ترجمة وتحرير نون بوست
بعد معركة الموصل، أصبح الزوال الإقليمي لتنظيم الدولة من العراق شبه مؤكدٍ. ولكن في حين، تتجه كل الأنظار نحو الهجمات الانتقامية التي سيشنها تنظيم الدولة في الخارج بعد هذه المعركة، فإنهم يتجاهلون التجربة القاسية في أفغانستان.
استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ سنة 2003، الحدّ من نفوذ طالبان والقاعدة، ولكن عدم كفاءة الحكومات التي تعاقبت في أفغانستان خلال السنوات العشر الأخيرة، قد ساهم في استئناف هذه الجماعات لنشاطها من جديد. ويبدو أن السلطات الأفغانية لا زالت في حاجة لبذل المزيد من الجهود لمكافحة تنامي نفوذ هذه الجماعات الإرهابية على أراضيها. وفي المقابل، يجب على الولايات المتحدة إعادة تركيز جهودها لحلّ المشاكل السياسية والاجتماعية، التي أدت إلى صعود تنظيم الدولة في العراق، من أجل هزيمته ومنع بعض الجماعات الإرهابية الأخرى من المسك بزمام الأمور في البلاد.
وعلى غرار تنظيم الدولة، يرجع صعود حركة طالبان من جديد إلى الفوضى الداخلية التي تعيشها البلاد، والسياسات القمعية التي تنتهجها الدولة مع مواطنيها. فالصراع السياسي الذي عقب الانسحاب السوفياتي من الأراضي الأفغانية، أعاق نجاح العديد من الحكومات. ولكن استطاعت حركة طالبان تركيز قانونٍ ونظام صارمٍ مكّنها من ضمان حالة استقرارٍ نسبيةٍ في البلاد.
فشلت الولايات المتحدة وحلف الناتو في توفير نفس الاستقرار والنظام بعد التدخل العسكري الذي قامتا به سنة 2001. وبعد الغزو الأمريكي، تزايدت خيبة أمل المجتمعات الأفغانية، جراء تخاذل الحكومة في اتخاذ أي إجراءات لتحسين الأوضاع، حيث منع الفساد السياسي والمالي داخل الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة من توفير النظام والاستقرار الذي يحتاجه الأفغان اليوم.
ونتيجة لذلك، عانت القوات الدولية من انتكاسات هائلة على مدى العقد الماضي، نظرا لتمكن حركة طالبان من السيطرة من جديد على العديد من الأراضي، حتى إن تنظيم الدولة قد تمكّن من إحراز بعض التقدم في بعض المناطق الأفغانية.
ولذلك يتعين على صناع القرار في العراق أن يستوعبوا الدرس من طالبان، في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لمرحلة ما بعد تنظيم الدولة. ففي أعقاب الغزو الأمريكي، تم تجريد منطقة غرب العراق السنية، من النفوذ السياسي والاجتماعي، كما فقد الكثير من العراقيين الثقة في حكومتهم مع تراجع مستوى الخدمات الأساسية وتفاقم الفساد في البلاد. كما أن الصعود السياسي للطائفة الشيعة، التي كانت مهمشة سابقا من قبل نظام صدام حسين، أثار خوف أهل السنة في العراق.
وقبل أن يقوم تنظيم الدولة بالتخطيط لشن هجمات في الخارج واستقطاب جماعات أخرى موالية له، كانت تتركز كل هجماته على منطقة غرب العراق وسوريا. وعلى عكس تنظيم القاعدة، حاول تنظيم الدولة حشد الدعم المحلي من خلال توفير الخدمات الأساسية، والاستقرار، وجهاز أمني فعال، وبعض الحوافز الاقتصادية. ولذلك ساندت عديد الطوائف العراقية تنظيم الدولة، على الرغم من اختلافاتها الإيديولوجية معه، لأنها كانت لا تثق بالقدر الكافي في إرادة الحكومة وسياساتها.
وقد حاولت الحكومة العراقية الحالية اجتثاث الفساد، إلا أن البيئة الطائفية والفوضى السياسية المتجذرة في البلاد أعاقت معظم جهودها، مما أدى إلى تزايد موجة الاحتجاجات، على مدى الأشهر القليلة الماضية،ضد الفساد والأوضاع المزرية للبلاد والتمثيل السياسي غير العادل داخل الحكومة العراقية، نظرا إلى أن معظم المواقف السياسية للحكومة هي مجرد تجسيد لمواقف الطوائف المسيطرة على البلاد.
وبعد الغزو الأمريكي، تزايدت خيبة أمل المجتمعات الأفغانية، جراء تخاذل الحكومة في اتخاذ أي إجراءات لتحسين الأوضاع، حيث منع الفساد السياسي والمالي داخل الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة من توفير النظام والاستقرار الذي يحتاجه الأفغان اليوم
ومع استعادة الموصل قريبا، سيكون الوقت مناسبا للحكومة العراقية لبدء معالجة المظالم المحلية. فالكثير من العراقيين في حاجة إلى المرافق الأساسية مثل الغذاء، والمياه النظيفة، والتعليم، التي تراجع مستواها بسبب هذه الحروب المتواصلة التي شهدها العراق منذ الغزو الأمريكي. وتحتاج الولايات المتحدة إلى صرف أموال طائلة من أجل إعادة توفير كل تلك الضروريات، وتقديم الرعاية لملايين المتضررين.
بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان سنة 1989، تخلت الولايات المتحدة عن مسؤولياتها تجاه البلاد، وتركت أفغانستان تكافح من أجل إعادة إصلاح الأضرار الناجمة عن حرب دامت لعدة عقود. وكذلك أدتالفوضى السياسية، التي تلت تلك الفترة، وعدم الاستقرار الاجتماعي، والمصاعب الاقتصادية إلى صعود حركة طالبان من جديد.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من اثنين تريليون دولار في العراق منذ سنة 2003، حيث تزايدت تكلفة نشر قوات في المنطقة خلال العقد الماضي إلى أكثر من 2.1 مليون دولار لكل جندي. ولكن في نفس تلك الفترة، استطاع تنظيم الدولة إثبات مدى قدرته على استقطاب المزيد من المناصرين له ومدى قدرته على تشكيل تهديد كبير على أمن الملايين في جميع أنحاء العالم، مستفيدا من حالة الفوضى والقمع التي تعيشها المناطق الغربية العراقية.
ربما لا تفرض الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة الكافية لفرض إصلاح شامل على النظام السياسي الحالي في العراق، ولكنها لا تزال تملك صلاحيات تمكّنها من الضغط على الحكومة من أجل إحداث تغييرات سياسية أخرى، مثل تعزيز قوة أجهزة مكافحة الفساد في البلاد.
يجب على الولايات المتحدة تقديم موارد مالية تمكّن من توفير الرعاية الطبية، والغذاء، والمياه، والتعليم، والخدمات الأساسية، للشعب العراقي. وستسمح عملية إعادة بناء غرب العراق من خلال المبادرات المحلية، للمجتمعات الساخطة بتقديم المساعدة في بناء المسار الإصلاحي الذي ستمرّ به البلاد؛وسيساعد على إعادة بناء الثقة بين هذه الجماعات السنية والحكومة المركزية والجماعات الطائفية الأخرى في العراق.
استغل تنظيما الدولة والقاعدة الفوضى في العراق وأفغانستان من أجل تحقيق أجنداتهما المتطرفة، ولكن يبدو أن كل الجهود الدولية الحالية تتلخص فقط في القضاء على هذه الجماعات على مدى القصير، لكنها لا تهدف لمعالجة القضايا النظامية والرئيسية التي تسمح لها بالتجذر والنمو وسط المجتمعات.
وفي الختام، سيساهم إدماج هذه المجتمعات المهمَّشة في اجتثاث جذور الفساد من البلاد وفي تقليل الدعم الذي تحصل عليه هذه الجماعات المسلحة، وسيزيد أيضا من الدعم المحلي للحكومة. ومن شأنه أيضا، أن يمنع ظهور مجموعات مماثلة لتنظيمي القاعدة والدولة في العالم. ولذلك يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم دعمٍ ثقافيٍ، وماليٍ، وطبيٍ، بدلا من توفير دعم عسكريٍ فقط، وذلك من أجل استقرار الوضع في العراق.
المصدر: صحيفة إنترناشيونال أفار ريفيو