قريبًا.. سيتم إلغاء مجانية الأكسجين

em

في الوقت الذي كنا ننتظر فيه نتائج المخطط الاستعجالي الذي تقدمت به وزارة التربية الوطنية في وقت سابق، لإنقاذ المنظومة التعليمية من الإفلاس، أصدرت الجمعية العامة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، مشروع رأي يقضي بإلغاء مجانية التعليم في المدرسة العمومية، هذا القرار الذي لن يفيد قطاع التربية والتكوين في أي شيء، لأن التعليم العمومي بالمغرب سيظل رديئًا ودون المستوى حتى ولو ضخوا فيه الأموال الطائلة! تمامًا كما حدث في البرنامج الاستعجالي الذي خصصت له ملايين الدراهم لإصلاح التعليم والنتيجة هي الفساد بالجملة واختلاسات سواء على مستوى الوزارة أو الأكاديميات.

صف مدرسي في فاس

اليوم نحن مصنفون في المرتبة 101 من بين 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم، بمعدل 3.6 نقطة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مخططات بن المخطار ومن سبقوه، التهكمية بالأجيال وعدم مبالاتهم بأوضاع التعليم، وهل تعلمون أن فلسطين تحتل مراتب متقدمة في مؤشر جودة التعليم؟ ورغم ذلك فالمغرب يساعد فلسطين في هذا المجال “المسكين كيسعى ومراتو كتصدق”.

أحيانًا أشك بأن الدولة هي التي تفتعل هذه الأزمات التي يتخبط بها حقل التعليم ببلد منعم بالأمن والاستقرار، وبصراحة أرى أن وزارة التربية الوطنية، ما زلت لا تملك اﻹرادة القوية والحقيقية للرفع من جودة التعليم، فعندما تولد هذه اﻹرادة سيولد الطفل المغربي من جديد وسيحقق المعجزة ولو في زمن يصعب الحديث فيه عن المعجزات.

وأول مدخل لإصلاح التعليم هو إعادة النظر في تكوين المدرسين وفيمن يكونونهم، ثم في طبيعة الكتاب المدرسي، ففي التعليم العمومي طلبة العلوم يدرسون اللغات (أقصد نسبة كبيرة) وفي التعليم الخصوصي طلبة شعب اللغات يدرسون العلوم.

وقطاع التعليم اليوم أصبح يعج بالمتهاونين والأشباح والمتاجرين بالشأن التربوي والمرضى النفسيين وأيضًا بالمخلصين لشرف المهنة والوزراء المتعاقبين على القطاع، لا يهمهم من شأن الموارد البشرية سوى الجانب الرقمي العددي، بمعني ضمان التوازن بين الإمكانات البشرية والاحتياجات، ولذلك فهي تحتفظ بجيوش من غير المؤهلين لممارسة الفعل التربوي، حتى إذا استنفد الأستاذ جهده وطاقته المهنية، ورغب في الخلود إلى التقاعد النسبي، تلزمه بالعمل رغم أنفه.

أما إلغاء مجانية التعليم فهو حل ترقيعي ولا معنى له في ظل الظروف الحالية للتعليم المغربي، وأعتقد أن الحل الأنسب في الظرفية الحالية هو أن يكون هناك تعليمًا مجانيًا ونخبويًا للمتفوقين على أعلى مستوى للذين لديهم رغبة في إتمام دراستهم لآخر مدى والذين لديهم المؤهلات الفكرية لذلك.

بالنسبة للآخرين يجب أن يفرض عليهم تعليم مهني مجاني يؤهلهم لدخول سوق الشغل بدل تضييع سنوات من عمرهم في تعليم عقيم ومن يريد منهم المتابعة في التعليم العام غير المهني ما عليه إلا أن يدفع مقابل ذلك، وبهذه الطريقة ستحل الدولة المشكل بطريقة سلسة وعادلة، إذ ليس من المنطقي أن يقضي الطالب خمس عشرة سنة ليجد نفسه غير مؤهل لسوق الشغل نتيجة تعليم عقيم ومكلف للدولة، وبهذه الطريقة كذلك ستوفر الدولة مصاريف سنين طويلة لطلبة ليس لهم الرغبة في التعليم أو غير مؤهلين لذلك فكريًا، والنتيجة سيكون لدينا تعليم عام عالي المستوى غير مكلف لأنه يركز على المتفوقين، وتعليم مهني عالي المستوى يؤهل الناس لسوق الشغل وعلم مهنة في سن مبكرة.

ولكن مع الأسف قطاع التعليم في المغرب سيظل يحتضر، وهو الآن بالعناية المركزة يصارع ما بين الحياة والموت، ولحد الساعة ليس هناك أي طبيب محنك يشهد له بالجرأة والنزاهة لينقذ هذا المريض ويضع الضمادة على الجرح الغائر ليوقف النزيف، وانتظروا قريبًا إلغاء مجانية الأكسجين، وشكرًا للذين ذهبوا لصناديق الاقتراع من أجل بنكيران.