كانت مصر مؤخرًا على موعد مع حدث على أكبر جانب من الأهمية، وهو صدور الحكم بحبس نقيب الصحفيين، يحيى قلاش، وجمال عبد الرحيم السكرتير العام للنقابة، وخالد البلشي وكيل النقابة، سنتين وكفالة 10 آلاف جنيه لكلٍّ منهم لعدم تنفيذ الحكم، في القضية المعروفة بقضية إيواء عناصر صادر بحقهم أمر قضائي بالضبط والإحضار، وهما الصحفي عمرو بدر والناشط محمود السقا، اللذَيْن ألقى القبض عليهما من داخل مقر نقابة الصحفيين في قلب العاصمة المصرية، في شهر مايو الماضي.
وكما كان اقتحام قوات الداخلية لمقر النقابة، سابقة تاريخية، هي الأولى من نوعها؛ فإن الحكم بحبس قلاش كذلك، هو الأول من نوعه في حق نقيب صحفيين في مصر.
ولسنا هنا في معرض رصد دلالات الحكم في صدد تغوُّل السلطة التنفيذية والنظام الحاكم على مختلف منافذ العمل السياسي والرأي في مصر؛ فهذا أمر تاريخي بدوره؛ حيث الصراع بين النظام في مصر وبين هذه المنافذ، وخصوصًا النقابية، كنقابة الصحفيين ونقابة المحامين، معروف وأزلي أبدي، وهو أحد سمات السياسة العامة في مصر، منذ ظهور دولة العسكر في البلاد بعد يوليو 1952م.
فالأهم من هذه الدلالات هو طبيعة رد فعل الجماعة الصحفية والحقوقية المصرية، ومنظمات المجتمع المدني، ونمط أو وتيرة هذا الرد الفعل.
وفي هذا الصدد؛ وصلنا في نهاية 2016م، إلى مستوى ألا نرى أية احتجاجات!!
وهذه الجملة ليست مفاجئة في سياق الصياغة العامة للحديث الذي نحن بصدده، ولكنها هي السياق ذاته، ومقصد التنويه والتنبيه الذي نهدف إليه من وراء هذا التقييم.
بدأت سنة 2016م بداية ساخنة نسبيًّا؛ حيث الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير، ثم احتجاجات جمعة الأرض، في الخامس والعشرين من أبريل الماضي، بسبب اتفاق تسليم جزيرتَيْ تيران وصنافير للسعودية.
جمعة الأرض أمام النقابة كانت من أهم الأمور التي دفعت الحكومة للتفكير في تطويع النقابة
وفي مايو، كان رد فعل الجماعة الصحفية المصرية عالي الوتيرة، بعد اعتقال بدر والسقا من مقر النقابة، بعد اقتحامها بقوة أمنية قدرها شهود عيان بعشرات العناصر من قوات الشرطة.
في حينه رفع مجلس النقابة قائمة مطالب لتسوية الأزمة، تضمنت مطالب عامة للمجموع الاحتجاجي المصري، من بينها إقالة وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، وقاموا بتسويد وجهه في الصحف التي تصدر في مصر.
ولكن كان ثمَّة تغيير في خطاب المجموعة الاحتجاجية المصرية ضمن الجماعة الصحفية المصرية، وهو أن المحتجين الذين كانوا قبل فترة يطالبون برحيل النظام؛ صار النظام نفسه، ممثلاً في الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هو جهة الحُكم في الخلافات بين المعارضة وبين السلطة التنفيذية.
وهو ما يعني اعترافًا من جانب طليعة مهمة كانت رأس حربة الاحتجاجات التي بدأت منذ 2005/2006م، ضد نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وكانت على رأس القوى التي قادت الحراك الذي أدى في النهاية إلى الإطاحة به في ثورة الخامس والعشرين من يناير.
وكان سُلَّم نقابة الصحفيين، وردهات النقابة في الفترة التي تلت الانقلاب في يوليو 2013م، مؤلاً مهمًّا للحركة الاحتجاجية التي كانت تسعى صراحة للإطاحة بالنظام الذي أتى به الانقلاب، ولا تزال الجدارن الخارجية والداخلية لمبنى النقابة تحفل بصور الصحفيين المعتقلين والشهداء الذين سقطوا في أحداث العنف التي شهدتها مصر خلال فترة ما بعد ثورة يناير وحتى الآن، وكثيرًا ما وقف ذوي شهداء ومعتقلي جماعة الإخوان المسلمين أمام منابر النقابة لعرض قضيتهم.
ولكن خلال أزمة النقابة مع وزارة الداخلية – لاحظوا نقول مع الوزارة وليس مع النظام كما كان من قبل – بدا من الواضح أن هناك تغييرًا ما غير مريح قد تمَّ في هذا الموقف المبدئي.
وحتى في الأزمة الراهنة؛ فإن قلاش والقيادات النقابية التي صدرت بحقها أحكام بالسجن، قالت إنها ملتزمة بالمسار القانوني للقضية، وأنها سوف تستأنف الحكم. هذا كل شيء!
هناك مشكلة حقيقية أدت إلى انفصال المواطن عن الصحافة والوسط الصحفي المصري، وهي “انكشاف” مصداقية الصحفيين والمصادر الإعلامية المصرية بشكل عام أمام المواطن
المهم، مضت الأمور في غير طريقها السليم، سواء لجهة أداء الجماعة الثورية المصرية، أو لجهة الواقع المأزوم داخلها، وخصوصًا الإخوان المسلمين، بحيث تراجعت وتيرة العمل الاحتجاجي على الأرض، باستثناء العمل العنيف، الذي شمل تنفيذ محاولات وعمليات اغتيال، وبعض التفجيرات في نطاق القاهرة الكبرى وشمال سيناء.
وجاءت حالة السكينة التامة يوم 11 نوفمبر، ومن قبله حالة الموات التي أبداها الشعب المصري إزاء قرارات الخميس الأسود، 2 نوفمبر، التي زادت من وطأة الأزمة المعيشية على المواطن المصري، لكي تؤكد على وجود خلل في السياسات، وغياب الرؤية لدى الجماعة الثورية المصرية.
ثم وصلنا إلى نقطة أن صدر الحكم بسجن النقيب ووكيل النقابة وسكرتيرها العام، من دون وقفة واحدة، وكان كل الرقم الذي حضر الاجتماع الطارئ الذي عقدته نقابة الصحفيين، الخميس 24 نوفمبر لبحث تداعيات المسألة، لا يزيد على بضعة مئات.
ومن خلال هوية الحضور، وتصريحات رؤساء ومديري تحرير صحف ووسائل إعلام قومية، من عضويات النقابة، على الكثير من القنوات الفضائية المحلية والدولية؛ فإننا سوف نلمس أن الأمر مرتَّب بدقة من جانب السلطة الحاكمة في مصر، من أجل كسر آخر قلاع وحصون الحركة الاحتجاجية في مصر.
كما غابت فئات اعتادت تبادل التضامن مع الصحفيين في مواقف مماثلة، ولاسيما المحامون والأطباء والصيادلة، كانوا دائمًا ما يقفون على سُلَّم النقابة وبداخلها تعضيدًا لموقف الصحفيين أو مَن تستضيفهم النقابة لعرض قضيتهم.
لماذا النقابة والآن؟!
كثيرًا ما خرجت الصحف المصرية بيضاء الصفحات احتجاجًا على سياسات الدولة، وكان وجود الصفحات البيضاء على الأرصفة ولدى باعة الصحف، نذير شؤم بالنسبة للحكومات التي تعاقبت على مصر خلال السنوات الماضية.
وكانت مظاهرات سُلَّم النقابة من أخطر الأمور التي كان النظامان السابق والحالي يحرصان تمامًا على عدم خروجها عن حيِّز السيطرة.
ومن خلال تجارب مهنية شخصية؛ كانت مسألة اعتقال عضوٍ في نقابة الصحفيين، أمرٌ شديد الحساسية، وكان لابد له من قرار من مستوى أمني أعلى يتجاوز القيادات الأمنية المحلية المسؤولة عن النقابة أو عن الصحفي فلان.
وخلال سنوات مبارك الأخيرة، كان اعتقال صحفي أو نائب في مجلس الشعب، من جماعة “الإخوان المسلمون”، قرارٌ بحاجة إلى رأي أو – بمعنىً أدق – قرار من المخابرات العامة التي كانت عين وأذن مبارك الرئيسية، ومتخذة القرار الأساسية له، في الفترة التي تولى فيها المدير الأسبق الراحل للجهاز، اللواء عمر سليمان، للمسؤولية في العام 1993م.
وكان في مصر مكانان أساسيان لهما كل الدلالة والأثر للمظاهرات التي كانت تخرج منذ عهد مبارك وخلال فترة ما بعد ثورة يناير، وحتى الآن، وهما دار القضاء العالي، ونقابة الصحفيين، ودار الحكمة في شارع القصر العيني بدرجة أقل، وحتى المحامين وفئات أخرى من المجتمع مما كان يكون له مظالم لدى النظام، كان يختار نقابة الصحفيين للتضامن معها في موقف ما، لعرض قضية المحامين أو هذه الفئات الأخرى.
هذا المشهد على سلم النقابة من المرجح اختفاؤه في الفترة المقبلة
هذا الوضع في إطار وضع النظام الحالي لهدف رئيسي له، وهو استعادة الدولة التي فقدها في عصر “ديمقراطية القشرة” لو صحَّ التعبير، في عصر مبارك، وخلال الفترة التي تلته، كان لابد بطبيعة الحال من كسره.
وكانت عقدة العُقد بالنسبة للنظام في ملف النقابة، هو خروج الفعل الاحتجاجي من داخلها، ودعم رمزية النقابة للفعل الاحتجاجي، بالإضافة إلى وجود نشاطات مرتبطة بالإخوان المسلمين، بالأساس صحفيين وذوي المعتقلين والشهداء.
ومن المؤسف القول في هذا الإطار، أن المجموع الصحفي المصري قد قاد ببعض المواقف والأمور بداخله، إلى هذه الحالة، التي دمَّرت تمامًا – ونقول “تمامًا” بقلب مطمئن ومثقل بالهمِّ في ذات الوقت – مصداقية النقابة وقياداتها في المجال الاحتجاجي.
فهناك أولاً مشكلة حقيقية أدت إلى انفصال المواطن عن الصحافة والوسط الصحفي المصري، وهي “انكشاف” مصداقية الصحفيين والمصادر الإعلامية المصرية بشكل عام أمام المواطن.
ويعود ذلك إلى سببَيْن أساسيَّيْن، الأول هو سياسات عمدية للدولة العميقة من خلال أذرعها الطويلة في الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام الجماهيري، لكسر تأثير الصحف والإعلام بشكل عام، على الرأي العام المصري، وبالتالي، عدم استجابة المواطنين لدعوات الاحتجاج إثر ما تنشره الصحف ووسائل الإعلام من مشكلات وظواهر سلبية تحدث في مصر، سواء في الجانب الاقتصادي، أو في الجانب الحقوقي، أو على المستوى السياسي.
السبب الثاني، مهني، وجاء بسبب دخول عناصر غير متخصصة للمجال الصحفي، وسياسات التعيين الإدارية غير السوية، التي قادت إلى دخول الآلاف من المغامرين والأفاقين والمنتفعين إلى المجال في ذهنية الرأي العام، حتى ولو لم يكونوا أعضاء في النقابة.
فقادت أخبار وتقارير كاذبة أو ذات عناوين إثارية لمجرد التسويق، تحت وطأة “فلفلة” الخبر و”تتبيله” كما في مصطلحات الجيل الحالي من الصحفيين، إلى فقدان “كامل” – ونؤكد أنه كامل – لمصداقية غالبية المصادر الصحفية في مصر لدى المواطن المصري.
وفي شقٍّ من هذه المسألة؛ كان لرغبة البعض من غير المؤهلين في سماتهم الشخصية، أو من غير حملة المؤهلات العلمية الأكاديمية المتخصصة، في دخول مجال الكتابة والنشر الصحفيَّيْن، مهما كان الثمن، دور كبير في استغلال المؤسسات الصحفية لهم.
فتجد أنه بعد سنوات من العمل، لا تعيين لهؤلاء، ويتم منحهم مكافآت ضعيفة، مما يكون أولاً له أثر كبير على مهنية العمل الذي يتم، ثم بعد ذلك، يكون ثانيًا، على حساب الصورة الذهنية للمؤسسات الصحفية، عندما تقع أزمة بينها وبين الصحفيين المؤقتين العاملين فيها، والذين يتم استنزافهم بأقل الأجور والمكافآت، حتى يقدموا كل ما لديهم، ثم يتم الاستغناء عنهم واستبدالهم.
أضف إلى ذلك، السلوك الفضائحي الذي تكشَّف في حق قيادات مؤسسات صحفية مُشْهَرة رسميًّا، بل وبعضها قومي، في الجانب الأخلاقي، وهو ما فتَّ في عضد مصداقية خطاب الصحف المصرية وصحفييها إزاء المواطن المصري الذي لا يزال محافظًا في غالبيته.
وفي حقيقة الأمر؛ فإن تحوُّل النقابة إلى “قلعة الحريات” في مصر، كان له ثمنه، فهو كان عاملاً مهمًّا في أولاً، جلب الكثيرين من المتورطين في قضايا عنف وتحريض حقيقية، لا علاقة لها بأي شيء يخص الاحتجاجات الثورية الحقيقية، إلى المساحة النقابية، وثانيًا، في استجلاب نشطاء حقيقيين ومحترمين، إلى الحضور إلى النقابة لمتابعة أنشطتها.
حضور الفئة الأولى إلى المساحة النقابة قاد إلى اللبس الحالي، وسمح للنظام بالقول إنه لا يعاقب قلاش ورفيقَيْه لكونهم صحفيين، أو بسبب رأيهم أو كذا، وإنما الأمر يتعلق بجانب قانوني جنائي.
والطريف هنا أن النظام نفسه أفرج عن بدر والسقا، الذين تم اقتحام النقابة لأجلهما، والحكم على قلاش والبلشي وعبد الرحيم، بسبب إيواء النقابة لهما!!
والطريف أكثر، أن الدولة نفسها تنصلت من اتفاقية تيران وصنافير، التي كان السقا وبدر ينشطان ضدها، وصدر بحقهما أمر الضبط والإحضار الذي كان وراء لجوئهما للنقابة، في مايو الماضي، بسبب “تحريضهما” على التظاهر ضدها!
كان سُلَّم نقابة الصحفيين، وردهات النقابة في الفترة التي تلت الانقلاب في يوليو 2013م، مؤلاً مهمًّا للحركة الاحتجاجية التي كانت تسعى صراحة للإطاحة بالنظام الذي أتى به الانقلاب
المهم، أنه من جانب آخر، فإن النشطاء “الخام” الذين قادتهم ميولهم الثورية، ورغبتهم في لعب أي دور في استعادة النغمة الاحتجاجية في الشارع المصري، عندما حضروا إلى النقابة، فوجئوا بواقع لا علاقة له بالصورة البراقة المبهرة من الخارج، باستثناء بعض الصحفيين الذين لا يزالوا محافظين على احترامهم لنفسهم ولمصداقية خطابهم المعارض، أو يعملون في ملف معتقلي الحركة الاحتجاجية وذويهم، وهؤلاء غالبيتهم من صحفيي الإخوان المسلمين.
فتجد أول ما تكتشفه في أورقة النقابة، هو أن الكثير مِمَّن يقفون أمام الكاميرات والميكروفونات، من طالبي الشهرة، ولا يدافعون عن قضايا الوطن والمواطن لأسباب قيمية، بينما الأحاديث بعيدًا عن الكاميرات والميكروفونات، لا تتجاوز الأمور النقابية المعتادة، مثل مشروع العلاج، ومشروع مساكن الصحفيين في مدينة السادس من أكتوبر، بالإضافة إلى طغيان أحاديث الصالونات الفضائحية على النقاشات الشخصية، وتحوُّل النقابة إلى مجال للقاءات الشخصية بين صحفيين وآخرين من “الأصدقاء” أو حتى بين بعض العاملين في حقل الصحافة من غير أعضاء النقابة، وأصدقائهم، مما أكسب النقابة صورة غير سوية لدى قطاع عريض من الناس.
أمور غير سارة!
بطبيعة الحال، يُعتبر فقدان نقابة الصحفيين وبريقها في الحركة الاحتجاجية المصرية، من أسوأ الأمور، فكما ذكرنا، كانت النقابة قبل ميدان التحرير، وبعد الانقلاب وغلق الميدان في وجه المتظاهرين، هي أهم مكان له رمزيته وحضوره الإعلامي والشعبي كذلك، داخل وخارج مصر.
وفقدان النقابة لبريقها هذا، وتحولها هذا ذاتها إلى موطن أزمة، تقف فيه الآن في موقف ضعف؛ سوف يفتَّ بالتأكيد في عضُد الحركة الاحتجاجية المصرية في المرحلة المقبلة.
وهو تطور غير سارٍّ بكل تأكيد، وهو ما يتطلب بعض التوضيحات.
فالأزمة الحالية بين النقابة والدولة، هي جزء من سياسات الدولة لتطويع النقابة والوسط الصحفي، وبناءً عليه؛ فإن تسوية الأزمة وفق مؤشرات حالية توضح ما تتجه إليه الأمور في الوقت الراهن، لمصلحة الدولة، سوف يؤدي أولاً إلى فقدان النقابة لرمزيتها وأثرها في المجال الاحتجاجي والحقوقي وحرية التعبير، وثانيًا، سوف تقود تسوية الأزمة لصالح الدولة، إلى غلق منافذ مهمة كانت النقابة معبرًا لها، في قضايا مهمة، وعلى رأسها قضية الصحفيين والنشطاء المعتقلين.
فالمحلل للخطاب الإعلامي العام للمسؤولين الرسميين، يرى أن الدولة تسعى إلى “قوننة” وضع النقابة، ككيان إداري يمثل منتسبيه العاملين في مهنة معينة إزاء سلطات الدولة التنفيذية والقضائية، وكذلك طرح مطالبه لتحسين ظروف العمل الصحفي، أمام الجهة التشريعية.
من بين أهم الأمور المرتبطة بأزمة تطويع النقابة الحالية هو مشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد
وهو بالفعل ما تنص عليه القوانين المنظِّمة للنقابات والعمل النقابي في مصر. فالنقابات ليست كيانات سياسية إطلاقًا بحكم القانون، هي فقط كيانات إدارية تنظم روابط العلاقة بين منتسبي المهنة، وهو ما تريد الدولة أن تستوعبه الجماعة الصحفية المصرية.
ولكن كان لطبيعة بعض النقابات، مثل نقابة الصحفيين، وعضويات بعض النقابات، مثل المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة؛ حيث يسيطر أو كان يسيطر الإخوان المسلمون، وتيارات الإسلام السياسي بشكل عام؛ أدى إلى تطويعها كأدة سياسية واحتجاجية خلال العقود الماضية.
وهنا؛ فإن محاولة الدولة لـ”قوننة” أو تقنين واقع النقابة وحصره في كونها رابطة مهنية لا أكثر، سوف يؤدي إلى رفع يد النقابة عن دعم القضايا الحقوقية والسياسية المهمة، وعلى سبيل المثال، لكي نتصوَّر الموقف؛ فإنه لن يمكننا أن نرى ذوي المعتقلين أو صور شهداء الحركة الاحتجاجية في مصر، في أورقة النقابة مرة أخرى، لأن هذا – بالفعل – ليس قانونيًّا.
وطبعًا، هذا المجال، هو تقريبًا آخر ما تبقى أمام صحفيي الإخوان والحركة الإسلامية للتعبير عن قضاياهم، في ظل كونهم الأكثر تضررًا وارتباطًا بهذه المسائل الحقوقية والسياسية.
ويرتبط ذلك – كما تقدم – باستراتيجية النظام الحالي، لاستعادة السيطرة على كامل الدولة بالمعنى السياسي والمجتمعي، بالإضافة إلى المعنى المؤسسي للدولة، وهو ما يضع مشروع قانون الإعلام الموحَّد وسياسات وإجراءات أخرى في الصورة.
كان هذا بعض المجال المحيط بالأزمة الحالية بين النقابة والدولة، ولئن كان لها دلالة؛ فإنها تبقى أن الحركة الاحتجاجية في مصر، في الوقت الراهن، وبعد ما جرى في شهر نوفمبر الذي كان شهرًا أسود بالفعل على روح الاحتجاجات في مصر، سوف تواجه الكثير من التراجع في المرحلة المقبلة، ولاسيما مع تصاعد نغمة المصالحة بين الدولة والإخوان، ولكن لهذا الأمر قصة أخرى نرويها معًا في موضع لاحق!