قُتل 3 جنود أتراك فجر أمس الخميس 24 نوفمبر/تشرين الثاني في غارة لم يتأكد مصدرها بعد، فحسب بيان لرئاسة الأركان التركية فإن الغارة “يُعتقد” أن مقاتلات للنظام السوري نفذتها على القوات المشاركة في عملية درع الفرات شمال سوريا.
رئيس الوزارء التركي بن علي يلدريم ذكر أن تركيا وجهت تحذيرات واضحة للمعنيين لعدم تكرار الهجوم وأكد أن تركيا سترد على الهجوم الجوي مهما كان مصدره، وأن مثل هذه الهجمات لن تثني الدولة عن تحقيق أهدافها في المنطقة. فهل فعلًا القوات السورية هي من تجرأت على درع الفرات!
ملابسات الهجوم
تواصل رئاسة الأركان التركية مباحثاتها للكشف عن ملابسات الهجوم الذي نفذته مقاتلات ذكر تقرير رسمي صادر عن الجيش التركي أن الطائرات الحربية الحكومية السورية استهدفت جنودًا أتراك فجر الخميس في الساعة 3:30 وأدت لمقتل 3 وإصابة 10 آخرين بالقرب من مدينة الباب السورية.
يلدريم أشار في مقابلته مع قناة تي آر تي الحكومية أن الهجوم لن يثني الحكومة عن تحقيق أهدافها وأن العمليات في سورية لا تقتصر على مكافحة تنظيم داعش بل وترمي أيضًا للحيلولة دون تشكيل تنظيم (ب ي د) -الذراع السوري لمنظمة بي كا كا بحسب ما تعتبره تركيا- كيان أو حزام إرهابي كما وصفها يلدريم انطلاقًا من مدينتي عفرين ومنبج شمالي سورية.
يصادف استهداف الجنود الأتراك مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط السوخوي ومقتل الطيارين الروسيين
يعد هذا الهجوم الأول من نوعه ضد القوات التركية في مناطق شمال سروية منذ أغسطس/آب الماضي منذ إطلاق عملية درع الفرات، وعلى حد وصف يلدريم فإن هناك جهات غير راضية من مكافحة تركيا للإرهاب.
قائد القوات البرية التركية يزور الجنود المصابين في الغارة الجوية شمالي سوريا
لم يعلق الجيش السوري على اتهام القوات التركية، ولم يصدر أي بيان رسمي من الجانب السوري في هذا الجانب، إلا أن الجيش السوري أشار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن وجود قوات تركية على الأراضي السورية يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية وحذر من إسقاط أي طائرات تركية تدخل المجال الجوي السوري.
ومن جانب آخر حذرت ميليشيات متحالفة مع النظام السوري تركيا الشهر الماضي من التقدم باتجاه مواقع شمالي أو شرقي حلب وحذرت أن أي خطوة من هذا النوع ستقابل بـ”حسم وقوة”.
وفي نفس السياق أعلن الجيش التركي صباح اليوم الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني عن مقتل جندي تركي وإصابة 5 آخرين خلال اشتباكات مع مقاتلي داعش شمالي سورية وذكر الحيش أن 4 من مقاتلي المعارضة قتلوا وأصيب 25 في الاشتباكات مع داعش في الـ 24 ساعة الماضية.
والجدير بالذكر أيضًا أن الهجوم على المقاتلين الأتراك جاء بعد زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركية الجنراك خلوصي أكار برفقة قائد القوات البرية يوم الأربعاء الماضي – أي قبل يوم من الهجوم – إلى ضريح سليمان شاه –مؤسس الدولة العثمانية- بقرية أشمة داخل الأراضي السورية ضمن زيارة قام بها لولاية كلس التركية، اطلعا خلالها على التطورات الجارية ضمن عملية درع الفرات.
سيناريوهات ثلاثة على الطاولة
يمكن مناقشة هذه السيناريوهات الثلاثة ضد من نفذ الغارة الجوية على المقاتلين الأتراك فإما أن تكون قوات النظام السوري أو روسيا أو داعش.
والبداية من روسيا، تاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني لن تنساه القوات الروسية ولا الدولة الورسية أبدًا فهو اليوم الذي تم فيه إسقاط إحدى أقوى وأشرس طائراتها سوخوي-24 من قبل القوات الجوية التركية أدى لسقوطها في ريف اللاذقية ما دفع العلاقات التركية الروسية لحافة الانهيار، وكاد أن يفضي لقطيعة دبلوماسية ومواجهة عسكرية، قبل اتفاق البلدين على التطبيع الكامل في نهاية يونيو/حزيران الماضي. ويُذكر أن الطيارين الروسيين لقيا مصرعهما في شمال اللاذقية في سورية بعد سقوط الطائرة.
يصادف استهداف الجنود الأتراك مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط السوخوي ومقتل الطيارين، وإذا كان بالإمكان اتهام جهة فيمكن إدراج روسيا التي أرادت أن تذكّر تركيا بذلك التاريخ وترد لها الصاع نفسه بقتل 3 جنود أتراك لها على الجبهة، وهي فرضية مرجحة على الرغم من تحسن العلاقة بين روسيا وتركيا مؤخرًا وتقاربهما إلا أن روسيا لا يأمن جانبها.
استهداف النطام السوري يشير لتحول خطير واحتمال مواجهة شاملة بين تركيا والنطام السوري
السيناريو الثاني مرتبط بالنظام السوري ورواية تركيا الرسمية الصادرة عن الجيش التركي، والتي في حال صحتها فإن الأمور بين تركيا والنظام السوري ستتجه نحو المزيد من التوتر، وحسب مراقبين فإن استهداف الجنود الأتراك سيفتح الباب أمام صدام مسلح بين تركيا ونظام الأسد إذا لم يتم احتواء الأمر، وحسب ما أورد أحد المحللين الأتراك فإن هذا الاستهداف قد يتجه لتطور خطير ما يدفع لمواجهة شاملة، وأشار أن الرد التركي سيكون قاسيًا في حال التأكد من تورط النظام السوري بهذا الفعل.
علمًا أن قوات درع الفرات لم تصطدم حتى الأن مع قوات النظام السوري ولم تستهدفها أساسًا منذ انطلاقها فدرع الفرات تنصب على محاربة التنظيمات الإرهابية على الحدود التركية داعش والـ ب ي د ومنع أي قوة كردية من تأسيس كيان كردي مستقل.
طائرة السوخوي-24 التي سقطت شمال سورية العام الماضي بضربات من القوات الجوية التركية
أما السيناريو الأخير فهو من تبنى تنفيذ العملية بعد وقوعها وهي داعش حيث تبنت هجومًا بصاروخين موجهين استهدف دبابتين للجيش التركي في أول هجوم لقوات داعش على التدخل التركي العسكري في سورية أدى لمقتل الجنود الأتراك، وهم أولى الضحايا على يد داعش منذ بدء درع الفرات.
وكان زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي أعلن في تسجيله الأخير الحرب على تركيا وطلب من المجاهدين استهدافها، وتعد مدينة الباب التي تسعى قوات درع الفرات للسيطرة عليها معقلًا كبيرًا لداعش وترقع مراقبون أن تواجه درع الفرات مقاومة شرسة من داعش.
وفي هذه الأثناء يواصل سلاح الجو التركي قصفه لمواقع تابعة لداعش حول مدينة الباب وسيطرة قوات درع الفرات على قرى جديدة لتضيق الخناق عليها أكثر وتعجل في سقوطها.
كما لا يجب إغفال أن قوات الـ ب ي د التي تسعى درع الفرات لاجتثاثها من شمال سوريا وإخراجها من مدينة منبج قد تكون في دائرة الاتهام هي الأخرى في استهداف الجنود الأتراك.
وأيًا من استهدف الجنود وتركيا، فإنها دلالة على تغول القوات التركية في سوريا وغرقها في المستنقع الذي تقاتل فيه العديد من القوات الإقليمية والدولية، فسوريا ترسل يوميًا قرابين قتلى من روسيا وإيران والعراق ولبنان وأفغانستان وقريبًا من مصر وجرحى من مختلف دول العالم، وبمقتل الجنود الأتراك تكون دخلت تركيا على الخط إلى حين إيجاد حل للأزمة السورية.