عقود طويلة مضت، لم يكن فيها للكرة الإفريقية أي وجود مؤثر في تاريخ الساحرة المستديرة، حتى جاءت حقبة تسعينيات القرن الماضي، التي عرفت بلوغ منتخب الكاميرون ربع نهائي كأس العالم عام 1990، كأول منتخب إفريقي يبلغ ذلك الدور في تاريخ كؤوس العالم.
ذلك الإنجاز فتح أعين العالم على مواهب القارة السمراء، التي كان وجودها نادرًا في الملاعب الأوروبية، فإذا بالقارة المنسية كرويًا تتحول إلى منجم ذهب لا ينضب، يزود كبرى أندية أوروبا والعالم بنجوم من الطراز الرفيع، أبرزهم على الإطلاق النجم الليبيري جورج وياه الذي تألق بشدة مع ناديي باريس سان جيرمان الفرنسي وإس ميلان الإيطالي، لينتهي به المطاف بتتويج تاريخي بجائزة الكرة الذهبية، كأفضل لاعب في العالم لعام 1995، في إنجاز فريد للكرة الإفريقية، كسرت من خلاله احتكار لاعبي أوروبا وأمريكا الجنوبية للجائزة العالمية.
ورغم عدم تكرار إنجاز وياه من قبل أي لاعب إفريقي آخر بعده، إلا أن ذلك لم يمنع مواهب القارة السمراء من استمرار الصعود والتميز في ملاعب أوروبا والعالم، ليصبح للاعب الإفريقي وزن كروي معتبر على الساحة العالمية، ولجائزة أفضل لاعب في القارة السمراء أهمية مضاعفة تتعدى حدود القارة، من خلال تنافس أفضل نجوم الدوريات الأوروبية السمر على الظفر بها.
فماذا عن تاريخ هذه الجائزة وحاضرها؟ ومن هم أهم النجوم الذين نالوا شرف حملها؟ وما إنجازات نجومنا العرب فيها؟ وهل بإمكانهم استعادة أمجادهم الغابرة في نسخة العام الحالي التي شهدت وجود 3 نجوم عرب ضمن قائمة المرشحين الـ5 النهائية للفوز بالجائزة الإفريقية الرفيعة.
الليبيري جورج وياه.. الإفريقي الوحيد المتوج بجائزة الكرة الذهبية العالمية
تحت مسمى “الكرة الذهبية الإفريقية”، انطلقت أولى نسخ جائزة أفضل لاعب إفريقي عام 1970، بتنظيم ورعاية من قبل مجلة “فرانس فوتبول” الفرنسية العملاقة، التي تتولى أيضًا تنظيم جائزة “الكرة الذهبية العالمية”، وقد اتفقت آراء محرري المجلة وقرائها حينها، على اختيار نجم سانت إتيان المالي ساليف كيتا كأول فائز بالكرة الذهبية الإفريقية، بعد منافسة مع نجم فريق الإسماعيلي المصري علي أبو جريشة، الذي حل في المركز الثاني.
وتوالت نسخ جائزة فرانس فوتبول الذهبية الإفريقية بشكل سنوي، وحمل شرف الفوز بها العديد من كبار النجوم كالليبيري جورج وياه أعوام: 1989 و1994 و1995، والغاني عبيدي بيليه أعوام 1991 و1992 و1993، والكاميروني روجيه ميلا عامي 1976 و1990، ومواطنه توماس نكونو عامي 1979 و1982، والزامبي كالوشا بواليا عام 1988، إضافةً إلى العديد من نجومنا العرب، بدايةً بالمغربي أحمد فرَس عام 1975، ثم التونسي طارق دياب عام 1977، والجزائري الأخضر بللومي عام 1981، والمصري محمود الخطيب عام 1983، والمغربيين محمد تيمومي وبادو الزاكي عامي 1985 و1986، ونهايةً بنجم بورتو الجزائري رابح مادجر عام 1987، والذي كان آخر لاعب عربي يحرز الجائزة تحت رعاية فرانس فوتبول، حيث توقفت المجلة الفرنسية عن تنظيم الجائزة تمامًا، اعتبارًا من عام 1996.
المغربي مصطفى الحجي.. آخر عربي حقق الجائزة الإفريقية
وبالتوازي مع جائزة المجلة الفرنسية، قام الاتحاد الإفريقي لكرة القدم “الكاف”، بإطلاق جائزة سنوية لأفضل لاعب إفريقي اعتبارًا من عام 1992، حيث تم اختيار الغاني عبيدي بيليه، وهو ذاته من اختارته المجلة الفرنسية لحمل جائزتها ذلك العام، فيما خالف الكاف اختيارات المجلة الفرنسية في العامين التاليين، باختياره النيجيريين رشيدي يقيني وإيمانويل أمونيكي لحمل جائزة أفضل لاعب إفريقي لعامي 1994 و1995.
واعتبارًا من عام 1996، أصبحت جائزة الكاف هي الجائزة الوحيدة المعتمدة لأفضل لاعب إفريقي، بعد انسحاب فرانس فوتبول من الصورة، وقد ظفر بها العديد من النجوم العالميين، كالنيجيري نواكو كانو عامي 1996 و1999، ومواطنيه فيكتور إيكبيبا عام 1997، وباتريك مبوما عام 2000، فيما كان النجم المغربي مصطفى حجي، أول وآخر لاعب عربي يتوج بجائزة الكاف لأحسن لاعب إفريقي، وذلك عام 1998.
الكاميروني إيتو والعاجي توريه.. أكثر من حقق الجائزة الإفريقية عبر تاريخها
وفي الوقت الذي غابت فيه الأسماء العربية عن منصات التتويج الإفريقية، مكتفيةً بحلول المصري أحمد حسام ميدو ثالثًا عام 2002، ومواطنه محمد أبو تريكة ثانيًا عام 2008، عرفت الألفية الحالية تألق جيل جديد من النجوم الأفارقة، بدايةً بالسنغالي الحجي ضيوف الفائز بالجائزة عامي 2001 و2002، ومرورًا بالنجم الكاميروني صامويل إيتو، الذي أحرز الجائزة 4 مرات أعوام 2003 و2004 و2005 و2010، والفيل الإيفواري ديديه دروغبا الفائز بها عامي 2006 و2009، والمالي فريدريك كانوتيه عام 2007، والتوغولي إيمانويل أديبايور عام 2008، وانتهاءً بالإيفواري يايا توريه، الذي عادل رقم صامويل إيتو القياسي في الفوز بالجائزة، بعد أن أحرزها 4 مرات متتاليةً بين عامي 2011 و2014.
الغابوني أوباميانج أفضل لاعب إفريقي لعام 2015
وشهدت نسخة العام الماضي ظهور وجه جديد في سجلات أبطال الجائزة، بفوز نجم بروشيا دورتموند الغابوني المتألق بيير إيمريك أوباميانج باللقب، على حساب منافسيه يايا توريه والغاني أندريه آيو، وحافظ المهاجم الغابوني على تألقه، ليدخل قائمة المرشحين النهائيين لجائزة العام الحالي، إلى جانب 4 نجوم هم السنغالي ساديو ماني، والجزائريان رياض محرز وإسلام سليماني والمصري محمد صلاح.
نجم ليفربول السنغالي ساديو ماني
وتبدو فرص الغابوني أوباميانج في تكرار الفوز بجائزة العام الحالي قائمة، فقد أنهى الموسم الماضي في وصافة ترتيب البوندسليغا مع فريقه دورتموند، كما سجل 25 هدفًا وضعته في وصافة ترتيب هدافي الموسم الماضي، واستهل الموسم الحالي بتسجيله 13 هدفًا وضعته في صدارة ترتيب هدافي الموسم.
أما الجناح السنغالي ساديو ماني، فقد قاده تألقه الملفت في صفوف ليفربول هذا الموسم للتواجد ضمن لائحة المرشحين، بعد تسجيله 6 أهداف وصناعته 4 أخرى، خلال 13 مباراةً خاضها مع فريقه منذ مطلع الموسم الحالي، ليتم اختيار صفقة انتقاله من ساوثامبتن إلى ليفربول مطلع الصيف الماضي، كأفضل صفقة في الموسم الإنجليزي.
الجزائري رياض محرز أبرز مرشحي العام الحالي
وبالانتقال إلى نجومنا العرب، نجد أن الجزائري الرائع رياض محرز يدخل سباق الفوز بالجائزة بحظوظ وفيرة، وهو الذي ساهم بشدة في معجزة فوز فريقه ليستر سيتي بلقب البريمير ليغ الموسم الماضي، بتسجيله 17 هدفًا وتقديمه 11 تمريرةً حاسمة، جعلت أعضاء رابطة محترفي الدوري الإنجليزي لا يترددون في منحه جائزة لاعب الموسم في إنجلترا، ليصبح أول لاعب عربي وإفريقي يتوج بتلك الجائزة الرفيعة، كما قاد فريقه خلال الموسم الحالي للتأهل إلى ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا، بمساهمته في 5 أهداف أمنت لفريقه صدارة مجموعته، قبل مرحلة واحدة من ختام دور المجموعات.
النجم الجزائري إسلام سليماني
أما زميله ومواطنه إسلام سليماني، فيعود سبب وجوده في قائمة المرشحين، إلى الأرقام المذهلة الذي سجلها مع فريقه البرتغالي سبورتنغ لشبونة الموسم الماضي، حيث أنهى الموسم وفي رصيده 27 هدفًا في الدوري، و33 هدفًا في مختلف المسابقات، مما فتح أمامه باب الانتقال لمجاورة رياض محرز في فريق ليستر سيتي بطل البريمير ليغ، وذلك في صفقة كلفت الثعالب أكثر من 30 مليون يورو، ليدشن موسمه معهم بإحراز 5 أهداف وصناعة هدفين خلال 11 مباراةً في مختلف المسابقات.
نجم روما المصري محمد صلاح
ولم يكن غريبًا وجود النجم المصري محمد صلاح في قائمة المرشحين، وهو الذي تحول خلال موسم ونصف إلى معشوق لجماهير فريق العاصمة الإيطالية روما، بتسجيله 14 هدفًا خلال الموسم الماضي، وتعزيزها بتسجيل 8 أهداف وصناعة 5 أخرى، قادت فريقه لاحتلال وصافة ترتيب الموسم الحالي، ليكرس نفسه كواحد من أبرز نجوم الموسم في ملاعب الكالتشيو.
الثلاثي العربي المرشح للجائزة: (صلاح ومحرز وسليماني)
وهكذا، ستكون عيون عشاق الكرة الإفريقية، وعيوننا نحن العرب، شاخصةً نحو العاصمة النيجيرية أبوجا، مساء الخامس من شهر يناير مطلع العام القادم، لمعرفة نتائج التصويت النهائي الذي يجريه الاتحاد الإفريقي، بمشاركة لجنة من الخبراء والإعلاميين، إضافةً إلى المدراء الفنيين الممثلين لجميع منتخبات القارة، من أجل اختيار أفضل لاعب في القارة السمراء لعام 2016، والذي نتمناه ونتوقعه عربيًا بإذن الله.