ترجمة وتحرير نون بوست
مر أسبوع واحد منذ أن أحدث دونالد ترامب أكبر مفاجأة في تاريخ السياسية الحديث. حينها، تسارع الصحفيون للوقوف أمام برج ترامب، الواقع في “الجادة الخامسة” في نيويورك، سعيا للحصول على تصريح من الرئيس المنتخب. وفي الطابق السادس والعشرين من ذلك البرج، يقبع دونالد ترامب في معقله الذي لطالما زاره فيه المشاهير. وكان حينها بصدد اختيار حكومته.
سيتم الإعلان عن هؤلاء “الفائزين” قريبا. لكن التركيز اليوم ليس موجها للفائزين، بل موجه “للخاسر الأكبر” وهو حاكم ولاية نيو جيرسي “كريس كريستي”، الذي تم فصله مؤخرا من دوره القيادي في عملية الانتقال، جنبا إلى جنب مع معظم أولئك الذين يعملون معه، الأمر الذي تم وصفه بأنه “معركة سكاكين” انتهت بعملية تطهير شبيهة بتلك التي كان يقوم بها ستالين.
لكن الشخصية الجالبة للانتباه في هذه “المؤامرة” لم تكن موجودة في برج ترامب. بل كان هذا الشخص يقطن في ناطحة سحاب تابعة له تقع أيضا في “الجادة الخامسة” ومطلة على إمبراطورية العقارات التي تملكها عائلته. إنه زوج ابنة دونالد ترامب “جارد كوشنر”، البالغ من العمر 35 سنة. كان كوشنر مرتديا بدلة رمادية مصممة بعناية، وجالسا على أريكة من الجلد النبي في مكتبه الأنيق، وكانت ملامح أخلاقه العالية واضحة جدا. هذه الأخلاق هي التي ساعدت كوشنر على كسب أصدقاء ذوي نفوذ، قبل أن يكسب ثقة الزعيم الجديد للعالم الحر.
قال كوشنز باستهجان “منذ ستة أشهر، قررت أنا والحاكم كريستي أن هذه الانتخابات أكبر بكثير من أي من الخلافات التي حصلت بيننا في الماضي، وعملنا منذ ذلك الوقت معا، وقد تكهنت وسائل الإعلام بالعديد من الأشياء، وبما أني لا أتحدث مع وسائل الإعلام فإنهم ينشرون ما يريدون. لكني لم أكن سببا في طرده”.
لكن تكهنات وسائل الإعلام كان لها أساس قوي: ففي سنة 2005، قام كريستي، كونه محاميا، بسجن والد كوشنر بتهمة التهرب الضريبي وتزوير الانتخابات والتلاعب بتصريحات الشهود. فلنترك نظريات الانتقام جانبا، كان الجدل الذي أثير حول كوشنر معقولا وذات دلالة. فمنذ سنة واحدة، لم يكن له أي تجربة في مجال السياسة ولم يكن له أي اهتمام في الدخول إلى الساحة السياسية. لكنه قرر فجأة أن يكون مركز اهتمام المجال السياسي الأمريكي.
هذا إضافة إلى أن كوشنر لا يتحدث علنا أبدا، لذلك، فإن “دردشاته” مع فوربس تعد المرة الأولى التي تحدث فيها عن الحملة الانتخابية لترامب أو عن دوره فيها. لكن المقابلات معه ومع أعضاء حملة ترامب تؤدي إلى اكتشاف حقيقية لا مفر منها: الشاب الهادئ الغامض مكن المرشح الأكثر تعطشاً للشهرة في تاريخ الولايات المتحدة من الوصول إلى السلطة.
ترعرع كروشنر، رفقة أشقائه الثلاث، في بيت يهودي في ليفينغتون في نيوجيرسي. وتلقى كوشنر تعليمه في مدرسة ثانوية يهودية خاصة، ثم درس في جامعة هارفرد ثم في جامعة نيويورك
في هذا السياق، قال الملياردير بيتر ثيل، الشخصية المهمة الوحيدة في السيليكون فالي التي دعمت ترامب علنا، إنه “من الصعب أن نتمكن من تقييم دور جاريد في الحملة، ومن الصعب أيضا تلخيصه. وإذا كان ترامب مديرا تنفيذيا، فجاريد هو من تولى دور رئيس العمليات”. وأضاف إريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لجوجل، والذي ساهم في إنشاء المنظومة التكنولوجية لحملة هيلاري كلينتون في الانتخابات “إنجاريد كوشنر هو المفاجأة الكبرى لانتخابات 2016. يمكنني أن أجزم أنه كان يدير الحملة رغم عدم توفر أي موارد”.
أو بالأحرى، بدون أي موارد في البداية ربما، أو بدون تمويل كاف. لكن من خلال إدارة حملة ترامب، تمكن كوشنر من ترجيح الكفة لفائدة ترامب من خلال أصوات الناخبين في الولايات الأهم. وقد قام بذلك بأسلوب قد يغير طريقة الربح والخسارة في الانتخابات القادمة. وتجدر الإشارة إلى أن باراك أوباما كان بارعا في تحفيز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، إلا أن قواعد اللعبة تغيرت في الثمان سنين الماضية، خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.
أما هيلاري كلينتون فقد اعتمدت نفس استراتيجيات أوباما، لكنها اعتمدت أيضا على وسائل الإعلام التقليدية. وفي الوقت ذاته، عولت حملة ترامب على التلاعب بالمشاعر. وهذا دليل على أن عصر الحملات الانتخابية التقليدية انتهى، وهذه الحملات ليست إلا إحدى ضحايا الديمقراطية “غير المصفاة”، أما كوشنر فقد واصل القضاء على الحملات التقليدية.
إن انجازات كوشنر، إضافة إلى الثقة التي منحه إياها ترامب، ستجعله صاحب سلطة عالية لمدة أربع سنوات على الأقل. وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر والذي يعد صديقا لترامب منذ عقود، كما أنه مستشار حالي لترامب على قضايا السياسة الخارجية “كل رئيس عرفته يكون له شخص أو اثنين يمنحهما ثقة كاملة، بالنسبة لترامب، فإن ذلك الشخص هو جاريد”.
أصبح جاريد كوشنر المنقذ لحملة ترامب الانتخابية بعد أن كان زوج إيفانكا ترامب غير المعروف. لكن هذا التحول حدث تدريجيا. ففي الأيام الأولى من الحملة الانتخابية المفككة، كان كوشنر يساعد بأبحاث تتعلق بالضرائب والتجارة. لكن بعد أن جلبت الحملة اهتمام العديد من الناس، بدأ البعض باللجوء إليه كطريق موثوق به للوصول إلى المرشح غريب الأطوار، الأمر الذي تحدث عنه جاريد قائلا “لقد ساعدت في تسهيل الكثير من العلاقات التي لم تكن لتحدث”. مضيفا أن عديد الناس أحسوا بالأمان عند التحدث معه، ولم يكن لديهم أي شعور بالخوف من حدوث تسريبات.
وقال كوشنر “لقد تم إخبار عديد الناس في واشنطن أنهم إن عملوا لفائدة حملة ترامب، فإنهم لن يتمكنوا من العمل مجددا في الساحة السياسية للحزب الجمهوري … وخلال محاولاتي لتوظيف خبير ضرائب، وافق أحدهم على الانضمام لحملتنا تحت شرطين: ألا نخبر أحدا أنه يعمل لفائدة الحملة وأنه يجب أن يكون مرتبه مضاعفا” .
ثم توسع دور كوشنر مع توسع الحملة. وبدأ في العمل بصفة رسمية مع ترامب منذ تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2015. لكن ذلك خلق فراغا في برج ترامب، فعندما زار فريق فوربس الطابق المخصص لحملة ترامب، لم يكن هناك أي شيء، لم يكن هناك عاملون أو مكاتب أو كراسي أو حواسيب، لم يكن أحد في انتظار الفريق، ما عدا مدير الحملة كوري يفاندوفسكي والمتحدثة باسم الحملة هوب هيكس، و”الاستراتيجية” التي ارتكزت على تقديم ترامب لتصريحات تجلب انتباه الصحفيين، أو الاتصال بالبرامج والتدخل، إضافة إلى الحشود الشعبية التي تنظم مرة أو مرتين كل أسبوع، وذلك وفاء للمظهر التقليدي للحملات الانتخابية.
عندما كان في سن الرابعة والعشرين، وجد جاريد نفسه مضطرا للحفاظ على تماسك أسرته، فكان يقضي معظم وقته مع أمه، ثم يسافر إلى ألاباما لزيارة والده في السجن
تم تدخل كوشنر ليجعل الحملة أفضل وليجعلها حملة “عمليات”. وبدأ في تكوين فريق خطابات وسياسات، كما أصبح مسؤولا عن جدول أعمال ترامب وعن شؤونه المالية. وقد أكد كوشنر أن ترامب “لم يرد أن يصبح أحد ما غنيا بفضل حملته، وأنه يجب أن نراقب كل دولار يتم انفاقه، تماما كما نفعل في أعمالنا التجارية“.
أما القرار الذي جعل دونالد ترامب يفوز بالانتخابات فقد كان في طريق العودة من سبرينغفيلد، على متن طائرة ترامب الخاصة من طراز بوينغ 757، حيث تحدث ترامب وكوشنر عن الاستعمال المحدود لوسائل التواصل الاجتماعي في الحملة. لذلك، كلف ترامب كوشنر بإدارة صفحاته على الفيسبوك.
وكان ترامب يتعمد في متابعته للأخبار الصحف والتلفاز. أما إجاباته على البريد الالكتروني فهي عبارة عن ملاحظات يخطها يدويا، ينسخها مساعده باستخدام الماسح الضوئي ويبعث النسخة الرقمية إلى المستلم. أما كوشنر فقد كان الوحيد من بين المقربين لترامب القادر على خلق حملة انتخابية عصرية. وعلى الرغم من أنه رجل عقارات، شأنه شأن ترامب، إلا أنه استثمر في مجال وسائل الاعلام أيضا (اشترى نيويورك أبزورفور سنة 2006) واستثمر أيضا في التجارة الرقمية (ساهم في إنشاء موقع “كارد” وهو سوق الكرتونية للصفقات العقارية الكبرى). والأهم من ذلك، كان يعرف شخصيات هامة، من بينهم المستثمرون المشاركون في “كادر”، مثل بيتر ثيل ومؤسس موقع علي بابا “جاك ما”، وأخ كوشنر الأصغر، جوش، والذي شارك في تأسيس “أوسكار هالث” للتأمين الصحي التي بلغت قيمتها 2.7 مليار دولار.
جاريد كوشنر على غلاف فوربس
تحدث كوشنر عن دوره قائلا “اتصلت ببعض أصدقائي في السيليكون، وهم من أكبر المسوقين الرقميين في العالم، وطلبت منهم منحى عروضا … ثم قمت بالاتصال بإحدى شركات التكنولوجيا التي أعمل معها وطلبت منه أن يعلمني كيفية استخدام خاصية “الاستهداف” الخاصة بالفيسبوك”، وبما أن رسائل ترامب للأمريكيين تعتبر حادة وبسيطة في الوقت ذاته، فإن الاستراتيجية الجديدة تمكن من الوصول إلى عديد الناس. وبالتالي، ارتفعت قيمة مبيعات القبعات وغيرها من المواد التي تحمل العلامة التجارية لترامب من 8000 دولار إلى 80000 دولار مما ساعد في ارتفاع الإيرادات. كما اعتمد كوشنر طريقة أخرى، من خلال نشر فيديوهات لترامب متحدثا مباشرة إلى الكاميرا. وقد حصدت هذه الفيديوهات 74 مليون مشاهدة.
مع اقتراب نهاية الانتخابات، وفر نظام كوشنر التمويل اللازم ووفر أيضا طريقة مناسبة لإنفاق ذلك التمويل.
وعندما ضمن ترامب ترشحه على رأس الحزب الجمهوري، تولى كوشنر كل الجهود التي تعتمد على البيانات. وفي غضون ثلاث أسابيع، وفي مبنى خارج أنطوريو، أنشأ كوشنر مركزا لتوحيد عمليات جمع التبرعات والرسائل والاستهداف. وكان براد بارسكال هو المسؤول عن إدارة هذا المركز، وقد عمل بارسكال في السابق مع ترامب من خلال إنشائه لبعض مواقع الويب لمنظمة ترامب. وكانت مهمة هذا المركز “السري” هي التحكم في كل القرارات الاستراتيجية التي يتم اتخاذها خلال الحملة. قال كوشنر متحدثا عن هذا المركز إن “من أفضل الذين عملوا في هذا المركز هم أولئك الذين تطوعوا لأجل المصلحة العامة، هؤلاء أناس من مجال الأعمال، أناس من خلفيات غير تقليدية“.
وقد حاول كوشنر تنظيم الحملة الانتخابية بطريقة تضمن ألا تكون العائدات أقل من المصاريف. قال كوشنر متحدثا عن هذه الطريقة: “لقد سألنا أنفسنا عن أي من الولايات التي ستحقق لنا عائدات على الاستثمار. وتساءلت أيضا عن إمكانية إيصالنا لرسالة ترامب بأقل تكلفة ممكنة”. ووفقا للجنة الانتخابات الفيديرالية فإن تكاليف حملة ترامب لا تتعدى نصف ما تم إنفاقه في حملة كلينتون.
جاريد كوشنر مع الرئيس المنتخب، دونالد ترامب
يتم وصف أسلوب ترامب بأنه غير تقليدي. لكن هذا الأسلوب هو الذي ضمن ترشحه على رأس الحزب الجمهوري، رغم أنه أنفق أقل بكثير مما أنفقه خصومه. وبالتالي فإن غياب الخبرة السياسية بالنسبة لكوشنر أصبح بمثابة ميزة للحملة، فهو لم يكسب خبرة إدارة حملة تقليدية. بل تمكن من النظر إلى الحملة من وجهة نظر شبيهة بتلك التي يستخدمها رجال أعمال السيليكون فالي للوصول إلى تضخيم شركاتهم.
التلفاز والاعلانات على الانترنت؟ لا يجب حقا اعتمادها. أما تويتر وفيسبوك فهما كفيلان بإحداث ضجة في الحملة، كونهما أدوات أساسية لنشر رسالة دونالد ترامب ولاستهداف المؤيدين المحتملين وغيرها. في هذا السياق، قال كوشنر “لم نكن خائفين من اعتماد تغيير، لم نكن خائفين من الفشل. حاولنا أن نقوم بكل شيء بأقل تكلفة وفي أقل وقت ممكن. وإن لم ينجح أمر ما، فإننا نتوقف عنه بطريقة فورية… هذا يعني أنه كان علينا أن نتخذ قرارات سريعة وأن نعوض القرارات الخاطئة بأخرى أفضل“.
كما تمكن فريق كوشنر من الاستفادة من بيانات اللجنة الوطنية الجمهورية. وقام كوشنر بتوظيف شركاء بهدف استهداف الناخبين. من بين هؤلاء الشركاء “كامبريدج أناليتيكا” وذلك لتحديد الناخبين المحتملين وتحديد أي من عناصر حملة ترامب لاقت رواجا أكبر: التجارة أو الهجرة أو التغيير.
كما تم استخدام أدوات مثل “ديب روت”، وتعمل هذه الأداة على ربط بعض البرامج التلفازية مع الكتل الانتخابية التي تتابعها في مناطق محددة، متابعي “أن سي آي آس” هم من المعارضين لمشروع باراك أوباما للرعاية الصحية “أوباما كير” على سبيل المثال، أو أن متابعي “والكينغ داد” هم من المهتمين بمشاكل الهجرة. وبالتالي، تمكن كوشنر من بناء أداة للمواقع الجغرافية التي تحتوي على حوالي 20 نوعا من الناخبين.
بعد ذلك، تم اتخاذ كل القرارات استنادا على البيانات العملية التي تم جمعها، مثل السفر إلى ولايات محددة، أو الإعلانات، أو أماكن التجمع ومواضيع الخطابات، حتى الأمر الذي تحدث عنه بارسكال قائلا “لقد قام كوشنر بتجميع القطع مع بعضها البعض، والمضحك في الأمر هو أن العالم الخارجي كان مهووسا جدا بتفاصيل صغيرة ولم يعيروا انتباها لحقيقة أن كل شيء يتم إدارته حسب خطة معينة“.
أما بالنسبة للتمويل، فقد تم اعتماد التعلم الآلي، وتم التخلص من الاعلانات غير المجدية والابقاء على الناجحة منها. وكانت الحملة ترسل قرابة 100 ألف إعلان تستهدف الناخبين كل يوم. وفي نهاية المطاف، تمكن أغنى رئيس للولايات المتحدة، والذي كانت طرق جمعه للتبرعات محل سخرية، من جمع 250 مليون دولار في غضون أربعة أشهر، معظمها من صغار المتبرعين.
ومع اقتراب نهاية الانتخابات، وفر نظام كوشنر التمويل اللازم ووفر أيضا طريقة مناسبة لإنفاق ذلك التمويل.
وعندما لاحظ كوشنر أن ناخبي الولايات المحورية مثل ميشيغان وبنسلفانيا قد لا يصوتون لترامب، عمل على إنتاج إعلانات في التلفزيون وتنظيم تجمعات وتطوع الآلاف للطرق على أبواب المنازل ولإجراء مكالمات هاتفية قد تجعلهم يغيرون رأيهم. وحتى خلال الأيام الأخيرة من الحملة، كان يقوم بنفس الاجراءات بدون علم أي شخص من خارج الحملة. لذلك فإن هذا يفسر سبب فوز هيلاري كلينتون في التصويت الشعبي وخسارتها للانتخابات. فعلى الرغم من أن حملة ترامب اتسمت بالخوف والغضب، إلا أن العامل الحاسم في الانتخابات كان البيانات وريادة الأعمال.
قال إريك شميت، المدير التنفيذي السابق لغوغل، متحدثا عن دور جاريد في الحملة الانتخابية “إن جاريد فهم العالم الرقمي بطريقة لم يدركها متتبعي وسائل الاعلام التقليدية. لقد قام بتنظيم حملة انتخابية من خلال استخدام تكنولوجيات جديدة، ونجح في ذلك. وهذا أمر هام جدا. هل تذكرون كل المقالات الصحفية التي قالت إن الحملة تفتقر للأموال وللموارد البشرة ولهيكل تنظيمي؟ ها قد فازوا في النهاية، وجاريد هو من أدار الحملة“.
في الحقيقة، إن شخصية جاريد تختلف كثيرا عن شخصية ترامب، حتى في استعمالهم لتويتر على سبيل المثال. فتغريدات ترامب التي يرسلها لـ15 مليون متابع دفعت أعضاء الحملة إلى حجز هاتفه خلال الحملة. إلا أن كوشنر، الذي أنشأ حساب تويتر منذ أبريل 2009، لم ينشر أي تغريدة .
وهناك اختلاف واضح أيضا بين مكتب دونالد ترامب الفاخر ومكتب عائلة كوشنر الذي يتميز بصغر حجمه مقارنة بمكتب ترامب وبأثاثه المعتدل. فقد زُينت قاعدة الاستقبال بنسخة مجلدة من التعاليم اليهودية التي وٌضعت على قاعدة خشبية. وزُينت قاعدة الاستقبال أيضا بقطع متطابقة من “المازوزا” على كل جانب من جوانب الأبواب.
والزينة الوحيدة في قاعة الاجتماعات الكبيرة هي لوحة زيتية فيها صورة لجد وجدة كوشنر، وهما من اللذين نجوا من المحرقة وتمكنوا من الهجرة إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. أما مكتب كوشنر فقد زين بلوحة كتب عليها “لا داعي للذعر” بجانب عدد من صفحات نيويورك أبزورفور وأعمدة تحمل جوائز صفقات عقارية وصور ذات برواز لإيفانكا. إذن، إن كنت تبحث عن إيديولوجية لكوشنر أو ترامب، فإنه يمكن تلخيصها في كلمة واحدة: العائلة.
جاريد كوشنر مع زوجته، سيدة الأعمال إيفانكا ترامب.
تعرف جاريد على إيفانكا في غداء عمل، وبدأت علاقتهما سنة 2007. خلال فترة الخطوبة، التقى جاريدبدونالد مرات قليلة. لكن عندما أصبحت العلاقة جدية أكثر، طلب جاريد لقاء مع ترامب. فالتقى الاثنين وتناولا الغداء في مطعم “ترامب غريل” وتحدثا عن مستقبل العلاقة بينهما. وقال جاريد حينها “إن علاقتي مع إيفانكا أصبحت علاقة جدية” فأجابه ترامب “من الأفضل أن تكون جادا حيال هذا الأمر”. وتحدثت إيفانكا عن هذا اللقاء قائلة “كان بين جاريد وأبي نقاط تشابه: أنا والعقارات. وهناك الكثير من أوجه الشبه بين جاريد الآن وأبي عندما كان في السنوات الأولى من مسيرته“.
وشأنه شأن ترامب، ترعرع كوشنر خارج مانهاتن، في نيو جيرسي تحديدا. كما أن كوشنر هو أيضا ابن لرجل أنشاء هو أيضا إمبراطورية عقارية. فقد تمكن شارل كوشنر من شراء 25 ألف شقة في شمال شرق الولايات المتحدة ونجح في إدخال عائلته وأبنائه إلى نفس المجال، الأمر الذي تحدث عن كوشنر قائلا ” لم يولي أبي أهمية لمخيمات الصيفية، كنا عادة ما نذهب معه إلى المكتب، كنا نذهب للبحث عن عمل نقوم به، فكنا نعمل في مواقع البناء. ذلك هو ما علمنا العمل الحقيقي“.
ترعرع كروشنر، رفقة أشقائه الثلاث، في بيت يهودي في ليفينغتون في نيوجيرسي. وتلقى كوشنر تعليمه في مدرسة ثانوية يهودية خاصة، ثم درس في جامعة هارفرد ثم في جامعة نيويورك حيث حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق والماجستير في إدارة الأعمال.
وكان والد كوشنر من أكبر المؤيدين للحزب الديمقراطي، حيث منح سنة 2002 مبلغا قيمته مليون دولار للجنة الوطنية الديمقراطية و90 ألف دولار لهيلاري كلينتون خلال ترشحها لمجلس الشيوخ سنة 2000. وشأنه شأن والده، منح جاريد أكثر من 60 ألف دولار للجان الديمقراطية و11 ألف دولار لكلينتون.
من الصعب أن نتمكن من تقييم دور جاريد في الحملة، ومن الصعب أيضا تلخيصه. وإذا كان ترامب مديرا تنفيذيا، فجاريد هو من تولى دور رئيس العمليات
لكن خلال دراسته، كان جاريد يقضي فترة تدريب في مكتب محاماة روبارت مورغنثاو قبل أن تحدث فضيحة عائلية تقلب حياته رأسا على عقب. ففي سنة 2004، تمت إدانة شارلز كوشنر بتهمة التهرب الضريبي، ومنح تبرعات غير قانونية والتلاعب بتصريحات الشهود. وقد جذبت هذه التهم اهتمام الصحف الصفراء. والسبب وراء تهمة التلاعب بالشهود هو أن زوج أخت تشارلز، ويليام شرودر، قرر أن يتعاون مع المحققين الفيديراليين، الأمر الذي أغضب تشارلز، فقام باستئجار بائعة هوى لإغراء شرودر وتسجيل شريط فيديو لعلاقتها معه. بعد ذلك أرسل تشارلز الشريط إلى أخته.
عندما كان في سن الرابعة والعشرين، وجد جاريد نفسه مضطرا للحفاظ على تماسك أسرته، فكان يقضي معظم وقته مع أمه، ثم يسافر إلى ألاباما لزيارة والده في السجن. وخلال تلك الفترة، أصبحت علاقته مع أخيه جوش أفضل من قبل. قال جوش متحدثا عن علاقته مع أخيه جاريد “هو الشخص الذي ألجأ إليه إذا احتجت توجيهات أو دعم، مهما كانت الظروف”. أما كوشنر فقد قال، متحدثا عن الفترة القاسية التي عاشها، “لقد تعلمت ألا أقلق بسبب أشياء لا يمكنني السيطرة عليها. يمكنني أن أتحكم في ردة فعلي وأن أحاول بذل قصارى جهدي لضمان نتائج جيدة. وعندما لا تسير الأمور كما أردت، فإني أحاول أن أعمل بجد في المرة القادمة”.
وقد اتبع جاريد نفس الطريقة بالنسبة لشركات عائلته، والتي يديرها هو الآن. وعندما بدأ كوشنر مسيرته، فإنه انطلق من مانهاتن، مثلما فعل ترامب منذ 40 سنة. كان كوشنر كله عزم على العمل في أسواق العقارات التي تنتج أرباحا. لكن التوقيت لم يكن في صالحه، وذلك لأن أول عملية شراء قام بها بلغت كلفتها 1.8 مليار دولار، إلا أن هذه العملية فشلت بسبب الأزمة الاقتصادية. في تلك الفترة، انخفضت أسعار الإيجار وأنهى الكثيرون عقودهم المتعلقة بالإيجار، كما أن التمويل توقف. وفي محاولة للسيطرة على الأزمة، باع كوشنر 49 في المائة من مساحة مبنى الشركة لمجموعة “كارليل” ولشركات أخرى بمبلغ 525 مليون دولار وقام بإعادة هيكلة كل اتفاقيات القروض التي قام بها. وفي آخر المطاف، تمكن كوشنر من تفادي الإفلاس والنجاة من العاصفة.
وقد تعلم كوشنر درسا مهما، فبدلا من مطاردة الأموال وأكبر عقارات نيويورك، تعلم كوشنر أن يستهدف عقارات وأحياء أخرى مثل سوهو في منهاتن وإيست فيلاج ودومبو في بروكلين، الأمر الذي تحدثت عنه إيفانكا قائلة “تمكن جاريد من خلق عقلية شبابية ومبتكرة في مجال اتسم بالتقليدية ورجال الأعمال الذين يفوق عمرهم 70 سنة”. وعمل جاريد أيضا على استهداف مناطق كوينز وجورنال سكوير في نيوجيرسي، وهي المناطق التي عاش فيها فريد ترامب وتشارلز كوشنر.
في الحقيقة، تمكن جاريد من زرع روح السيليكون فالي، التي تتمير بالانفتاح والشمولية، في حملة وعدت بفرض حدود مغلقة وحماية للتجارة وإقصاء ديني. وعلى الرغم من أنه من أهم المانحين للحزب الديمقراطي، إلا أنه قام بقيادة حملة رئاسية للحزب الجمهوري. وهو أيضا حفيد أحد الناجين من محرقة الهولوكوست، لكنه خدم رجلا يدعو لحظر لاجئي الحرب من دخول أمريكا. وهو في الوقت ذاته محام ساند مرشحا قال إن الاحتباس الحراري ليس إلا خدعة. ولا ننسى أنه يهودي متدين قدم المشورة لرئيس مساند من قبل “الكو كلوكس كلان”.
وفي إجابته عن كل هذه التناقضات، بدا الجواب واضحا: إيمان جارد بدونالد ترامب، إيمان منحه دورا هاما في الحملة الانتخابية. وقال كوشنر “إن كنت أعرف شخصا، وأخبرني الناس عنه أنه شخص سيء، فإني لن أفكر أن ذلك الشخص فضيع وأبتعد عنه، إذا ما كانت البيانات التي أجمعها وخبرتي أكثر اطلاعا من أولئك الذين عادة ما يحكمون على غيرهم بأحكام مسبقة. ماذا ستكون آراء الناس عني إن غيرت مواقفي بناء على ما يعتقده الناس عن شخص ما، بدلا عن الحقائق التي أعرفها؟”. وفيما يتعلق بمواقف دونالد ترامب من العالم الخارجي قال كوشنر “لا أعتقد أن الأمر مثير للجدل، أن يقول مرشح لرئاسة الولايات المتحدة إن مهمته هي أن يجعل بلاده أفضل وأن يكون وطنيا“.
أما بالنسبة لتصريحات ترامب اللانهائية والتي أهانت وهددت المسلمين والمكسيكيين والنساء وأسرى الحروب وجنرالات الولايات المتحدة، قال كوشنر “أنا أعرف أن معظم الأشياء التي يهاجم بسببها ترامب ليس لها أي أساس من الصحة أو أنها مبالغ فيها. أنا أعرف شخصيته، أعرف من هو، وأنا بالطبع لم أكن لأسانده لو كان كما قيل. إذا منحه الأمريكيون الفرصة، فإنهم سيدركون أنه لن يتسامح مع الكراهية والبغض”.
عبر كوشنر عن دعمه لستيف بانون، المستشار الاستراتيجي لترامب، والذي اتهمته زوجته السابقة بالإدلاء بتصريحات معادية للسامية
وفيما يتعلق بانتمائه السياسي، قال إنه يعرِّف نفسه على النحو التالي “أنا لم أتخذ قرارا بعد. لا زالت هناك عديد التطورات. هناك جوانب من الحزب الديمقراطي التي لم ترق لي، ونفس الشيء بالنسبة للحزب الجمهوري. كما أن السياسيين يحاول وضعنا في مواقف استنادا على ما هو موجود. وأنا أعتقد أن ترامب له موقف خاص به، وهو عبارة عن مزيج بين ما يمكن أن يكون ناجعا واستبعادٍ لما قد لا ينفع“.
كما كانت هناك مزاعم عن معاداة ترامب للسامية. ففي شهر يوليو/تموز، نشر ترامب على صفحته في تويتر صورة لهيلاري أمام خلفية فيها ورقة دولار ونجمة سداسية تحتوي عبارة “المرشح الأكثر فسادا على الإطلاق”. وهي صورة قيل عنها أنها نابعة من أفكار تفوق ذوي البشرة البيضاء. وفي خصوص هذا الموضوع، كتبت مراسلة نيويورك أوبزورفر “دانا شوارتز” مقالا تحث فيها مديرها في العمل على التنديد بما نشره ترامب، مراعاة لديانته ولعائلته. لكن كوشنر أجاب من خلال مقال قال فيه إنه “يعرف ترامب جيدا … إن كان أي خطاب معاد لـ”شرطة” الخطابات يتم إدانته واتهامه بالعنصرية، إذن كيف سيتم إدانة العنصريين الحقيقيين؟“.
ويصر كوشنر اليوم أنه لم يكن هناك أي عنصر كراهية في إدارة ترامب، بدأً من مناصب القمة. وقال كوشنر “لا يمكنك أن تكون غير عنصري، ثم تصبح عنصريا فجأة في سن التاسعة والستين، أليس كذلك؟ ولا يمكنك أن تكون غير معاد للسامية، ثم تصبح معاديا للسامية فجأة لأنك مرشح للانتخابات.”
أما ردة فعله على هامش مساندة “الكو كلوكس كلان” لترامب، قال كوشنر “لقد تنصل ترامب 25 مرة من هذه المساندة. لقد عبر عن معارضته للكراهية، لا أعلم كم مرة يجب أن يعبر عن معارضته لهم”. ثم اقتبس مقولة لرونالد ريغن، والتي قال فيها “حقيقة أنهم يدعموني لا تعني أني أدعمهم”.
وعبر كوشنر عن دعمه لستيف بانون، المستشار الاستراتيجي لترامب، والذي اتهمته زوجته السابقة بالإدلاء بتصريحات معادية للسامية (لكنه نفى ذلك). كما أن موقعه على الانترنت، برايتبارت، كان قد نشر مقالات تنم عن أفكار معادية للسامية. وفي هذا الشأن قال كوشنر “هل يجب محاسبتي على كل ما ينشر في نيويورك أبزورفور؟ وكأنها كتاباتي؟ كل ما أعرفه عن ستيف هو تجربة عمل لي معه. وهو صهيوني بامتياز محب لإسرائيل. وهو من بين القادة الذين كافحوا ضد حملات التصفية. وكل ما لاحظته خلال عملي معه هو أنه شخص يختلف تماما عما يصفه به الناس. وأنا أفضِّل أن أحكم عليه بناء على تجربتي معه وبناء على أعماله وليس استنادا إلى ما يقوله الناس عنه”.
توسع دور كوشنر مع توسع الحملة. وبدأ في العمل بصفة رسمية مع ترامب منذ نوفمبر من سنة 2015
وقد يعكس هذا موقف كوشنر من أصدقائه المستائين بسبب دوره في الانتخابات التي اعتبروها إساءة لقيمهم، وقد قام بعض منهم بإرسال رسائل غاضبة لكوشنر متهمين إياه بالتخلى عن صداقاته وعن أعماله لأجل مساندة شخص في مجال السياسية، الأمر الذي تحدث عنه كوشنر قائلا “الناس متقلبون جدا، عليك أن تجد ما تؤمن به حقا، عليه أن تتحدى حقائقك. وإن كنت تؤمن بشيء ما، حتى وإن كان محل معارضة، عليك أن تعمل عليه”.
والعديد من هؤلاء الأصدقاء المتقلبون يؤمنون الآن أن كوشنر أصبح محل ثقة ترامب، لكن الكل يتساءل عما سيفعله من خلال السلطة التي منحت إليه. وفي الوقت الراهن، يحاول كوشنر عدم السعي وراء تلك السلطة، فقد فسر قائلا “هناك عديد الناس الذين طلبوا مني أن أكون مشاركا في السلطة. لكن علي أن أفكر في الأمر وما تعنيه السلطة بالنسبة لعائلتي وشركاتي. على أن أتأكد أنني سأتخذ القرار الصائب”.
ومن غير المرجح أن يكون لكوشنر منصبا رسميا في البيت الأبيض، وذلك لأن القانون يمنع توظيف أقارب في مناصب رسمية. وقد أشارت تقارير أن إدارة الرئاسة تدرس كل الزوايا القانونية لكي يكون كوشنر في الجناح الغربي في وظيفة مستشار، على ألا يكون له مرتب، على الرغم من أن الأمر قد يكون غير مطابق مع القانون الذي تم سنه لضمان الولاء للدستور وليس الولاء للأفراد.
ويمكن أن تصبح المسألة محل خلاف، فلا يوجد أي قانون يمنع الرئيس من طلب استشارات من أي شخص يريد. كما أنه من الواضح أن تقنيي ورائدي الأعمال في الولايات المتحدة، الذي ساندوا كلينتون وعارضوا ترامب، سيستخدمون كوشنر كوسيط، ومن المتوقع أن يعول ترامب عليه وبشدة. وعن منصب كوشنر في البيت الأبيض، قال الملياردير روبرت مردوخ. “أنا أفترض أنه سيكون في البيت الأبيض خلال فترة رئاسة ترامب، وسيكون صوتا له، ربما أقوى الأصوات بعد صوت نائب الرئيس.”
المصدر: فوربس