تقتله القاذفات الروسية والبراميل المتفجرة، قتله الجوع والإهمال المتعمد في المخابئ وتحت الأنقاض.
مئات المدنيين يدفنون يوميًا تحت الأنقاض وعشرات الجثث المتفحمة تملأ ما تبقى من الأزقة والشوارع، تصنعها فوهات القاذفات الروسية آخرها “الشمس الحارقة” (سلاح (TOS-1A، الذي ينطلق من قاذفات تطلق 24 صاروخًا معا، مسببًا انفجارات كيميائية تمتص الأكسجين من المنطقة المستهدفة، وما بقي بعد هذا لدى روسيا إلا استخدام السلاح النووي لإبادة هذا الشعب الأعزل، والعالم ما زال يعبّر عن “قلقه”، تمامًا كما عبر عن “قلقه” تجاه حرائق “إسرائيل”، لكنه استجاب في الثانية خلال ساعات، وأما الأولى فليس بعد.
روسيا الإنسانية ترسل هذا الصباح طائرتين للشرق الأوسط، إحداهما فوق حلب لتجعلها محرقة لا تبقي ولا تذر، والأخرى فوق الكيان الإسرائيلي لتطفئ نيران الأرض المسروقة وتسكن آلام دولة الاحتلال
قبل ستة أعوام، هبت أكثر من 16 دولة من بينها مصر والأردن وتركيا لإطفاء نيران الكيان الإسرائيلي التي امتدت لثلاثة أيام، وقضى بها نحو 42 إسرائيليًا، هرع العالم نحو الكيان المسكين وجعل كل قدراته تحت خدمته، وسير رجاله وطائراته وإطفائياته نحو “تل أبيب”، ساعات قليلة حركت العالم أجمع لنجدة “إسرائيل”، وانتهت الأزمة خلال ثلاثة أيام، ونيران حلب تمتد منذ سنوات بدعم روسيا ورعايتها، التي لم تكتف بذلك، فحركت طائراتها وصواريخها وأبشع أسلحتها لتقتل الشعب السوري بنفسها.
روسيا الإنسانية ترسل هذا الصباح طائرتين للشرق الأوسط، إحداهما فوق حلب لتجعلها محرقة لا تبقي ولا تذر، والأخرى فوق الكيان الإسرائيلي لتطفئ نيران الأرض المسروقة وتسكن آلام دولة الاحتلال التي هب العالم ذو الوجهين لنجدتها على الفور ولم ينتظر أن يعقد جلسات “طارئة” في الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى يقرر أن ينقذها أم لا، ولم يدخل العالم المتحضر بحالة الإنكار التي تصيبه كلما تصاعدت أرقام الضحايا في حلب، فقادة العالم الذين لا يملون من تصريحاتهم المشككة في محارق حلب وجديتها، ما زالوا يقولون: “إذا صحت الأخبار، وإذا تأكّدت المعلومات الواردة”، كأنهم يعيشون في عالم آخر، أو أنهم لا يعرفون ماذا يريدون، لأن عالمنا لا بواكي فيه لحلب، فالنار كلها لها، ولـ”إسرائيل” كل الماء.