ماذا لو فكرت إسرائيل في توظيف قدراتها وعلاقتها الدولية في إقامة مملكة سيناء العربية، ولا سيما أن التطورات في المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص وواقع حال الناس في سيناء قد يشجع على مثل هذا التفكير الذي يبدو غريبًا للوهلة الأولى؟
ولكن بالرجوع إلى التاريخ القريب، نلاحظ أن المندوب السامي البريطاني في فلسطين هربرت صمويل أجرى اتصالات واسعة مع الزعامات العربية في شرق الأردن، قبل أن يقوم بزيارتها عام 1920، ويجتمع مع حشد كبير من عشائر الأردن، ويقول لهم: “الحكومة البريطانية لا تقصد إلحاقكم بإدارة فلسطين، بل تريد تأسيس إدارة مستقلة تساعدكم على حكم أنفسكم، وسنرسل لكم عددًا من السياسيين ورجال القضاء من ذوي الحنكة والدراية والمعرفة التامة بالأهالي وباللغة العربية، ليساعدوكم في تنظيم قواتكم للدفاع عنكم أمام أي تعد من الخارج، وتنظيم الدرك المحلي لتأكيد النظام وترويج التجارة السليمة”.
عبدالله بن الحسين ملك الأردن
وأجرى بعد ذلك الأمير عبد الله بن الحسين سلسلة من اللقاءات مع وزير المستوطنات البريطانية تشرشل نجم عنها صدور قرار من عصبة الأمم سنة 1922 يعترف بشرق الأردن كوحدة جغرافية وسياسية مستقلة.
وفي سنة 1946، أي قبل عامين من نكبة الشعب الفلسطيني، حصلت المملكة الأردنية الهاشمية على الاستقلال الذي مكنها من استيعاب مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين بعد أن شردهم اليهود من ديارهم، بل نجحت المملكة الأردنية في ضبط الحدود مع إسرائيل بالشكل الذي حال دون أي تسلل معادٍ لإسرائيل، ما خلا الفترة الممتدة من 67 وحتى سنة 70.
إن حالة الأمان التي وفرتها المملكة الأردنية على طول الحدود الشرقية لإسرائيل، قد تدفع السياسيين الإسرائيليين إلى تقليد التجربة في سيناء، وذلك بشكل مباشر أو من خلال أصدقاء إسرائيل الذين سيروجون لفكرة إقامة مملكة سيناء العربية، والقابلة للحياة بمنفذها على البحرين المتوسط والأحمر، على بقعة من الأرض تكتنز في جوفها المعادن والثروات الطبيعية التي ستفيض عن حاجة سكانها وتتسع لأطماع الإسرائيليين.
ما دوافع هذا الظن السيء بالمخطط الإسرائيلي؟
1- حجم التفجيرات العنيفة التي تنفذ ضد الجيش المصري في منطقة ساحلية تخلو من التضاريس المعقدة وتخلو من الكثافة السكانية.
2- مواصلة هدم البيوت القريبة من قطاع غزة، ومواصلة تفريق شمل سكان شمال سيناء، وذلك بإقامته مناطق عازلة ومناطق معدومة الحياة.
3- الرعب الإسرائيلي من مستقبل مصر، ومن قدراتها المكبلة بالاتفاقيات، والخوف من تاريخ الشعب المصري الرافض للوجود الإسرائيلي، كل ذلك يشجع إسرائيل على إقامة منطقة عازلة في سيناء، تفصل بين مصر المستقبل والغضب والكيان الإسرائيلي.
4- استباق الانفجار السكاني في غزة التي تجاوز سكانها مليوني إنسان، يشكلون قنبلة ديمغرافية ستتفجر في وجه إسرائيل، إذا لم ترتب وسائل انتقالهم الطوعي إلى سيناء، وذلك من خلال خلق فرص عمل، وتوفير الخدمات كوطن بديل آمن.
ما العمل لإفساد المخطط الإسرائيلي؟
1- على الشعب المصري أن يرفض أساليب القسوة والعنف المستخدمة ضد سكان سيناء، فالقمع بحد ذاته هو المحرض الأول لسكان سيناء على التفكير بالابتعاد عن حكم مصر.
2- تسهيل التواصل الجغرافي بين سيناء ومصر، وذلك من خلال وقف المضايقات والإعاقة التي يتعرض لها سكان سيناء في أثناء عبورهم لقناة السويس.
3- العمل على تطوير مصادر الرزق لسكان سيناء وتوفير فرص العمل وإشعار المواطن في سيناء بكيانه ومكانته الإنسانية والسياسية.
4- تسهيل حياة المواطنين في قطاع غزة وفتح المعابر وتشجيع التجارة بين سكان قطاع غزة وسكان سيناء، بما يسمح بالتطور الاقتصادي والتواصل الحضاري بين الطرفين.
5- عدم الثقة بإسرائيل بأي حال من الأحوال، والحذر من اليد الإسرائيلية الممدودة بالمساعدات الإنسانية والأمنية، والتي تخفي تحت جلدها سكاكين الذبح والتقطيع لكل الأمة.