تشهد بوصلة السياسة الخارجية لتركيا في المرحلة الأخيرة إعادة توجيه من جديد لإعادة تعريف حلفائها وعلاقتها بهم، فإما استكمال مشوار انضمامها للاتحاد الأوروبي والذي شهد اليوم حدثًا بارزًا بعد تصويت البرلمان الأوروبي لصالح تجميد محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وإما تحولها من الغرب إلى الشرق والدخول في منظمة شنغهاي للتعاون.
#عاجل | البرلمان الأوروبي يصوت لصالح تجميد مفاوضات انضمام #تركيا إلى الاتحاد الأوروبي pic.twitter.com/dlebWsvKsw
— نون بوست (@NoonPost) November 24, 2016
أردوغان: الانضمام للاتحاد الأوروبي ليس الخيار الوحيد
في أثناء رحلته بالطائرة إلى أوزباكستان ذكر أروغان لصحفيين من صحيفة حرييت أن تركيا يجب ألا تصر على الانضمام للاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى إمكانية انضمام أنقرة لمنظمة شنغهاي للتعاون، التي تشترك روسيا والصين في رعايتها.
وأضاف أن تركيا تشعر بعدم الارتياح حيال مسألة انضمامها للاتحاد الأوروبي، وتساءل لماذا لا تنضم تركيا إلى منظمة شنغهاي؟ وقال أيضًا إن الانضمام للاتحاد الأوروبي ليس خياره الوحيد، وإنه يدرس مسألة العضوية في منظمة “شنغهاي” للتعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف.
علمًا أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن نيته الانضمام لمنظمة شنغهاي، إلا أن تبدل موازين القوى ما كان يحرك مصالح تركيا، ويبدو لتركيا اليوم أن مصالحها تملي عليها توجيه دفة سياساتها الخارجية نحو منظمة التعاون السياسي والاقتصادي شنغهاي بعدما باتت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي مهددة أكثر من أي وقت مضى ومن المتوقع أن تتداعى مع تصاعد التوتر الدبلوماسي بين الجانبين.
تلقفت وزارة الخارجية الصينية تصريحات أردوغان باهتمام بالغ وقالت الوزارة يوم الإثنين الماضي إن الحكومة الصينية على استعداد للنظر في أي طلب تتقدم به تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي الأمنية بقيادة بكين وموسكو بعدما عبر عن رغبته في الانضمام إليها.
وقال الناطق باسم الخارجية الصينية: “تركيا شريك محاور مع التكتل وتعاونت معه عن كثب منذ وقت طويل وهو أمر تقدره لها الصين”، وأضاف “نحن نعلّق أهمية كبرى على رغبة تركيا في تعزيز هذا التعاون”.
تركيا تشعر بعدم الارتياح حيال مسألة انضمامها للاتحاد الأوروبي
حيث تتعرض تركيا لحملة انتقادات كبيرة من أوروبا بعد حملة التطهير التي أطلقتها إثر الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو/ تموز الماضي، ويطالب بعض النواب الأوروبيين بتعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الكتلة الأوروبية، احتجاجًا على المساس بالحياة الديموقراطية، خاصة بسبب توقيف صحفيين ونواب مؤيدين للأكراد.
وصوت البرلمان الأوروبي اليوم الخميس لصالح تجميد مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، بعدما دعا أعضاء في الاتحاد، إلى وقف محادثات العضوية مع تركيا بسبب الحملة التي بدأتها تركيا بعد الانقلاب الفاشل وقامت خلالها بإقالة أو اعتقال أكثر من 125 ألف موظف حكومي.
حيث عملت أكبر الفصائل السياسية في البرلمان الأوروبي على توحيد جهودها لتجميد مفاوضات عضوية تركيا بشكل مؤقت وقطع المحادثات تلقائيًا إذا أعادت تركيا تطبيق عقوبة الإعدام، وهو الأمر هدد أردوغان بفعله قبل أقل من شهر.
أردوغان: تركيا قد تنضم لمنظمة شنغهاي
وكان أردوغان قد علق أمس على تصويت البرلمان في كلمة له في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول أن التصويت الذي يجريه البرلمان الأوروبي “ليست له أي قيمة في نظرنا” وجدد اتهامه لأوروبا بالوقوف إلى جانب المنظمات الإرهابية.
علمًا أن مصادر دبلوماسية تركية، أفادت في الأمس بأن نتيجة تصويت البرلمان الأوروبي، بشأن مسألة إنهاء أو تعليق مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، ليست ملزمة من الناحية القانونية.
ويذكر أن الكتل السياسية في جلسة البرلمان الأوروبي الثلاثاء الماضي انقسمت إلى قسمين أحدهما يرى تعليق المفاوضات بسبب المستجدات التي شهدتها تركيا في الفترة الأخيرة، أما القسم الآخر، فيرى ضرورة استمرار علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا.
المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل شددت على ضرورة متابعة الحوار مع تركيا، رغم جميع الصعوبات والمعوقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، وأوضحت في كلمة لها أمام المجلس الفيدرالي الألماني أنّ الطرفين لديهما مصالح مشتركة كثيرة، وأنّ بإمكانهما التعاون والتنسيق في العديد من المجالات، مشيرةً إلى أنّ قطع قنوات الاتصال سيلحق الضرر الكبير بالجانبين.
الحكومة الصينية على استعداد للنظر في أي طلب تتقدم به تركيا للانضمام إلى منظمة شنغهاي
ونقل التليفزيون الإيطالي الرسمي عن وزير إيطالي قوله أمام مجلس النواب: “إيطاليا تعتقد أنه من الضروري إبقاء خط الحوار مفتوحًا مع أنقرة”، وشدد على أن “لا الاتحاد الأوروبي ولا إيطاليا، سيكون لهما أي نفع من إغلاق الباب الأوروبي أمام تركيا.”
ورأت موغريني الممثلة العليا للسياسات الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، أنّ وقف أو تعليق محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، سوف يلحق الضرر بكلا الطرفين، وأضافت أن بإمكان تركيا والاتحاد الأوروبي التعاون لحل العديد من الأزمات وعلى رأسها الأزمة السورية والقبرصية، وأزمة اللجوء والطاقة وغيرهم من المجالات والمواضيع المختلفة.
وأضافت موغريني أنّ تركيا تمتلك الحق المشروع في معاقبة الضالعين بمحاولة الانقلاب الفاشلة والمتورطين في العمليات الإرهابية التي تحدث بين الحين والآخر بمناطق مختلفة داخل البلاد.
جي فيرهوفشتات زعيم حزب “الليبرالي الديمقراطي” في البرلمان الأوروبي، قال إن ثلاثية “بوتين وأردوغان وترامب” تهدد نموذج الاتحاد الأوروبي، داعيًا إلى تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد حتى أجل مسمى.
البرلمان الأوروبي قرر تجميد محادثات انضمام تركيا للاتحاد
تركيا وخيار الانضمام لمنظمة شنغهاي
بعد قرار البرلمان الأوروبي بات خيار الانضمام لمنظمة شنغهاي بالنسبة لتركيا مسألة وقت لا أكثر، ومنظمة شنغهاي هي منظمة اقتصادية لها بعد أمني واستراتيجي، ظهرت بشكلها الحالي في العام 2001 إلا أن نواتها مؤسسة بين روسيا والصين وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق منذ العام 1996.
تهدف المنظمة إلى مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات بالإضافة إلى التعاون في السياسة والتجارة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة والعمل على توفير السلم والأمن والاستقرار في المنطقة ومحاولة الوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، بينما يرى الكثير من المحللين أن هدف المنظمة الضمني يتمحور في تشكيل حلف عسكري لمواجهة حلف الناتو.
وتضم المنظمة 6 دول دائمة العضوية هي روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، وعضو غير مؤسس هي دولة أوزبكستان و5 دول تملك صفة مراقب وتحضر الاجتماعات السنوية هي الهند وإيران ومنغوليا وباكستان وأفغانستان، كما أن سريلانكا وبيلاروس وتركيا يعتبرون شركاء في الحوار، كما طالبت مصر وسوريا بالانضمام إليها مؤخرًا.
هدف منظمة شنغهاي يتمحور في تشكيل حلف عسكري لمواجهة حلف الناتو
وعلى الرغم أنها لا تصل إلى ثقل حلف الناتو فإنها على ما هي عليه الآن تضم أكثر من نصف سكان العالم، وتعتبر أقوى تكتل اقتصادي عالمي مرتقب تزيد ميزانيته عن 800 تريليون دولار.
أما تركيا فقد انضمت للمنظمة في العام 2013 بصفة “شريك في الحوار” مشيرة أنها تتشاطر المصير نفسه مع أعضائها، حيث كانت تضغط للانضمام للمنظمة كلما تعثرت محاثاتها مع الاتحاد الأوروبي، وكان من المنتظر أن يتم بحث قبول كل من إيران وتركيا بالإضافة إلى الهند وباكستان في القمة الأخيرة، إلا أنه تم تأجيل بحث عضوية إيران لبعض الأسباب رغم رفع العقوبات الدولية عنها، أما تركيا فوقفت حادثة إسقاط الطائرة الروسية دون تحقق ذلك، ومن المتوقع أن تؤثر العلاقة بين تركيا وروسيا في الفترة الماضية إيجابيًا على انضمام تركيا للمنظمة، كما أسهمت الخلافات بين تركيا والصين في مسألة شعب الإيغور لدخول تركيا في المنظمة ولو بشكل نسبي.
ويعتقد مراقبون أن انضمام تركيا لمنظمة شنغهاي باتت مسألة استراتيجية بالنسبة لتركيا لمنحها المزيد من الاستقلالية عن سياسات الناتو، ولتعويض عدم قبولها في الاتحاد الأوروبي.
وسبق في العام 2013 تصريحات لأحمد داود أوغلو عندما كان وزيرًا للخارجية في ذلك الوقت، قال فيها إن تركيا ستكون عضوًا في عائلة تتألف من بلدان عاشت معًا ليس لقرون وحسب وإنما لألف عام، وتعهد بالتعاون مع منظمة شنغهاي اقتصاديًا وفي محاربة التهديدات الإرهابية وتجارة المخدرات وشدد على الجذور التاريخية التي تربط دول آسيا مثل قازخيستان وقيرغيزستان وأوزباكستان التي تتكلم شعوبها بالتركية.
الباحث السياسي سعيد الحاج يرى في مقال له أن أزمة إسقاط الطائرة الروسية أعادت تركيا إلى أحضان حلف الناتو إلا أن الانقلاب الفاشل وما لحق به من تطورات أعاد تركيا للتفكير مجددًا ببوصلة سياستها الخارجية وهو ما دفع أرودغان لتجديد رغبة بلاده في الانضمام للمنظمة، على أن قبول تركيا في المنظمة سيشكل قلقًا لحلف الناتو، حلفاء تركيا الغربيين في حلف شمال الأطلسي.