ترجمة حفصة جودة
“لم يحدث أن وجُد عقل عظيم، دون لمسة من جنون” أرسطو
أما اليوم فالأطباء على استعداد لوصف الأدوية مع ظهور أول علامات اضطراب في المزاج، من أجل السيطرة على أي سلوك غير متوقع، لكن هل من المحتمل أنهم يقومون بخنق عمليات التفكير العبقري بتلك الطريقة؟ فقد اتضح أن اضطرابات المزاج لها علاقة إيجابية بارتفاع مستويات الذكاء والإبداع.
في العصور القديمة، كان الناس يربطون بين الجنون والعبقرية الخلاقة، معتقدين أن الآلهة قد باركت هؤلاء الأشخاص، هذه المعتقدات انتقلت إلى العصور الحديثة، وأدت إلى فهم هذه الظاهرة سيئة السمعة المتعلقة بالمزاج الفني، ومؤخرًا اكتشف الباحثون سبب حدوث ذلك الأمر.
الكُتّاب واضطرابات المزاج
في أواخر الثمانينيات، قام الباحثون بمقارنة مجموعة من الكتاب بمجموعة ضابطة من غير الكتاب، من أجل تحديد وجود اضطرابات نفسية، خلصت النتائج إلى وجود معدلات عالية من اضطرابات المزاج بالفعل، في الواقع اتضح أن 80% من أفراد العينة مصابون باضطراب في المزاج مع بعض الميل ناحية الاضطراب ثنائي القطب، تم تكرار الدراسة باستخدام معايير مختلفة، وتضمنت مجموعة كبيرة من الكتاب الحاصلين على جوائز، لكن الباحثين لم يقوموا بتشخيصهم، وبدلاً من ذلك سألوهم إذا كانوا قد حصلوا على علاج للاضطرابات النفسية أم لا، في تلك الدراسة وجدوا أن 38% منهم حصلوا على علاج نفسي، 63% من هؤلاء كانوا كتابًا مسرحيين.
أنواع اضطرابات المزاج
كما ذكرنا سابقًا، فمنذ القدم تم اكتشاف علاقة بين اضطرابات المزاج والذكاء الإبداعي، لكن ما هي اضطرابات المزاج الشائعة بين الأشخاص الأذكياء؟
أصيب العديد من الفنانين الأكثر تأثيرًا على مر العصور بهذه الأنواع: الاضطراب ثنائي القطب، الهوس، الاكتئاب، القلق، انفصام الشخصية.
الاضطراب ثنائي القطب
يبدو أن الاضطراب ثنائي القطب من أكثر اضطرابات المزاج شيوعًا بين الأشخاص الأذكياء والمبدعين، ففي إحدى الدراسات، تبين أن الشباب الذين يحققون علامة “A” في المدرسة، أكثر عرضة 4 مرات للإصابة به، كانت هذه النتائج صحيحة خاصة مع الأشخاص المتفوقين في اللغات والموسيقي والرياضيات.
ووجدت دراسة أخرى أن الأشخاص ذوي الاحتمالات الجينية للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب، أكثر عرضة لإظهار مستويات ذكاء وإبداع عالية، تبين أيضًا أن الأمر صحيح في الأدب والأدوار القيادية، ويؤدي هذا الاضطراب في المزاج إلى فترات من الاكتئاب يليها فترات من الهوس تتميز بالسعادة الشديدة والطموح والإبداع.
أعباء مستويات الذكاء العالية
ارتفاع مستوى الذكاء لا يؤدي فقط إلى بعض الاضطرابات، لكنه قد يؤدي إلى سلوكيات خطيرة مثل تعاطي الكحول والمخدرات، وذلك لأن تعاطي المخدرات والكحول حالة جديدة نسبيًا مرتبطة بالجدول الزمني للتطور البشري مما يجعلها مفهومًا تطوريًا جديدًا، فعديد من الدراسات ترى أن الأطفال الأذكياء في دراستهم، أكثر عرضة لتجربة تعاطي الكحول والمخدرات.
قوة الدماغ والتفاعل الاجتماعي والتوحد
وجد باحثون طبيون أن الدماغ البشري يتحكم في عديد من المناطق للبقاء على قيد الحياة، أحد هذه المناطق هو التفاعل الاجتماعي، والذي يشكل حيزًا كبيرًا من وظائف الدماغ، هذه المنطقة في الدماغ تساعد على تنمية بعض الخصائص مثل التعاون والإيثار والتعاطف، عندما تكون وظيفة الدماغ تلك غير موجودة أو غير متطورة، تذهب هذه الكمية الكبيرة من النشاط الدماغي نحو استخدامات أخرى.
بالنسبة للأشخاص المستقيمين، هذه القوة الدماغية الزائدة يتم توجيهها لتصبح طاقة خلاقة، فقد يستخدمها هؤلاء الأشخاص لإنشاء قطع فنية متحركة أو تنقيح الأبحاث الرياضية، والافتقار إلى هذا الجزء الاجتماعي التفاعلي من وظائف الدماغ واستبداله بالذكاء الإبداعي، قد يكون له علاقة بالإصابة بالتوحد.
نشاط الدماغ والذكاء الإبداعي
أوضح باحثون آخرون أنه عند إصابة شخص بالاكتئاب أو اضطرابات في المزاج، فإن النشاط الدماغي يتغير، حيث يقل النشاط الدماغي في الجزء السفلي من الفص الجبهي ويتحول إلى الجزء العلوي، وهذا هو نفس النشاط الدماغي الذي تم ملاحظته في الأشخاص المبدعين، بالإضافة إلى ذلك فالأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في المزاج لا يملكون نفس المرشحات المعالجة للمؤثرات الخارجية كالأشخاص الطبيعيين، هؤلاء الأشخاص قادرون على معالجة الأفكار المتناقضة في نفس الوقت، وبالتالي تحديد الروابط بين الأفكار غير المرتبة مسبقًا، عملية التفكير تلك قد تكون ساحقة للأفراد، لكنها تؤدي أيضًا لنتائج إبداعية.
ما زال الأمر يشكل نقطة خلاف بين الباحثين، إذا ما كان اضطراب المزاج يؤدي إلى الذكاء والإبداع، أم أن الذكاء هو الذي يؤدي إلى اضطرابات المزاج، لكن الأمر المؤكد هو أنهما يتربطان ببعضهما البعض.
المصدر: لايف هاك