“إذا اختفى النحل من كوكب الأرض فلن يبقى للإنسان إلا سنوات قليلة للاختفاء بعده” قال هذه العبارة العالم ألبرت أينشتاين قبل ما يقارب خمسين عامًا، وتجسدت كلماته على أرض الواقع وأصبح يهدد النحل البشرية بالفناء، لكن السؤال الآن كيف يهدد النحل البشرية بالانقراض؟
أظهرت دراسة حديثة أن قرابة ربع أنواع النحل الطنان في أوروبا يواجه خطر الانقراض بسبب فقدان مواطنه وتغير المناخ، الأمر الذي يعرض تلقيح محاصيل بمليارات الدولارات للخطر.
وقالت الدراسة التي أعدها الاتحاد الدولي للحفاظ على البيئة وصدرت في أبريل 2014 إن 16 نوعًا من بين 68 نوعًا من النحل الطنان يواجه خطر الانقراض.
ويُعد الاتحاد – الذي يضم حكومات وعلماء وجماعات مدافعة عن البيئة – دراسة عالمية عن النحل ومنه نحل العسل الذي تتناقص أعداده بشدة بسبب الأمراض، لكن الدراسة لم تشر لاحتمال انتشار أمراض نحل العسل بين النحل الطنان.
وقال الاتحاد في بيان إن ثلاثة أنواع من النحل الطنان من بين أهم خمس حشرات تلقح المحاصيل الأوروبية، مشيرًا إلى أن قيمة المحاصيل الأوروبية التي يسهم النحل الطنان في زراعتها – إلى جانب حشرات التلقيح الأخرى – أكثر من 22 مليار يورو (30.35 مليار دولار) سنويًا.
وبحسب الدراسة، فإن نحو نصف أعداد النحل الطنان تتناقص، في حين يزيد عدد أنواع 13% فقط منها، معتبرًا أن تغير المناخ وتكثيف الزراعة والتغيرات في الأراضي الزراعية، تشكل المخاطر الرئيسية التي يواجهها النحل الطنان.
وأكد مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون البيئة جينز بوتونيك في بيان أن الاتحاد يتحرك لمواجهة الموقف، حيث تم حظر أو قيد استخدام مبيدات معينة خطرة على النحل، كما يمول الاتحاد أبحاثًا بشأن أوضاع نحل التلقيح.
علاقة النحل بالبشرية
عند الوقوف على عبارة العالم ألبرت أينشتاين، نجد أنها بحاجة إلى التفسير لفك اللغز الذي ربط اختفاء النحل بفناء البشرية، فالعبارة توضح أن نهاية النحل تعني نهاية تلقيح النبات، فإذا ما انتهى النبات انتهى الحيوان ثم ينتهي الإنسان، فعندما تنتقل النحلة من زهرة إلى زهرة بحثًا عن الرحيق، فإنها تلقح اللأزهار التي تساعد على ظهور محاصيل الخضراوات والفواكه.
والإنسان أكبر خطر يهدد النحل بسبب استخدامه للمبيدات الحشرية، فقد لوحظ في العقود الماضية تراجع كبير في عدد مستعمرات النحل على مستوى العالم، ويرجع الباحثون ذلك إلى أسباب كثيرة منها التغير البيئي والمناخي والإفراط في استخدام مبيدات الحشرات الأمر الذي سبب سوء التغذية لدى النحل بسبب هذه العوامل وغيرها.
وإزاء هذه المخاطر المحدقة بالنحل، تداعت جمعيات فرنسـية لتحريك المجتمع والتوقيع على عريضة شرعة حماية النحل تحت شعار: “النحلة حارسة البيئة”، وقد امتـدت الحملة إلى أوروبا، ومنها ستنطلق إلى كل البلدان المهـدد نحلها بالانقراض لتكون الكلمة جـامعة وقوية أمام السلطات المحلية ومنظمات الأمم المتحدة.
ووفقًا لموقع الطبي علاج حاز د. نزار حداد مدير وحدة أبحاث النحل في المركز الوطني للبحث والإرشاد الزراعي على جائزة فيلادلفيا للإبداع العلمي في العلوم البحتة والطبيعية عن أفضل كتاب مترجم لعام 2008م.
ويسرد الكتاب بشكل رائع وجذاب نمط وسلوك وحياة نحل العسل من منظور جديد وبنظرة علمية جديدة، واعتمد فيه المؤلف على آخر ما توصلت إليه نتائج أبحاثه وغيره من العلماء.
ويبرز الكاتب أهمية نحل العسل في تلقيح النباتات البرية والمحاصيل الزراعية، مؤكدًا مقولة العالم أينشتاين بأنه لن يبقى للجنس البشري إلا أربع سنوات في حال انقراض النحل، لا نحل.. لا تلقيح.. لا نبات.. لا حيوان.. لا إنسان.. ويبرز الكاتب بطريقة غير مباشرة أهمية تعلم الجنس البشري الكثير من هذا المجتمع الحشري.
أسباب انقراض النحل
حدّدت الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية للأغذية AFSSA 40 سببًا لانقراض النحل، فالمبيدات الحشرية لا تمثل السبب الوحيد لموت النحل وذلك منذ بداية التسعينيات في فرنسا خلافًا لما يؤكده مربّو النحل.
والدليل على صحة كلام الوكالة أنه منذ منع استعمال المبيدات على بذور عباد الشمس والذرة لم تشهد الأمور تحسنًا، وقد أظهرت العديد من الدراسات أن صحة النحل لم تتوقف عن الانحدار في كل أنحاء العالم.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أصيب النحل بمرض جديد مجهول المصدر أدى إلى سقوط جماعات النحل، وأعدت الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية للأغذية مؤخرًا تقريرًا نشر جزء كبير منه، حيث حدّد الخبراء 40 سببًا مؤديًا لموت وإضعاف جماعات النحل.
تفاعل الـ Varoa داخل خلية النحل
التقرير أكد أنه لا توجد أي حالة من حالات التسمم ناجمة عن مواد كانت موجودة باللقاح أو البذور لهذا قررت الوكالة إحداث خلية لمراقبة المرض تعمل بشكل متواصل وقد طلبت الوكالة إنشاء مؤسسة تقنية لمربّي النحل وبيان عدد الخلايا بشكل إجباري سنوي وذلك بهدف صحي بحت واتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة عدم احترام القواعد، وهذه الإجراءات اللازمة دخلت حيّز التطبيق في أكتوبر الماضي.
أثر المبيدات الحشرية على النحل ليس خافيًا ولكنه يقتصر على حالات تسمم حادة تسبب فيها العلاج خلال فترات الإزهار أو خلل في تصنيع البذور المغلفة.
لكن وحسب الوكالة الفرنسية AFSSA فإن الأثر المزمن للمبيدات الحشرية الذي أشار إليه مربو النحل لا يمثل سببًا رئيسًا، وما هو مؤكد أنّ المشكل الرئيسي في تربية النحل هو ما يسمي بالـ Varoa المتأتية من إندونيسيا.
هذا الكائن الصغير الذي وصل إلى فرنسا في نهاية الثمانينيات تسبب في خسائر فادحة وعملت عولمة التجارة بملكات النحل على انتشار هذا المرض عبر العالم.
وأكد تقرير الوكالة الفرنسية على وجود نسبة قليلة من العلاجات ضد هذه الفطريات وندّد ببعض الممارسات التي تقود مربي النحل إلى استعمال مواد خطرة بالنسبة للنحل.
وبعض الفطريات تتفاعل مع الـ Varoa داخل خلية النحل، وتراجع الفلاحة البيولوجية لتكثيف الإنتاج الفلاحي يمثل أيضًا أحد أسباب موت النحل المذكورة في التقرير هذا إضافة إلى التلوث البيئي، فالنحلة أيضًا من النوع الأهلي وهي كائن رقيق جدًا وحشرة اجتماعية وليست بقرة تنتج عسلاً.
خلية النحل
ضمن أسباب انقراض النحل أيضًا، تلقيح الملكات منذ السنوات 1980 و1990، فقد دأب عدد من مربي النحل على شراء ملكات نحل من إيطاليا أو القوقاز مفضلين ذلك على النحل الأسود المحلي الأقل إنتاجًا والأكثر شراسة لكن فقدان الكثير من جماعات النحل زاد من تفاقم المشكل.
فهذه التجارة تسببت في الاختلاط الجيني وهذا ما ورد في تقرير الـAFSSA، وهناك القليل من الدراسات العلمية التي واجهت هذه المسألة الصعبة.
وبالرغم من ذلك ملكة النحل تلعب دورًا مركزيًا في حياة الخلية وأثبتت دراستان حديثتان أن الملكة التي يتم تلقيحها من طرف عشرات الذكور تكون مجموعتها أكثر نشاطًا وحيوية وقدرة على الصمود خلال الشتاء من تلك التي يتم تلقيحها من طرف ذكر واحد.
تربية النحل والتلقيح الاصطناعي للملكات الذي يتم اعتماده في عملية الإنتاج أكثر فأكثر يمكن أن تكون له آثار سلبية على حياة جماعات النحل فهذه الممارسات تختصر عدة مراحل من الانتقاء الطبيعي.
انهيار المستعمرات
صورة لفطريات الـ”varroa mite” التي تُعد أكبر عدو للنحل
وفي هذا الصدد، طبقًا لأبحاث جامعة أوريجون وأبحاث منشورة في مجلة Science، فإن أعداد النحل في تناقص رهيب وبمعدّلات سريعة، فحتى الآن سبعة أنواعٍ مهددة بالانقراض بالفعل.
في وقت سابق، كانت الدراسات العلمية تُرجِع ظاهرة انخفاض أعداد النحل إلى عدة أسباب منها استخدام المبيدات الحشرية في الزراعة والأمراض الفطرية التي تهاجم النحل نفسه وعدم وجود مراعٍ زهرية قريبة الأمر الذي يصيب النحل بالإجهاد نتيجة الطيران لمسافات طويلة لم يعتدها من قبل والتغير المناخي الذي أدى لاضطراب الظروف الجوية التي لم يعتد عليها النحل من قبل.
في مؤتمر لـ”تيدكس” منذ ثلاث سنوات، شاهد الناس هذا المقطع من المؤتمر بشيء من التخوّف، والآن أصبح هذا التخوف واقعًا، ففي الولايات المتحدة وحدها فُقد أكثر من مليوني ونصف المليون نحلة في الفترة من 1945 وحتى 2007، العام الذي اكتُشفت فيه ظاهرة الـ”CCD“.
وعن تعريف ظاهرة الـ”CCD” قالت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) إن النحل (وبالذات نحل العسل) شهد في مناطقه حالات هجرة جماعية لخلايا النحل من قِبَل النحل العامل، حيث تُترك فقط الملكة وبعض الوصيفات، وقد أطلق العلماء على هذه الظاهرة “Colony Collapse Disorder” أو “متلازمة انهيار المستعمرات”.
صورة توضيحية لمتلازمة انهيار المستعمرات
الغريب أنه لا يوجد أي أثر لاعتداء من حشرات أخرى كالدبابير البريّة مثلاً، ولكن الخلية تكون مهجورة مع الاحتفاظ بالعسل، وبيض النحل كاملاً في الخلايا، والملكة وبعض الوصيفات اللاتي لا يستطعن العيش منفردات فيمتن في النهاية!
ودشّنت وزارة الزراعة الأمريكية “USDA” برنامجًا لمتابعة تطوير مبيدات حشرية غير مضرّة بالنحل، كما حفّزت المزارعين لزراعة محاصيل أخرى غير القمح والذرة المكلفين والخاليين من الأزهار، وشكلت مراكز متفرقة لمتابعة تناقص أعداد النحل، واستزراع مسطحات زهرية على جوانب الطريق.
وطبقًا لما ذكرته الـ”بي بي سي” في تقريرها فإن انقراض النحل يعني اختفاء 70 من أصل مئة نوع من محاصيل غذائية رئيسية في العالم، نتيجة توقّف عملية التلقيح الذي يوفّره النحل لتلك المحاصيل، وبانخفاض محاصيل بقيمة 30 مليار دولار في السنة، قد يُواجه ثلثا سكان العالم خطر الموت جوعًا، وهذه فقط البداية، فمع اختفاء النباتات ستختفي أنواع كثيرة من الحيوانات العاشبة، وهكذا، حتى يُقضى علينا، نحن القابعين في قمّة هرم السلسلة الغذائية.
الهواتف تهدد النحل
لم تقتصر الأسباب المؤدية لانقراض النحل على العوامل الزراعية والبيئية التي تم ذكرها أعلاه بل دخلت التكنولوجيا الحديثة ضمن القائمة، فقد حمّلت دراسة جديدة الإشعاعات المنبعثة من الهواتف الخلوية مسؤولية خفض أعداد النحل في العالم.
ونقلت شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية الأمريكية مؤخرًا عن مسؤولين في وزارة الزراعة الأمريكية قولهم إن عدد النحل انخفض في الولايات المتحدة بنسبة 17% العام الماضي.
وكانت الجمعية البريطانية للنحل أفادت في وقت سابق بأن عدد النحل انخفض في المملكة المتحدة بنسبة 17% العام الماضي أيضًا.
ويعتقد باحثون هنود أن الإشعاعات المنبعثة من الهواتف الخلوية مسؤولة عن فقدان بعض النحل، ووضع باحثون في جامعة البنجاب بجنوب الهند هواتف خلوية قرب قفير نحل لمدة ربع ساعة يوميًا وبعد مضي ثلاثة أشهر على ذلك تبين لهم أن النحل توقف عن إنتاج العسل، كما أن البيض الذي تضعه ملكة النحل انخفض بنسبة النصف وتراجع حجم القفير بشكل كبير.
ولا يقتصر الضرر الناتج عن تراجع عدد النحل على إنتاج العسل فحسب، إذ إن هذه الحشرات المفيدة تلقح حوالي 90 محصولاً في العالم يقدر مردودها بنحو 290 مليون دولار في بريطانيا سنويًا و12 بليون دولار في أمريكا.
وأجرى أندرو غولدزوورثي وهو أستاذ علم الأحياء في كلية أمبيريال كولدج في لندن، دراسة عن تأثير الحقول الكهرومغناطيسية وخلص إلى أن الإشعاعات الصادرة عن الهواتف الخلوية قد تؤثر على النحل.
وقال الباحث إن تلك الإشعاعات قد تؤثر على صباغ في النحل اسمه كريبتوكروم تستخدمه الحشرات من أجل مساعدتها على معرفة طريقها والعودة إلى القفير بعد الحصول على غذائها.