كل يوم إيران تبهرنا في خطاباتها وأعمالها، فبينما تدّعي الوحدة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من ناحية، تخرج فرق الباسيج والحشود المحشّدة تعبث في البلاد وتهز أمن المنطقة من ناحية أخرى.
لقد كان قرار البرلمان العراقي – التابع للجمهورية الإيرانية – صوتًا قويًّا في البلدان العربية، يقابله فعلًا ضعيفًا صفرًا! إذ إنه قرّر أخيرًا ضم قوات الحشد الشعبي إلى الجيش العراقي، وتناسى الحشود السنيّة في العراق!
والأهم من هذا هو تصريح رئيس الأركان الإيرانية محمد باقري الذي تماهى مع ذلك القرار – آخر صرعات الموضة الإيرانية في الشرق الأوسط – في أنّ إيران تحتاج إلى قواعد بحرية عابرة للبلدان، وطبعًا هو يقصد حواضر اليمن والشام جنوب اليمن والأبيض المتوسط.
المعروف أن تصريحًا كهذا لم يخرج حديثًا، إنما هو بمكانة إعلان عن نجاح جزء من استراتيجيات إيران، مقابل التأخر في وضع حد لها، وهو استكمال لمماطلة دول المنطقة تجاه هذه الاستراتيجية في الشرق اﻷوسط وأطماعها، وهو أحد أساليب الحرب النفسية المستخدمة ضد الدول السنّية!
طبعًا لا يقصد محمد باقري ظاهر عبارته أن بناء قواعد بحرية أكثر أهمية من اﻷسلحة النووية، كما هي العبارة واضحة، إنما يقصد أن المرحلة القادمة – وقد تكون ضمن عقد من الزمن – ستكون مرحلة بناء نقاط حماية لتحرس بها إنجازاتها في العواصم العربية.
هذا يوضح بشكل فاقع أنّ إيران ستنتقل إلى مرحلة أخرى من التعامل مع الشرق اﻷوسط، في حال عدم الوقوف في وجهها، وهذه المرحلة ستجعل من قضايا إيران في المنطقة “قضية فوق إقليمية – شبه دولية” بدلًا من إقليمية، وهذه هي دلالة “قواعد بحرية”، كناية بالقواعد البحرية للدول للقوى العظمى، إذ إن إيران تبين لنا عن أحد أحلامها في حكم العالم.
ولا أحد ينكر أنّ الجمهورية اﻹيرانية لديها خطط، وهي تلعب في المنطقة بسياسة واضحة وجريئة، بعكس ما نراه من دول أخرى تتبع سياسة رد الفعل والحركة اﻵنية، فالحركات السياسية غير الفاعلة تجاه إيران هي التي يجب أن نندم عليها وليس ما تقوم به إيران، فيا ترى ماذا فعلنا تجاه إيران، ونحن أغلبية نحوطها من جميع جهاتها وهي أقلية إقليمية؟! هل وضعنا سياسة إقليمية واضحة للتعامل مع باكستان وأفغانستان، للتخلص من ألوية زينبيون وفاطميون؟! هل استطعنا نشر تحالفات بيننا تحول بين تفرقنا وهيمنة وسيطرة إيران على مقدرات الشعوب؟! أو على الأقل هل استطعنا الوصول إلى قوة بحيث نفرض على إيران شكلًا من التعامل لا نسمح لها من التدخل في شؤون كل من دولنا الداخلية؟! أعتقد بعد إجابتنا عن هذه الأسئلة نستطيع أن نقلق بحقٍّ على مصير الشرق الأوسط بين إهمال المجتمع الدولي لمصالح الشرق الأوسط، وبين “التمدد الإيراني”، والذي قد نعبر عنه بـ”التأخر الذاتي لنا”!!
إنّ دولة تتقدم نوويًّا بسكوت المحيط عنها، لن يمنعها شيء من بناء بعض القواعد البحرية حول هذه المنطقة، فإلى متى ستبقى السياسات المتناقضة والكلمات العابرة، رهن أفعالنا أمام هذه القوة الجارفة؟