في عالم تتعدد فيه الجماعات والميليشيات المسلحة التي تتنافس على الظهور والصدارة، وتسعى للتميز عن نظيراتها ظهرت جماعة الحوثيين إلى الواجهة بعد فشل المسميات التي تطلقها على نفسها في منحها شهرة تتجاوز حجمها، هذا الظهور اللافت يعود لتميز الجماعة باتباع نمط معيّن خلال توسعها من صعدة حتى بقية المحافظات، ويعتمد هذا النمط على تفجير منازل المواطنين ودور العبادة، بدءًا بمنطقة دمّاج في صعدة شمالي البلاد، وحتى مديرية حيفان في تعز جنوبًا.
تفجير المنازل والمساجد وهدم دور تحفيظ القرآن الكريم لم يعرفه اليمنيون منذ عهد مملكة سبأ التي نشأت في عهد ما قبل الميلاد، إنه أسلوب خبيث يعكس مدى الحقد والكراهية الذي يتربع على عقلية هذه الفئة المحسوبة على بني الإنسان، وقبل ذلك تزعم انتماءها للإسلام الذي يحرّم على أبنائه هدم أماكن العبادة الخاصة لغير المسلمين، فما بالك بدور عبادة المسلمين أنفسهم التي جعلها الله بيوته على هذه الأرض.
الحوثيون يرفعون صور الخميني وحسن نصر الله في صنعاء
دار الحديث بدماج في صعدة وجامعة الإيمان في صنعاء أبرز مركزين لتحصيل العلوم الشرعية في اليمن، ويقصدهما طلاب العلم من دول عربية وإسلامية، تحولا إلى مجرد بنايات خاوية على عروشها تحت سيطرة الميليشيات، وكل ذلك يتم بدعم غربي تحت ذريعة التصدي للإرهاب، وهي الذريعة التي تستند عليها الميليشيات في تسويق نفسها أمام الغرب وأمريكا على وجه الخصوص.
لم يكن أحد يتصوّر أن يأتي يوم تسقط فيه اليمن في أوحال هذه الفئة الموالية لإيران، وتصبح منازل المواطنين ودور عبادتهم معرضة للهدم والتفجير، وفق تصنيفات حزبية وضعتها ميليشيات الحوثي تقضي باعتبار مناوئيها «دواعش» ينبغي تصفيتهم، والتخلص منهم، وتشريدهم بعد نهب ممتلكاتهم، وإن وجدت الرحمة فالاختفاء القسري في سجون لا يعلمها إلا الله.
تخيلوا معي أن يعيش الإنسان سنين من عمره في العمل لتوفير المال اللازم ليبني له بيتًا يعيش فيه مع عائلته وأطفاله، ثم يفاجأ به وقد أصبح ركامًا على وقع صرخة «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، كيف سيكون شعوره يا سادة وهو يرى ما شيّده لسنوات يسقط في دقيقة؟ إنها معادلة الخطيئة التي يرفضها العقل والمنطق، طرفاها الحقد المتغلغل في النفس، والفعل القبيح على الأرض.
مليشيا الحوثي
هل يعقل عناصر هذه الميليشيات معنى الموت لأمريكا عندما يفجرون بيت فلاح يمني لا يسمع بالولايات المتحدة إلا عبر التلفاز إن وجد أو الراديو؟ وهل يعي هؤلاء أن السفارة الأمريكية في صنعاء هي أرض أمريكية في الأعراف الدبلوماسية، وهي أحق أن يطالها شعار الموت الذي يرددونه مع كل خطيئة في حق الشعب؟ هم يدركون ذلك حقيقةً وقد حاولوا بالفعل اقتحام السفارة عندما كانوا يبحثون عن السلطة وقذارتها عام 2012، لكنهم اليوم في هرم السلطة وينفذون التوجيهات الأمريكية التي تتعامل مع هذا الهرم باعتباره جهازًا أمنيًّا خارج حدودها، لا يهم ذلك المهم أنهم يحكمون الشعب ويستمتعون بتدمير ممتلكاته، ومحو كل أثر لهوية اليمن الإسلامية المتمثلة في المساجد، ومدارس تحفيظ القرآن التي أصبحت في نظر أحد قيادات الحوثيين أماكن لتخريج الإرهابيين.
ما الفرق بين ما تمارسه إسرائيل في فلسطين وما يفعله هؤلاء في اليمن، إسرائيل تهدم منازل العائلات الفلسطينية التي يقوم أبناؤها بمواجهة جنودها، كما تعمل جاهدة لطمس المعالم الإسلامية في القدس وغيرها، بينما يقوم الحوثيون وصالح بنفس الدور في اليمن، الفارق الوحيد يكمن في أن إسرائيل يهودية، وهؤلاء عرب محسوبون على الإسلام!
قد يتحدث البعض عن تهدم عشرات المنازل بفعل قصف الطائرات التابعة للتحالف العربي، ومعهم الحق في ذلك في إدانة جرائم كهذه، لكن يبقى السؤال عن السبب الذي مهّد لهذا القصف أصلًا، وحشد قواته نحو الجنوب ليقضي على ما تبقى من مظاهر الدولة، وهويتها الإسلامية تحت ذريعة ما أنزل الله بها من سلطان.
عندما يقوم الحوثيون بتفجير منازل اليمنيين ومساجدهم ومدارسهم، فإنهم يعرضون أنفسهم للعنة ونقمة من قبل الشعب تمتد لأجيال قادمة، إذ إن هذه المآسي ستصبح حديثًا وحكايات ينقله الآباء لأبنائهم وأحفادهم، إنها جرائم لا تسقط بالتقادم فالتاريخ يدوَن ما اقترفوه، ولن يغفر لهم ما فعلوه.
تفجير المساجد والمنازل هو المشروع الوحيد الذي تفوقت فيه ميليشيات الحوثي عن نظيراتها من الميليشيات بشكل لافت، وتستحق تدوين اسمها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأهم ميليشيا حازت الصدارة في ذلك، فضلًا عن مشاريع القتل والاختطاف، وتدمير المدن التي تتقنها الجماعة أيضًا، إنها جماعة عنصرية سلالية تختفي خلف ستار أصبح مكشوفًا أمام الجميع، ولم يعد هناك شيء تستطيع أن تخفي به سوءتها المكشوفة عن الشعب اليمني، فالشعب هو المتضرر الأكبر من وجود هذه العصابة الكهنوتية، وهو المجني عليه والشاهد والمدعي والقاضي الذي سينصف نفسه من جلاديه ذات يوم، طال الزمان أو قصر.