يعتبر جل المحللين السياسيين في تونس أن الخاسر الأكبر بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014 “الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية”، فكثير من المتابعين يرون أن نتائجها الضعيفة في الانتخابات التشريعية لا تعود لابتعاد الناخب التونسي عنها بقدر ما تعود إلى تعدد قوائمها الانتخابية وتشتّت الأصوات بينها.
وقد تواصل تشرذم العائلة الديمقراطية الاجتماعية التونسية مع فشل مبادرات تقاربها وتوحّدها، بغض النظر عن الصيغة المتصوّرة والمروج لها أو المُنتجة، مما جعلها على هامش المشهد السياسي في تونس طيلة العاميين الأخيرين.
فكلّما توفرت فرصة لتجميع صفوف الديمقراطيين وتجاوز التناقضات الداخلية إلاّ ويعود الخلاف من جديد وتتعثر المشاورات رغم إقرار جميع منتسبي هذه العائلة بأن بعث الجبهة الديمقراطية التي توحد العائلة الاجتماعية ستمثل طريقًا ثالثًا وقوة لإعادة التوازن في المشهد السياسي.
وكثيرًا ما كنت استمع لأحد القيادات من هذه العائلة بانتباه وانتشي بأمل اللقاء وتوحيد الصفوف، فحقًا قد لا تفرق بين تصريحات محمد الحامدي أو زهير المغزاوي أو محمد عبو أو قيادات أحزاب التكتل والجمهوري، فالجميع يعلنون أنهم يريدون التوحد في حزب أو تحالف موسع أساسه قاعدة قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإحداث توازن في المشهد الحزبي فضلاً عن سعيهم لحماية المسار الديمقراطي ودعم السيادة الوطنية والدفاع عن العدالة الاجتماعية بين الأفراد والجهات بوجودهم كقوة اقتراح ومعارضة من خلال رسم خارطة طريق واستراتيجية لمستقبلها في تحقيق المعادلة السياسية خاصة بعد وجود خلل في المشهد السياسي العام بتحالف حزبي النداء والنهضة منذ سنة 2014.
المرأة التونسية
والحقيقة الصادمة أنه كان من الصعب الجمع بين نرجسيات مجروحة الكبرياء وقد غذتها حرب الزعامات في تشتيت هذا الكيان لتصدق مقولات كثير من الأصدقاء المتوجسين من التحزب أن ضعف الأداء السياسي للأحزاب التونسية، متمثل في لا ديمقراطية الكثير منها (وخاصة أحزاب المشروعية النضالية ضد نظام بن علي)، وفيما تستند عليه في تنظيماتها من منطق إقصاء الكفاءات الشبابية والمرأة والاعتماد على زعامات هرمة مهترئة تقليدية رغم ما نكن لها من الاحترام والتقدير ولكنها لا تمثل للمواطنين وللشباب الحالم بالفكر الاجتماعي خاصة أن يتخذوا منها مرجعية فكرية، وهي لا تملك مقومات الزعامة في أبعادها القيادية وجاذبيتها الكارزمية، بقدر ما تملك سلطات إدارية توفر لها مواقع بيروقراطية.
فالأحزاب تلعب دورًا هامًا في تدعيم الممارسة الديمقراطية باعتبارها همزة الوصل بين الحكام والمحكومين، بما يسمح بتنشيط الحياة الحزبية، وتعميق المشاركة السياسية للمواطنين وليس بمقدورها الترويج لهذه الديمقراطية داخل المجتمع ما لم تكن هي ديمقراطية الهياكل.
ومن الأهمية بمكان أن تفهم بعض قيادات العائلة الديمقراطية الاجتماعية حقيقة أن الديمقراطية ليست فقط عبارة عن أساس المشاركة في الانتخابات بل عبارة عن مجموعة من القيم الاجتماعية التي تنعكس بالضرورة في ممارسات قادة الحزب وكوادره داخل الحزب والمجتمع.
إن وجود الأحزاب في مجتمع ما ضرورة سياسية ووطنية لكن على هذه الأحزاب وخاصة منها العائلة الديمقراطية أن تضع برامجها وتنفذها وتمشي قدمًا في مشروع توحدها من أجل بناء حزب قادر على الترويج لدولة الرفاه الاجتماعي وكي لا يتحول الحزب إلى مزرعة وملكية خاصة لبعض أفراده أو أمينه العام وحاشيته وبطانته ممن سيفقدون مواقعهم في هذا الكيان الجديد.
لقد حصلت التجارب الناجحة للديمقراطية الاجتماعية على مصداقيتها من خلال البعد الاجتماعي الذي يحتل مركز القلب من الاهتمام في مشروعها السياسي عبر إرساء دعائم المبادرة الحرة للجميع ووضع لبنة اقتصاد تنموي مع العمل على جعله مشروطًا بالمسؤولية الاجتماعية وهو ما يراه الكثيرون الخيار الأنسب والنموذج التنموي الأفضل لنجاح تونس.
فلماذا يضيع علينا أبناء العائلة الديمقراطية الاجتماعية التونسية هذه الفرصة التاريخية لبناء تونس الغد والعمل على المساهمة من خلال كيان حزبي ناشط معارضة كان أو حكام في تجسيد مبدأ العدالة الاجتماعية التي ناضلوا من أجلها سنين عدة وصون كرامة المواطنات والمواطنين عبر تحسين أوضاعهم المادية والمعنوية والتوزيع العادل والمنصف للثروة وإعادة الاعتبار للواجب المطالبين به تجاه دولتهم واحترامهم ومساعدتهم على العيش الكريم.
يبدو أن الفرصة التاريخية المتاحة اليوم لكبح جماح حكامنا النيولبيرالين لن تتكرر مجددًا، فهجمتهم الشرسة لإيقاف دور الدولة في المجتمع وتحويل الخدمات الصحية والتعليمية والتنموية المختلفة إلى القطاع الخاص يشكل تناقضًا تامًا ومباشرًا مع الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية، ولهذا يجب أن يكون أبناء العائلة والفكر الديمقراطي الاجتماعي في الصفوف الأمامية لمحاربة التغول الاقتصادي اليميني ومحاولة إدخال مفاهيم “دولة الرفاة الاجتماعي” والعدالة الاجتماعية ودمجها مع السياسات التنموية والاقتصادية للدولة التونسية.
إن الحياة السياسية والحزبية ليست بستان زهر أو طريقًا مفروشة بالورود، بل طريقًا مملؤوة بالعمل الشاق والصراعات لوجود من يهدد العدالة والحياة الإنسانية، استمروا سننتصر وسننجح، لأنكم ترون أن هدف التنمية في بلادنا هو حرية المواطن ورفاهيته وتحرير قدراته الذاتية وضمان مشاركته في بناء الوطن.