ترجمة وتحرير نون بوست
هذا الأسبوع كان حشد من الأنصار الذين يلوحون بالأعلام الحمراء والبيضاء والزرقاء، في استقبال المرشح الفرنسي الصاعد فرنسوا فيون في مركز للمؤتمرات في ضواحي ليون.
كان فيون قد وصف الإسلام “بالأنظمة الشمولية مثلها مثل النازية”، مشيرًا إلى أن فرنسا ستحتاج إلى مساعدة روسيا لمحاربته، فالكاثوليكيون والبروتستانت واليهود لن يتراجعوا عن القيم الجمهورية، على خلاف المؤمنين بديانات أخرى، وأضاف: “علينا أن نحد وبشكل صارم من الهجرة، فبلدنا ليست تكتلاً من المجتمعات، بل إنها هوية”.
وفي حدود السنة، أصبح موضوع الهجرة بمثابة ورقة رابحة في الانتخابات، وتمكن فيون، البالغ من العمر 62 سنة، من المراهنة على نفس تيارات القومية والكراهية، التي مهدت الطريق لفوز مجموعة من السياسيين في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.
احتل فيون في الأشهر الماضية المرتبة الرابعة والثالثة من بين المرشحين للرئاسة، بعد أن كان من المرشحين الذين لا وزن لهم في المشهد السياسي الفرنسي بيد أن دفاعه عن القيم والهوية الفرنسية جعله في مقدمة السباق الرئاسي. ومن المزمع أن يختار الحزب الجمهوري اليميني يوم الأحد حامل اللواء في انتخابات سنة 2017، والذي من المحتمل أن يكون الرئيس الفرنسي المقبل.
لم تضمن هذه الاستراتيجية فقط موقع الصدارة لفيون، ولكنها لفتت أيضًا أنظار وسائل الأعلام الفرنسي والنقاد السياسيين، كما انقلبت موازين القوى لتصبح دفة الحكم بيد اليمين المتطرف، وذلك جنبًا إلى جنب مع حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الذي تقوده مارين لوبان والتي من الممكن أن تواجه أصعب تحد لها السنة المقبلة.
يتنافس المرشحان على أصوات نفس الفئة من الناخبين، ولكن الجبهة الوطنية المناهضة للمهاجرين والمعادية للأجانب لا تحظى بمساندة فئة كبيرة من الطبقة المتوسطة وخاصة الكاثوليك.
أما فيون فقد نصّب نفسه من المدافعين بشراسة عن القيم الفرنسية، متعهدًا بإعادة السلطة وتكريم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وفرض “الرقابة الإدارية الصارمة” على الإسلام.
لاقت هذه الوعود ترحيب مناصريه الذين قابلوه بالهتافات الحارة في حملته الانتخابية خاصة وأنهم يعتقدون بشدة أن القيم والهوية الفرنسية تعيش تحت تهديد الإسلام واليسار العلماني.
وإذا كانت هذه المواضيع مألوفة بالنسبة لتلك الأطراف السياسية التي نجحت بالفعل في حصد الأصوات في بريطانيا والولايات المتحدة هذا العام، فذلك لأنهم تطرقوا لنفس المواضيع التي تحدث عنها فيون السياسي المخضرم والمتجهم، وفي فرنسا ساهم طرح هذه النوعية من المواضيع في قلب حظوظ فيون السياسية.
كما يثق قلة من المحللين بحظوظ فرانسوا هولاند، الرئيس الذي يمثل الاشتراكيين في فرنسا بعد أن فقد شعبيته، بينما لقي اقتراح فيون بالعودة إلى السلطة إعجاب الحشد الذي ضم 500 ألف شخص.
وفي هذا السياق قال فنسنت روبرت الذي يعمل حِرفيًا متحدثًا عن فيون “إنه حقًا يحترم القيم الفرنسية، وهذا مهم جدًا بالنسبة لنا”، كما أضاف أنه يتمتع بخصال الاستقامة والصراحة، وهو ما دفع الطبقة الوسطى للترحيب به بحماسة.
كما أبدى المستشار الإداري المتقاعد برونو بيرين، رأيه في فيون فقال: “ما يعجبنا فيه هو دفاعه عن القيم الفرنسية والمسيحية والعائلة وتقاليدنا”.
ويرى مناصرو فيون أنه المرشح المناسب الذي سيعيق لوبان من مواصلة طريقها نحو النصر، لكن المحللين حذروا من أن سياسة التقشف التي سيعتمدها فيون للخروج بفرنسا من الركود الاقتصادي الذي تمر به، عن طريق التخلي عن 500 ألف من مناصب الخدمة المدنية و100 مليار يورو (أي حوالي 105 مليار دولار) من حجم الإنفاق، يمكن أن تكون مجرد محاولة منه لجذب الناخبين الخائفين إلى أحضان زعيم الجبهة الوطنية، لكن أبناء الرعية في كنيسة البرجوازية بسانت ترينيتي في باريس، الذين كان لهم ثقل في القرن الـ19 والذين يمثلون عصر النهضة الجديدة، يساندون دون أدنى شك فيون.
وقال أحد العلمانيين، سيسيل ديسبوانتس إثر انضمامه للحشد متحدثًا عن فيون: “إنه يتحلى بخصال الصدق والقيم العائلية، فهو رجل يتمتع بالثبات والمثابرة”.
يعدّ هذا التغيّر لصالح فيون مفاجئًا، خاصة أنه كان قبل أسابيع مجرد رئيس وزراء فاشل (من سنة 2007-2012)، حيث سخر منه الرئيس نيكولا ساركوزي في عديد من المناسبات.
وكتب الصحفي باتريك بويسون اليميني المتطرف ومستشار الرئيس ساركوزي في كتاب له تحت عنوان “سبب الشعب” إن ساركوزي يخاطب وبسخرية “الشجاعة، فيون!”، ولكن فيون رد على الإهانة التي وجهها له الرئيس ساركوزي في مناسبتين، في الدور الأول من الانتخابات التمهيدية.
جاء فيون على رأس قائمة 87 من بين 101 من الأقسام بفرنسا، وحصد 44% من الأصوات، متقدمًا بفارق 16 نقطة على منافسه، رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه، الذي فاز على فيون في كل من باريس والريف الفرنسي.
وتدعو أجندة المرشح جوبيه “الأكثر اعتدالاً”، إلى تقليص الخدمة المدنية والإنفاق العام، وعدم استيراد البضائع الروسية، والتساهل في مواقفه التي تتعلق بزواج المثليين، وقد جذبت هذه الخيارات الناخبين من ذوي التوجهات اليسارية الذين يختلفون عن الناخبين التقليديين اليمينيين.
وقال ميشال كرون وهو مسؤول في منطقة ريفية متحدثًا عن جوبيه “لقد انزعجت من حقيقة أن العديد من الناخبين اليساريين صوتوا له”، كما قال: “فيون يدافع عن قيمنا، فنحن نمر بحالة من اليأس، وهو الذي سيبقينا على قيد الحياة”، كما أكد أن المتعاطفين معه من الجبهة الوطنية هم الذين صوتوا لصالحه، كما هو الحال في الولايات المتحدة، فشلت استطلاعات الرأي في الكشف عن مدى توق الشعب لاستعادة مجد فرنسا القديمة، والريفية التي تقوم على قيم الكنيسة الكاثوليكية المحافظة.
وأضاف ديسبوانتس أن وسائل الإعلام، لا تمثل الشعب، الذي ضاق ذرعًا من تصنيفه على أنه عنصري ومعادٍ للأجانب.
لا يبدو أن فيون حريص على إحداث تغييرات اجتماعية على غرار زواج المثليين أو الادعاءات التي تقول بأنه ظلّ للولايات المتحدة في فرنسا، وهذا وفقًا للخطاب الذي ألقاه للحشود التي قابلها ضمن حملته الانتخابية.
كما قالت جاكلين بادو، المعلمة المتقاعدة إن “فيون سيساعدنا على إيجاد هويتنا الضائعة مرة أخرى”، كما أبدى زوج السيدة بادو، الذي كان يعمل بدوره مدرسًا، رأيه في الموضوع، والذي كان يساند وبشدة المرشح فيون قائلاً: “ستكون له السلطة في الحرب ضد تنظيم الدولة”.
كما أشار بويسون إلى أن الصفات التي سخر منها ساركوزي بشأن أصوله الريفية وحذره وصمته، أكسبته شعبية في صفوف الحشود اليوم”، وفي الخطاب الذي ألقاه فيون أمام الحشد قال: “هذه البلاد ابنة المسيحية، فضلاً عن التنوير، سأضع العائلة مرة أخرى في قلب كل السياسات العامة”، وبعد هذه العبارات علت هتافات الحشود.
كما صرح القس بيير هيرفي جروجان، أن انجذاب المذهب الكاثوليكي لفيون ناتج عن أن “فيون يمثل القيم الأساسية والأسرة والأمة والهوية”، وأضاف أن هناك رغبة في تخطي أحداث مايو سنة 1968 والعودة إلى قيم الأسرة والتعليم لفرنسا التي كانت لا تخجل من جذورها”، هكذا تحدث الأب جروجان في إشارة إلى الفترة التي خرج فيها الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع مبدين غضبهم من النظام الفرنسي العالمي القديم، وأضاف أنه “يجسد التحالف بين الإدانة والواقعية”
وفي المسيرة، وعد فرانسوا فيون الحشود بإعادة الزي المدرسي الموحد، والاحترام في المدارس، كما وعدهم بالوقوف في وجه الولايات المتحدة.
إن فيون يذكرنا بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فكليهما يتصرّفان بودّ مع روسيا ومع رئيسها فلاديمير بوتين.
في الواقع، رصدت العديد من وسائل الإعلام علاقته الوثيقة مع بوتين، حيث أمضى الفترة من الزمن في مقر إقامة السيد بوتين في سوتشي، كما أنهما لعبا البلياردو معًا، وفقًا لما نشرته صحيفة لوموند.
ووفقًا لصحيفة الإكسبراس، فقد تلقى فيون زجاجة من النبيذ من الرئيس الروسي عقب وفاة والدته، ووصفت الصحيفة فيون بأنه من أكثر السياسيين تقديرًا للسيد بوتين.
لكن يبدو أن هذه المخاوف لم تؤثر على فوز المرشح الأمريكي دونالد ترامب بالرئاسة، وبالمثل يمكن لأنصار فيون أن يغضوا الطّرف عن هذه العلاقة، مثلما فعل ديسبوينت الذي وصف فيون بأنه “رجل الإدانة بالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون بقيم أخلاقية”.
المصدر: صحيفة نيويورك تايمز