يوماً بعد يوم تتسع رقعة الخلافات داخل حركة “فتح” أو ما يطلق عليها أنصارها بـ”أم الجماهير”، على خلفية القرارات التعسفية التي تصدر من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من “فصل وقطع رواتب وإقصاء ومحاكمة ثورية” لكل عنصر يعترض سياسته أو ينتمي لتيار النائب المفصول من الحركة محمد دحلان.
فمنذ شهور طويلة وحتى هذه اللحظة، يتواصل عرض حلقات مسلسل “الردح الإعلامي” بين قيادات حركة “فتح” الموالين لعباس والمعارضين لسياسته، فكانت وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، الوسيلة الأفضل لعرض تلك الخلافات وكشف “عورة” حركة “فتح”، التي باتت تُخجل كل فلسطيني.
مسلسل تبادل الاتهامات لم يتوقف عند اتهام شخص بعينه بإفساد الحركة داخلياً وإدخالها بالنفق المظلم، بل الأمر تجاوز ذلك حين تم الدعوة من قبل قيادات بارزة في حركة “فتح” لتشكيل لجنة “حكماء” لإعادة إحياء “أم الجماهير” قبل موتها.
إنقاذ سفينة حركة “فتح”
فأطلق عدد من قادة حركة “فتح” المفصولين منها بتهمة “التجنح” -أي الخروج عن قوانين الحركة الداخلية-، وفي مقدمهم جمال الطيراوي ونجاة أبو بكر بنهاية تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، دعوات إلى تشكيل لجنة حكماء من قادة الحركة التاريخيين بهدف ما أسموه استنهاض “فتح” ومحاولة إعادة الوحدة إليها، وإحباط أي قرارات إقصائية قد يخرج بها مؤتمر الحركة السابع، الذي سيعقد في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
وجاءت تلك الدعوات مع إعلان حركة “فتح” في شكل رسمي موعد انعقاد المؤتمر السابع، وقطع رواتب عدد من كوادر الحركة التي تناصر القيادي المفصول محمد دحلان وما شهده بعض مخيمات الضفة الغربية من اشتباكات بين الأجهزة الأمنية وعناصر مسلحة، احتجاجاً على قرارات فصل قادة وكوادر من حركة “فتح”.
النائب جمال الطيرواي عضو المجلس التشريعي واحد قادة “فتح”، طالب بتشكيل لجنة حكماء من القادة التاريخيين للحركة والمناضلين والمفكرين والأدباء من أبناء الحركة، لإنقاذ ما اسماه “السفينة” من محاولة البعض من متنفيذيها من سرقتها والهيمنة عليها.
واعتبر الطيراوي، أن تلك الدعوات جاءت لمحاولة إنقاذ حركة “فتح”، في ظل تراكم الأزمات الداخلية والتخوفات من أن يشكل المؤتمر السابع الذي سيعقد في نهاية الشهر الجاري منبراً لفصل المزيد من قادة الحركة وكوادرها، وقطع رواتب البعض الآخر.
وأوضح أن فكرة تشكيل لجنة حكماء جاءت بعد مشاورات ونقاشات قام بها مع العديد من قادة الحركة والكوادر الفتحاوية، الذين يرفضون حال التفرّد والإقصاء، التي يقوم بها قادة الحركة العليا (أبو مازن ومن يحيطون به)، آملاً في أن تجد تلك الدعوات النجاح عمّا قريب.
وأشار إلى أن حركة “فتح” تضم الكثير من القادة التاريخيين والمفكّرين والكفاءات، الذي يمكن أن يشكل تلك اللجنة، رافضاً تحديد أسماء شخصيات بعينها، رأى أنها محل توافق داخل الحركة وستكون في تلك اللجنة إن شكلت.
وأعرب عن استيائه من سياسة الإقصاء المقصودة والتغييب والتهميش لقادة العمل الوطني، وملاحقتهم ومضايقتهم لبعض الأصوات الحرة مستخدمين سياسة تكميم الأفواه.
وناشد الطيراوي كل أفراد وقادة الحركة أن يعلوا ويسمعوا صوتهم عاليا مع كل القيادات والأطر، مطالبا اللجنة المركزية والمجلس الثوري الوقوف عند مسؤولياتهم التاريخية، مضيفا أن فتح هي صمام الأمان وام المشروع الوطني وأم الثورة الفلسطينية وذلك حرصا على المشروع الوطني ومستقبل الحركة، أن فتح حركة الحاضر والتاريخ المعاصر.
ويرفض القادة المفصولون من حركة “فتح” الاعتراف بالمحاكم الفلسطينيّة في أعقاب القرارات التي أصدرتها ضد بعض القادة المفصولين من الحركة، والتي كان آخرها منح المحكمة الدستورية في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري الصلاحيات للرئيس محمود عباس برفع الحصانة البرلمانية عن محمد دحلان، واعتبروها أداة في يد محمود عباس.
نهاية الرئيس عباس
وتصاعدت دعوات لتشكيل لجنة الحكماء في الآونة الأخيرة، تبدو كخطوة إضافية من جانب المفصولين من حركة “فتح” للضغط على قيادتها من أجل عودتهم إلى الحركة، ووقف أي خطوات إضافية لفصل المزيد من القادة المحسوبين على دحلان.
وتقول النائبة المفصولة من حركة “فتح” نعيمة الشيخ علي، إنه : “منذ بداية الخلاف عام 2010، بين الرئيس محمود عباس وقادة فتح الآخرين (محمد دحلان وفريقه) طالبنا بتشكيل لجنة حكماء لإنقاذ الحركة ولم شملها.
وأوضحت أن اللجنة التي يطالبون بها يجب أن تشكل من شخصيات فتحاوية محايدة، وتناقش كل الأمور الخلافية بين قادة الحركة وكوادرها من أجل التوصل إلى حل يرضي الأطراف كافة، ويعمل على رأب الصدع في الحركة، لا أن تكون تلك اللّجنة على غرار المحاكم الداخليّة لـ”فتح”، والتي تتبع سياسة معينة.
وأشارت إلى أنهم كقادة مفصولين من حركة “فتح” سيواصلون دعواتهم وخطواتهم من أجل تشكيل تلك الّلجنة لتكون بمثابة الجهة المنصفة التي تعيد القادة والكوادر المفصولين من الحركة، وينهون حال التفرّد بالقرار.
بدوره، أكد عبد الحميد المصري عضو المجلس الثوري لحركة فتح، أن المؤتمر السابع للحركة عائلي بامتياز وأقصى المناضلين والشخصيات الوازنة، “وستكون مخرجاته فاشلة بالنظر إلى مدخلاته”.
وقال المصري، إن:” المؤتمر سيكون فاشلاً وخطيراً على مستقبل فتح والحركة الوطنية، لأنه قائم على أساس خاطئ ووفق سياسة الإقصاء وتهميش الكادر القيادي:”، موضحاً أن الطريق الذي يسلكه عباس سيقوده نحو النهاية الحتمية من الملعب السياسي، مشيراً إلى أن “نهاية عباس السياسية اقتربت، والشعب الفلسطيني سيلفظه وسينتهي دوره سياسياً ووطنيا، وكل القيادات الوازنة في فتح ترى في عباس خصما لها ولمستقبل أبنائها”، على حد تعبيره.
واتهم كلاً من اللواء جبريل الرجوب وجمال محيسن ونبيل شعث، بلعب دور سلبي في إقصاء المناضلين عن المؤتمر، وهو ما صرح به الرجوب حين قال: “هدف المؤتمر تجريد جماعة دحلان”.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي هاني حبيب، أن الدعوات التي أطلقت لتشكيل لجنة حكماء داخل حركة “فتح” بأنّها جاءت متأخّرة كثيراً، وذلك مع قرب انتهاء الاستعدادات لعقد مؤتمر الحركة السابع، والذي قد يشكل عقده انفجاراً جديداً داخل حركة “فتح” بسبب حال الإقصاء التي طالت عدداً من قادة الحركة وكوادرها، الذين شاركوا في المؤتمر السادس أغسطس 2009.
وأضاف المحلل السياسي، أن الخلافات العميقة التي تعاني منها حركة “فتح” لن تستطيع لجنة حكماء معالجتها لعمقها، وانقسام القادة والكوادر داخل الحركة ما بين مؤيد لعباس وآخرين مؤيدين لدحلان.
الجدير ذكره أن الرباعية العربية والتي تضم (السعودية، الإمارات، مصر، الأردن) بدأت نهاية أغسطس الماضي جهوداً لعقد مصالحة بين عباس ودحلان، بعد أن تصاعدت الخلافات بين الرجلين عقب فصل اللجنة المركزية لحركة فتح في يونيو 2011، للقيادي دحلان من الحركة، إلا أن الجهود العربية الداعمة لعودة دحلان إلى الحركة لم تنجح في ظل رفض عباس لتلك المصالحة التي يرى أن هدفها تهيئة دحلان ليكون رئيساً خلفاً له.