الكيمياء وتفاعلاتها السيسو أسدية

bachar-al-assad-resolument-inflexible

في خضم الانشغال بالأحداث التي نعيشها والأخبار التي يتم تداولها، ربما نغفل عن محطات من تاريخنا الحديث وما قد وقع فيه ويقع من أحداث غالبًا ما تعطينا نبذة عن علاقات بين بعض الدول أو الكيانات أو الشخصيات التي قد تتشابه في نقاط، تمكننا من فهم طبيعة “الكيمياء” التي بينها.

تلك الكيمياء التي صرح بها ترامب بعد مقابلته قائد الانقلاب السيسي في أمريكا، في وصلة “هيام” حينما قال إن هناك كيمياء تجمع بينهما.

لقاء ترامب والسيسي في نيويورك بسبتمبر الماضي

فهل هناك كيمياء مشتركة أو تفاعلات كيميائية على الطريقة الترامبية بين السيسي وبشار؟

هذا ما سوف نحاول إلقاء الضوء عليه في السطور القادمة.

التفاعلات الكيميائية في النشأة العسكرية، و “الطفرة الرُتَبِيِّة” وما ترتب على ذلك من تصرفات سيكولوجية

كل من السيسي وبشار من خريجي المؤسسة العسكرية في بلديهما، وكل منهما مر بمرحلة “الطفرة الرتبية” ، فبشار كان عقيدًا في جيش “أبيه” حافظ وقت موته، وكان حافظ قبل ذلك بزمن يعد العدة لولده باسل أن يكون خليفته في الحكم على عرش سوريا، ولكن باسلاً مات فجأة في حادث سيارة عام 1994م، ثم وافت المنية حافظًا عام 2000 م، فاجتمع العسكر وأصدروا أمرًا للبرلمان السوري بتعديل الدستور – قبل دفن حافظ – وتم إقرار سن المرشح للرئاسة بـ34 سنة (صدفة غريبة أن يكون سعادة العقيد بشار في سن الرابعة والثلاثين وعشرة شهور وقتها!)، وتمت ترقيته بنظام “الطفرة الرتبية” من عقيد إلى فريق أول في دقيقة واحدة، بقدرة قادر! وكان قبل ذلك قد ترقى من رتبة نقيب إلى عقيد ركن في ظرف ست سنوات فقط، من عام 1994 حتى عام 2000م! ثم أصبح رئيسًا.

السيسي كان أحد ضباط جيش “كامب ديفيد” ، وكان كالربيب للمشير طنطاوي، على حسب ما ذكره بعض ضباط الجيش، وفي أثناء فترة حكم الدكتور مرسي تمت طفرة رتبية مهمة للسيسي، حيث قفز من لواء إلى فريق أول، وأصبح وزيرًا للدفاع، وبعد انقلابه في الثالث من يوليو 2013م، أصدر أوامره لعادلي منصور (المفترض أنه كان الرئيس) بأن يحصل على القفزة الرتبية الكبرى، فتمت ترقيته إلى فيلد مارشال، أي المشير (مرة واحدة)! ثم أصبح رئيسًا.

كيمياء العسكرة وما تحويه من بناء ديكتاتوري في الدول الشمولية، كان لها أعمق الأثر في البينية السيكولوجية لرئيسين عسكريين، أحدهما جاء كاستمرار لانقلاب أبيه، والآخر صنع انقلابه “من عرق جبينه”، ولكن كليهما سليل انقلاب عسكري في مصر والشام، وكلاهما أراق الدماء أنهارًا ليتحكم بقبضة حديدية في البلاد والعباد، ولكن بشارًا تفوق على السيسي في الدماء والأعراض، والسيسي يحاول اللحاق به، فأعلن دعمه المطلق له ولجيشه الوطني في سيره على الأشلاء، وسباحته في بحار الدماء.

التفاعلات الكيميائية في الحرب على “التنظيمات الإرهابية”

والمعنى الأصح في الحرب على التنظيمات الإسلامية والثورية، فكلاهما في تناغم تام وتفاعل كامل في الحرب على كل من عارض أو فكر في معارضة الشمولية والديكتاتورية، وتفكيك البنية العسكرية لمنظومة الحكم في الدول الإسلامية والعربية.

وكل له منطلقاته، فبشار ينطلق من خلفية نصيرية شيعية، تاريخها عريق في حرب أهل السنة، والسيسي ينطلق من خلفية عسكرية علمانية، أقيمت مؤسستها على أساس حراسة العلمانية منذ عهد محمد علي.

كل منهما ينظر للمناهضين لهما على أنهم مجموعات إرهابية لا يجدي معها سوى السلاح، ولا وصف لها إلا الإرهاب، ففكرها إرهاب ومقاومتها إرهاب، حتى لو تكونت من المجتمع كله، كما صرح بشار قبل ذلك من أن الإرهاب امتد إلى عشرات بل مئات الآلاف من الأسر السورية! فوصف كل من يناهض حكمه بالإرهاب، هو وأسرته وعائلته والمحيط المجتمعي الذي يؤوي عائلته، والمحيطات المجتمعية القريبة منه ومن عائلته والحكم الصادر – مسبقًا – هو القتل على من هكذا صفته ونعته!

مصريات يبتهجن بالانقلاب الذي قاده السيسي

التفاعلات الكيميائية في النظرة إلى الشريحة النسائية

دائمًا ما يخاطب السيسي المرأة المصرية، فقد عين قبل ذلك طفله المدلل في القوات المسلحة أحمد محمد علي كمتحدث رسمي للجيش، وصرح بأنه “جاذب للستات جدًا”! حينما اعترض عليه ضابط في الجيش وانتقد طريقة أدائه.

وطلب السيسي في كل المناسبات نزول المرأة في الشارع، بل أعد سلاح الـ “دي جي” ووقف جنوده بهذا السلاح المعجزة لتتمايل على وقعه بعض النساء في الشوارع ويرقصن إعلانًا لاستجابتهن لندائه، والأعجب تلك الصحفية التي قالت له: “لو عايزنا ملك يمين منغلاش عليه” والطبيبة التي أعلنت أنها “بتحبه أوي أوي أوي” ، بخلاف صوره المتكررة وسط نساء الوسط الفني.

بشار طلب علنًا من فريقه أن يطلبوا من المذيعة التي تحاوره “إبراز مفاتنها” والمبالغة في الزينة، فجاءوا إليه بممثلة إباحية لتحاوره، مستجيبة لكل مطالب فريقه الرئاسي! وكلاهما محب لإغراق الشعب في ملهيات الوسط الفني، وإعلاء شأن هذه الفئة في المجتمع خاصة الراقصات والمغنيات، حتى إنه في عهد السيسي تم اختيار راقصة كأم مثالية، وتم تكريمها رسميًا من قبل الدولة!

التفاعلات الكيميائية في التخديم على النزعة الفرعونية

كل منهما أحاط نفسه بنوعيات وجيوش من “المطبلاتية والسنيدة” ونادرًا ما تتجمع لغيرهما، أو تصبغ عليهما الصفات التي تعدت كل الحدود، وفاقت كل التوقعات، وليس بخاف عشق كل منهما في الخروج على قومه بزينته ومواكبه وحرسه ومخابراته في المناسبات وغير المناسبات.

وشوهد كيف أن قائدًا عسكريًا لبشار “سهيل الحسن” أهان صحافيه المفضل شادي حلوة عندما هتف لسوريا، وقال له: “سوريا هي بشار”! والإعلام الرسمي والخاص الموالي يهتف باسم بشار، والجنود يهتفون باسم بشار.. إلخ.

السيسي له جيش عرمرم من المطبلاتية والسنيدة، وفي كل ليلة يتم توزيع “الإسكربت” الموحد عليهم، والكل يظهر بوصلات التسبيح بحمد الفرعون وتحسين كل قراراته وتقبيح كل منتقصيه وقلب الفشل إلى أكبر الإنجازات وتهديد كل من يفكر في الخروج بمظاهرة ضده.

وتعدى الأمر ذلك حتى إن نائبة برلمانية صرحت بأنها “مش مصدقة إنها بتكلمه، وإن كل طموحها إنها كانت تسلم عليه”.

وقبل ذلك وصفه أستاذ شريعة أزهري بأنه قد “ابتعثه الله هو ووزير داخليته محمد إبراهيم رسولين من رسل الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو، بل وصرح السيسي بأنه لا يريهم إلا ما يرى، وأن الناس لا بد أن يسمعوا كلامه وحده، ولا يسمعوا أحدًا سواه.

وهو منحى يكاد يكون غير مسبوق في الاصطباغ بالفرعونية في تاريخ الديكتاتورية بعد فرعون زمن سيدنا موسى حتى الآن.

التفاعلات الكيميائية في المتاجرة بما يسمى ” القومية العربية”

كلاهما سليل نظام شمولي قائم على فكرة القومية العربية ويتاجر بها في كل المحافل، مخفيًا من ورائها ما يسعى إليه من زعامة وسيطرة، فبشار بعثي “عفلقي” ، نشأ في ذلك البيت الأسدي البعثي، وما زال يعيش في أوهام ذلك الحزب الشمولي وأفكار الممانعة التي ظهرت على حقيقتها في الممانعة ضد الحرية والأفكار الإسلامية، والموافقة التامة لأفكار التبعية، والحماية الكاملة للكيان الصهيوني، والاستسلام لاحتلاله أرض الجولان حتى الآن.

السيسي كان دائم المشورة والاستماع لمحمد حسنين هيكل، عراب الناصرية والانقلابات العسكرية، وكان يعيش ويحلم بالزعامة الناصرية، وظهر على حقيقته بإعلانه الفج ضرورة حمايته للكيان الصهيوني “جيرانه”، وضرورة العيش في إطار “السلام الدافئ”، والسلام الأكثر دفئًا، ومحا قرى ومدنًا كاملة من خريطة سيناء، لحماية الكيان الصهيوني!

وكثيرة هي التفاعلات الكيميائية بين الطاغيتين، ولكن خوفًا من “انفجار” المقال من كثرة تلك التفاعلات، آثرت الاكتفاء بهذه النبذة “الكيميائية” السيسو أسدية، والتي تعبر عما آل إليه حال أمتنا من انحدار وتحكمات شمولية، آملاً أن تنجح الشعوب والنخب في تشخيص الداء، لوصف الدواء الشافي – بإذن الله – من كل ما ألم بها من أدواء.