اتخذ البنك المركزي التركي أمس الخميس إجراءاته الإسعافية لاحتواء التغير الطارئ على سعر الليرة التركية أمام الدولار والتي بدأت بعد يوم واحد من إعلان فوز ترامب بالسباق الرئاسي الأمريكي. إذ ارتفع مؤشر الدولار أمام سلة من العملات الرئيسية لأعلى مستوياته منذ ما يقرب من 14 عامًا، وتفاءلت الأسواق والمستثمرين بالإجراءات المقبلة التي سيحملها ترامب للاقتصاد الأمريكي والمتمثلة بزيادة الإنفاق على البنية التحتية وإصلاح النظام الضريبي ورفع سعر الفائدة.
وقد تأثرت عملات الاقتصاديات الناشئة بتحسن الدولار بدرجة كبيرة، ومن بينها الليرة التركية حيث شهد سعر صرف الليرة أمام الدولار ارتفاعًا غير مسبوق بتسجيله أرقامًا هي الأعلى على الإطلاق.
لامس سعر صرف الليرة أمام الدولار أعلى مستوى له عند 3.47
المركزي التركي يرفع الفائدة
رفع البنك المركزي بشكل غير متوقع للأسواق والمحللين سعر الفائدة لأول مرة في 3 سنوات تقريبًا بمقدار 50 نقطة أساس بعد هبوط الليرة إلى مستوى قياسي وتأثيره على معدل التضخم في البلاد. حيث رفع سعر الفائدة لإعادة الشراء لمدة أسبوع إلى 8% وسعر الإقراض لأجل ليلة واحدة إلى 8.5% من 8.25% وحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية فإن سبعة من 24 اقتصادي تم استطلاع آرائهم توقعوا أن تكون الزيادة في الفائدة قدرها 25 نقطة أساس بينما أشار الأكثرية أن لن يكون هناك أي رفع للفائدة.
رفع سعر الفائدة يعزز مصداقية المركزي بعد تدهور معنويات المستثمرين على إثر موجة البيع الكبيرة في اقتصاديات الدول الناشئة بعد الأخبار الواردة من الولايات المتحدة التي تفيد بعودة سياسة رفع سعر الفائدة على الدولار وبدء الدورة الاقتصادية، ومن ثم محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي.
المركزي التركي رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار 50 نقطة أساس في أول زيادة منذ نحو ثلاث سنوات
وكان المركزي تعرض لضغوط مستمرة من جانب مسؤولي الحكومة التركية وبالأخص من الرئيس أردوغان لخفض تكاليف الاقتراض بما فيها سعر الإقتراض لليلة واحدة وحتى في أوقات الاضطراب في السوق بما في ذلك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة فخفض المركزي الفائدة لسبعة أشهر متتالية بدءًا من مارس/آذار الماضي، بحجة تعزيز الاقتصاد وتخفيض تكلفة الاقتراض، ومع ذلك فإن أردوغان يرى أن المعدلات لم يتم تخفيضها بما فيه الكفاية. وهذا ما دفع بالعديد من الاقتصاديين والمحلليين استبعاد قيام المركزي برفع الفائدة.
وحسب محللين فإن المركزي من خلال رفع سعر الفائدة يعمد إلى علاج معدل التضخم بشكل جاد وإرسال رسالة مفادها أن لديه القدرة على التدخل والتصرف في هذا الوقت الذي تشهد فيه الليرة انخفاضًا بنسبة تفوق 7% تقريبًا منذ 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وذكر المركزي عقب رفع الفائدة أنه في صدد تشديد السياسة النقدية، وعقّب أن الحركات في سعر الصرف الأخيرة بسبب عدم الاستقرار العالمي المتزايد في الآونة الأخيرة تشكل خطرًا على معدل التضخم.
والزيادة في سعر الفائدة من قبل المركزي التركي تشير أن لديه الخيار لرفع أسعار الفائدة أكثر حتى لو كانت الحكومة التركية ضد هذا الخيار أو مترددة في ذلك، وفي أسوأ الحالات فإن البنك المركزي حصل على الضوء الأخضر لرفع أسعار الفائدة عند الضرورة وهذا من شأنه أن يكون إيجابيًا على الليرة كما يشير لذلك محللين.
أردوغان ضد رفع الفائدة
يقف أردوغان ضد سياسة رفع سعر الفائدة ويرى نفسه أنه عدو لأسعار الفائدة فبنظره أنها تكبح معدلات النمو الاقتصادي لذا كان أول المنتقدين لقرار البنك المركزي التركي بعد رفعه سعر الفائدة.
وقال في كلمة له في بورصة اسطنبول يوم الأربعاء على هامش مشاركته في توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي بين بورصة اسطنبول والبنك الإسلامي للتنمية في إسطنبول، “ليس لدي ما أقوله ضد استقلال البنك المركزي لكن ليس بوسعي السماح بنزع إرادة شعبي وحقوقه عن طريق أسعار الفائدة المرتفعة”.
ودعا إلى تعزيز بورصة الذهب في تركيا في التعاملات المالية، وذكر أنه في الوقت الذي يئن فيه العالم أجمع في مستنقع الديون والفائدة، نحن سنسعى إلى تنفيذ مشاريعنا من جهة، والاستمرار في اتخاذ التدابير من جهة أخرى.
حجم الهبوط في الليرة التركية بين 9 و 22 نوفمبر الجاري
وشدد أردوغان إلى ضرورة عدم بقاء تركيا تحت ضغط الدولار في المعاملات المالية النقدية العالمية، فالذين يديرون الدولار يكسبون مبالغ طائلة بدون بذل جهد كبير كما يشير لذلك الرئيس التركي وأضاف “لنطور علاقاتنا المالية من خلال الذهب الذي يعد أعدل أداة في هذا الخصوص”.
فالنظام المصرفي المبني على الفائدة في مأزق كبير والتوازنات تدهورت بعد الأزمة العالمية في العام 2008 ولا وجود لمؤشرات لعودة التوازن في النظام المصرفي العالمي القائم على الفائدة حتى الآن، وقال أنه على العالم اليوم أن يتجه نحو نظام مالي يتخذ من الجهد وعرق الجبين والمعلومة والتجارة أساسًا له وليس من كسب المال من المال.