صراع سياسي وآخر مذهبي ويصل الحال إلى أن تشعل حربا بين هذه المكونات لأسباب سياسية أو ما شابه، محافظة الأنبار والتي تشهد حربا ومعارك منذ أيام كان سبب هذه المعارك هو خلاف وصراع سياسي تحول مع مرور الوقت والأيام إلى معركة ساخنة بين العشائر العراقية والحكومة، إذ يتهم المالكي المعتصمين في محافظة الإنبار بأنهم يأوون في أماكنهم مقاتلين ومسلحين من فصائل مسلحة ترتبط إقليميا بدول أخرى، وهو ما ينفيه القائمون عليه جملة وتفصيلا، وبالمقابل تتهم العشائر العراقية الحكومة بأنها تمارس سياسة طائفية وعدوانية تجاه المحافظة باستخدام القوة تجاهها وتجاه أبنائها وفقا لأوامر وأجندات خارجية، يحتدم الصراع السياسي أكثر وأكثر مولدا أزمات سياسية ومذهبية في فترة حرجة يمر بها البلد بسبب ما يشهده المحيط العربي من ثورات وتصعيد طائفي رهيب .
سياسيا؛ تتعكر الأجواء السياسة بين حين وآخر في أقطاب الحكومة العراقية وتشهد الساحة السياسية حربا ساخنة بين الزعامات الدينية والساسة ممن يقودون البلد بأحزابهم التي يتهمها العراقيين بأنها أخربت البلد أكثر من مساهمتها بإصلاحه! وبمرور الصراع السياسي والمذهبي في محطات عدة ومنعطفات خطيرة أدت إلى انسحاب بعض الكيانات واستقالت أخرى بسبب اتهامات بالفساد حينا، وبالقتل والإرهاب أحيانا أخرى، ووصلت الاتهامات إلى مستويات سياسية رفيعة كاتهام نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بالإرهاب مما أدى إلى الحكم عليه بالإعدام!، وبعد هذا الحكم على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي اضطر إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى دولة أخرى ليشكل هناك محورا معارضا للنظام ويدعم المعارضة الداخلية في البلد بكل ما يستطيع .
لم توجه التهمة بالإرهاب لطارق الهاشمي فقط ولم تقف لهذا الحد، ولكن؛ نالت الاتهامات شخصيات اخرى واقصيت من العملية السياسية، فشهد العام الماضي اتهام وزير المالية رافع العيساوي بتهم الفساد والإرهاب، وإصدار مذكرة إلقاء القبض عليه، مما أدى إلى إشعال أزمة أخرى وسخط كبير في الشارع العراقي السني في المحافظات ذات الأغلبية السنية من ساكنيها، وعلى إثر هذا الاتهام وبعد أيام من صدروه اجتاحات الاعتصامات والاحتجاجات الشارع العراقي في محافظات عراقية سته وحملت هذه الاحتجاجات مطالب عديدة من ضمنها إلغاء المادة الرابعة من قانون المساءلة والعدالة والتي تخص الإرهاب، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات الأبرياء ممن لم يتورطوا بأعمال العنف والقتل وإصدار عفو عام عنهم، إضافة إلى مطالب حقوقية أخرى يطالب بها العراقيين لحياة أفضل، ويرى الحقوقيون والمحللون بأن المطالب المطروحة من قبل المعتصمين في غالبيتها مطالب سهلة التحقيق ولم تكن تعجزيه!
انطقت شرارة الانتفاضة والاحتجاجات من محافظة الأنبار غرب العراق والتي تشهد اليوم معارك قوية بين أبناء عشائرها والحكومة العراقية بعد أن قامت الأخيرة برفع خيام الاعتصام وفضه بالقوة واعتقال النائب أحمد العلواني أحد أبرز شيوخ عشيرة البو علوان بمحافظة الأنبار، اعتقال العلواني هو تكملة للمشهد السياسي المتأزم والمتفاقم بالاتهامات، فوجهت الحكومة العراقية للنائب أحمد العلواني اتهامات بالتحريض على القتل، والإرهاب، وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه وبحق أخيه علي العلواني، وقامت الحكومة العراقية بعد اصدار هاتين المذكرتين بإرسال قوة كبيرة من الجيش العراقي إلى مقر سكنه في مدينة الرمادي، واشتبكت مع حمايته في معركة كبيرة أدت إلى قتل خمسة عشر شخصا من حماية النائب في البرلمان العراقي أحمد العلواني وإعدام أخيه إضافة إلى قتل امرأتين من عائلته أثناء الحادث! ولقسوة ما جرى أثناء عملية الاعتقال هذه اعتبر شيوخ العشائر وأبناءهم وكذلك علماء الدين بأن هذا العمل هو إهانة لرمز من رموز الأنبار؛ عشائريا وسياسيا، وإضافة إلى هذا يعتبر العلواني أحد أبرز منظمي الاعتصامات في الأنبار. وعلى إثر هذه التطورات شهدت محافظة الأنبار حرب استنزاف كبيرة مع الحكومة العراقية وميليشياتها كما يعبرون عنها ويصفونها في خطاباتهم وكلامهم عشائريا، وتأتي هذه المعارك والمواجهة بعد عملية الاعتقال التي أدت وساهمت في إطلاق الرصاصة في نعش السياسة المنهك جراء غياب النظرة الحكيمة من متنفذين أمرها والقائمين على إدارتها .
إذن هو مشهد آخر من العنف في أسباب حدوثه وسخونة مجرياته حكومة ضعيفة تتنازعها الأحزاب المذهبية من كل الجهات، ليس هذا فحسب! بل وبناء جيش وقوات مسلحة على أسس مذهبية وطائفية لا تخدم مقومات وبناء البلد، فهذه القوات والمليشيات التي شكلت وتشكل على أساس طائفي لم يكن في غايتها يوما من الايام اصلاح البلد وانتشاله من وحل الطائفية والمصائب اليومية التي يروح المدنيون ضحايا لها .
وفي تطورات المشهد المتأزم في الانبار غرب العراق، تتنوع مآسي الحروب، وتكثر المآسي وتزداد بشاعة عندما تدور الحرب في الاحياء والمناطق السكنية. يقول احدهم صحراء الانبار ثلث العراق ولا اعرف لم المعارك تدور في داخل المناطق والاحياء السكنية ! و في محافظة الانبار وبعد اسبوعين من استمرار المعارك تنوعت قصص العوائل التي جاءت من مأسي القصف
فلايزال اهالي الرمادي والفلوجة يتذكرون مآسي القصف الامريكي لمناطقهم السكنية والتي راح ضحاياها مئات الشهداء من الاهالي والمدنيين العزل، و لم ينسى سكان هاتين المدينتين ما لاقوه من ويلات الاحتلال الامريكي من بشاعة الحرب والقصف الذي صبته طائرات العدو على بيوتهم وشوارعهم، و لم يكن يخطر على بال احدهم وفي ذاكرته ولو متخيلا انه سيكون طيران الجو العراقي عدوا لهم يوما من الايام ويقصف مناطقهم وبيوتهم الأمنه، ولم يتوقعوا يوما ان يبيتوا ليلهم على اصوات القذائف والمدافع العراقية وهي تدك بيوتهم واحيائهم السكنية، وبدلا من ان تدافع عنهم وتهبهم الحياة الامنة! اصبحت ترعبهم وتأتي لهم بالموت الذي اتخذ من القصف اسبابا له ..!
ربما اكون في منطقة اكثر امنا في الوقت الحالي، ولم نصل بعد الى مرحلة القصف والتهجير من اماكن سكننا، ولكن لا يخلو يوم من سماعي لمأساة هنا او هناك، والمأساة تتكرر كل يوم ولكن بطريقة مختلفة من شخص لأخر، ولم اعتمد على مصادر الاخبار ووكالات الانباء فيما سأكتب ولكن هي قصص سمعتها من اصدقاء لي، ومن زملاء الدراسة المتواجدين في اماكن القصف فأحيانا اتصل بصديق او زميل للاطمئنان على سلامته فيكون وقت اتصالي في لحظات القصف او بعده بلحظات، فيكون الكلام مؤثرا اقف عاجزا امامه احيانا ..!
كلامه اثر بي عندما سمعته وهو يقول لي؛ عندما تقصفنا الطائرات، او الدبابات بمدافعها ادرك ان من يعيش على سطح الكرة الارضية سبعة مليارات شخص عديم للإنسانية، وفاقد للرحمة ولروح الانسان التي خلقها الله الا ما رحم ربي، نقصف دون رحمة، ونترك بيوتنا لا لشيء الا لأننا نسكن في مناطق مر من خلالها مسلحون ! والعالم ينظر وبصمت لما يحدث لنا ولا يحرك ساكنا!
قبل ايام كنت جالسا بجنب احد اقربائي، واتصل به احد اصدقائه ليقول له بكل خوف وهلع وذهول لما جرى له، فكان فزعا حتى البكاء على حاله وحال اهله وعائلته، يقول؛ قبل قليل قصف بيتنا ونجونا من القصف بأعجوبة وكان مشهدا مرعبا للغاية، وانا الان مع عائلتي وقد هربت الى احدى المدارس حيث لا فراش ولا غطاء سوى الارض والسماء، واخاف ان لم نمت من القصف سنموت من البرد والجوع! فقد فقدت كل ما املك بلحظة قصف طائشة ..!
بل ان أكمل القصص والمآسي لابد ان لا نغفل عن امر مهم، وهو ان هذه المآسي لها تحالفات عديدة، فتتحالف في هذه المعركة وبكل وضوح ايران وامريكا ضد محافظة الانبار لما تملكه هذه المحافظة من قوة دينية واستراتيجية في المنطقة، وهو ما تؤكده هاتين الدولتين عبر ممثليها في وسائل الاعلام، فهذا جون كيري وزير الخارجية الامريكي وفي تصريح له يقول؛ ان بلاده ستدعم العراق في حربه ضد المتشددين في الانبار، اضافة الى هذا صرح محمد حجازي نائب رئيس الاركان الايراني عن استعداد بلاده لأمداد العراق بالنصح والمعدات العسكرية لمحاربة الارهاب هناك ! جاء هذا بعد تطورات عديدة شهدتها المحافظة تضمت ابرز احداثها؛ عملية فض اعتصام الانبار بالقوة وازالة خيام المعتصمين واعتقال احد ابرز شيوخ العشائر احمد العلواني بعملية عسكرية كبيرة، هذه الامور تسببت في اشعال ازمة ومعارك بين الحكومة العراقية والعشائر في المحافظة
تكميلا للموضوع؛ صديق آخر يحكي والعبرة تقضم صوته ويقول؛ انا احكي معك الان والقصف مستمر على منطقتي والحي الذي اسكن فيه، ولا اعرف متى تسقط القذائف على بيتنا لنودع الحياة! فالوضع مأساوي جدا والقصف اكثر بشاعة، والقذائف تسقط في الشوارع وتقتل المدنيين ..!
الا يكفي ما بهذا الشعب من مآسي حتى يضاف لها القصف العشوائي؟ فعلا كانت اتصالات مبكية، وكلام مؤثر للغاية مع الاصدقاء والاحبة الذين يعيشون في مناطق القصف والاشتباكات، وكنت انا ولبعض الوقت في تلك المناطق قبل ان اعود الى بيتنا سالما بأعجوبة، فأمضينا عدة ايام كطلاب في السكن الجامعي لأسبوع كامل ونقص في الغذاء وانعدام لأبسط مقومات الحياة، مشاهد وكلمات بقيت وستبقى عالقة في ذهني من مأسي الحرب، وهناك مصائب ومأسي اخرى كثيرة تسبب فيها القصف العشوائي من اعمال نزوح جماعي شهدته الفلوجة والرمادي خلال الايام الماضية بسبب تدهور الاوضاع في المنطقة .