في كتابه “بالأمس دولة واليوم جماعة” والذي نشر في سنة 2010، يقول مدير الأمن التركي حنفي أفجي: “يوجد تنظيم للجماعة يضم مدراء في الأمن، في الاستخبارات، وفي كل مكان، وهم يتنصتون على الجميع، أنا أيضا يتنصتون علي”، وبعد فترة من صدور كتابه تم اعتقال حنفي أفجي بتهمة “الانتماء إلى تنظيم إرهابي يساري اكتشفه جهاز الاستخبارات أثناء التنصت على حنفي في إطار تحقيقات حول علاقة مشبوهة بإمرأة”.
وبعد ثلاث سنوات من فرض المحققين لسرية التحقيقات وقيام القضاة بتجديد الحبس مرة تلوى الأخرى، حكم على حنفي في شهر تموز يوليو من سنة 2013 بالسجن لمدة 15 سنة برفقة أمنيين وعسكريين آخرين، وطيلة الفترة الماضية روجت فقط وجهة النظر التي تبناها إعلام الجماعة، حتى سمحت وزارة العدل التركية مؤخرا، لصحيفة ييني شفق التركية بزيارة حنفي في سجنه للحديث معه لمدة ساعة واحدة.
لست سعيدا لأنني محق:
في أول جواب له على أسئلة الصحفي الذي أجرى معه اللقاء، يقول حنفي: “لقد تبين اليوم أني كنت محقا، كنت أعلم ومتؤكدا طول الوقت بأن ما قلته وما كتبته كان صحيحا، ولكني لست سعيدا بهذا، الجميع سيتضرر من جراء هذه القضية، الحكومة والجماعة، وخاصة الجماعة، ورغم هذا فإن بعض المسائل ستعالج وكثير من الأشياء ستعود إلى مكانها وحالها الطبيعي.
ما حدث مؤخرا هو نفسه ما كان يحدث سابقا:
“منذ أن أعتقلت وحتى حكم علي بالسجن، كل التحقيقات والقرارات التي صدرت في حقي كلها أتخذت من نفس المحكمة”، يقول حنفي مضيفا: “محكمة الجنايات العاشرة، دائمة أمثل أمام نفس المحكمة، هل هذا تصادف؟”، ويشير حنفي أيضا إلى أن الاختلاف في الآراء ووجهات النظر الذي يحدث عادة بين أعضاء هيئة المحكمة كان غائبا بالكامل عن محكمة الجنايات العاشرة.
يقول حنفي بأن جهة ما كانت تتعمد مثوله دائما وحصرا أمام نفس هذه المحكمة التي تسيطر عليها الجماعة حسب رأيه، وهو الامر المطابق لما أثير مؤخرا حول انتظار المدعي العالم زكريا أوز لستة أشهر كاملة قبل أن يمرر لائحة اتهامه لمقربين من حكومة أردوغان للمحكمة التي أصدرت مباشرة قرارات الإيقاف وأمرت بتنفيذها.
دمية تحرك من الخارج:
يشرح حنفي طريقة تحرك “التنظيم التابع للجماعة داخل جهازي الأمن والقضاء” كالتالي: يقوم كل منتسبي الجماعة العاملين في مؤسسات الدولة، بصفة دورية، بجمع كل المعلومات التي تقع بين أيديهم ورفعها إلى من فوقهم، من ثم يتم تجميع هذه المعلومات وفرزها ودراستها وتقرر الجماعة في ما بعد الطريقة التي سيتم من خلالها التعامل مع تلك المعلومات.
“دعني أعطيك مثالا بسيطا، مثلا: أنت تتقدم بشكوى بحق شخص ما، أوراق الشكوى يتم رفع نسخة منها للجماعة، والجماعة تقرر مثلا أن لا يتم قبول هذه الشكوى، فتعطي أوامرها للمدعي العام التابع لها حتى يرفع تلك القضية إلى محكمة تسيطر عليها الجماعة، ثم يقوم القضاء بالحكم بعدم سماع الدعوة، دون أن يقرأ تفاصيل الدعوى .. هكذا تدار المنظومة القضائية والأمنية من خارج الدولة !!”.
“حذرت وزير الداخلية”:
قبل أن يتم التخلص من حنفي ووضعه في السجن، أراد وزير الداخلية آن ذاك، بشير آتالاي، أن ينقله من مدينة اسكي شهير إلى العاصمة أنقرة، وبعد المصادقة على أوراق نقله وإقرارها، يقول حنفي بأن “الجماعة بحثت على كل السبل حتى تبعدني عن العاصمة أنقرة، حتى لا أكون على مقربة من الوزير، وقد أرسلت الجماعة رسالة واضحة إلى الجميع، معناها: فليذهب إلى أي مكان، المهم أن يخرج من أنقرة”.
ويضيف حنفي: “قلت للوزير آن ذاك، تنظيم الجماعة أعمق مما تتخيل، الجماعة تمتلك كل المعلومات، معلومات الشرطة والاستخبارات المخابرات العامة والمالية، قلت له إنها تمتلك قوة كبيرة، أخبرته بأن مشاكل كبيرة قد تنتج عن سكوته عن هذا”، ويذكر حنفي أحد الجمل التي قالها للوزير: “توجد دائرة استخبارات تتصنت على أشخاص لم يطلب أحد التصنت عليهم، وأنت لم تكن تعلم بهذا، هل تعتقد أن مأمور الشرطة يفعل هذا من تلقاء نفسه؟؟ مستحيل ! إنه تلقى أوامره من الخارج !”.
الحكومة مارست حسن النية والظن:
يرى حنفي بأن الحكومة تعاملت بحسن نية مع الجماعة ومع تنظيم الجماعة داخل جهازي الأمن والقضاء، ويرى أيضا بأن الجماعة استغلت “طيبة الحكومة” وصمتها عن التنظيم للتغلغل أكثر في الدولة، ولاستغلال نفوذ أفرادها لتلبية مصالحها، ويقول “بلغ بهم الأمر إلى تلفيق القضايا وخلق الأدلة الزائفة للإطاحة بخصومهم، وهم يستعملون المعلومات الكثيرة التي يجمعونها عبر الاستخبارات لفعل هذا”.
المسألة أكبر من مجرد شبكة:
حسب ما صرح به حنفي، فإن الجماعة استفادت كثيرا من نفوذها داخل الدولة، وبلغ بها الأمر إلى شراء أجهزة تنصت بالغة التكلفة على حسابها الخاص، وفتح مكاتب سرية خاصة بها، يعمل فيها أشخاص لا يتبعون لأجهزة الدولة، ويقول: “أنا متأكد من أن العاملين في هذه المكاتب متدربون على العمل الاستخباراتي، لا أعلم أين وكيف، ولكني متأكد بأنهم متدربون على هذا، هذا اختصاصي وبإمكاني الجزم بهذا”، مع العلم بأن بعض هذه المكاتب وأجهزة التنصت قد تم الكشف عنها مؤخرا.
الحل للتعامل مع هذا التنظيم:
يرى حنفي بأن الجماعة نجحت في تخدير الشعب وجعله يصدق بأنها جماعة تقدم خدماتها للشعب وتسعى لنشر العلم والدين، في حين تعمل بأهداف أخرى خفية وتتبع طرق غير قانونية وغير أخلاقية لبلوغ أهدافها وللإطاحة بخصومها، ويصر حنفي كذلك على أن “90 ٪ من حل المشكلة هو كشف الجماعة أمام المجتمع وتوعية الناس بالتجاوزات التي ترتكبها”.
عند الحديث عن الحل الذي يراه مناسب تظهر عليه حالة من الغضب وهو يقول: “أنا تضررت من الجماعة كما تضررت من الحكومة، ولكن تخيل !! اليوم الدولة تلفق الدلائل للإطاحة بالدولة !!”، مشيرا إلى قيام المسؤولين التابعين للجماعة بتلفيق التهم ضد المقربين من رجب طيب أردوغان، ثم يضيف: “إن هذه التصرفات تهدم الدولة، ويجب إنهاؤها، ويجب كذلك أن نطرح السؤال: لفائدة من يفعلون هذا؟”.