ترجمة وتحرير نون بوست
يبدو أن 25 مليار دولار لا تكفي لشراء بعض الولاءات هذه الأيام، لذلك فإن أخذ أو ترك بعض الملايين من الدولارات، من التي ضختها المملكة العربية السعودية في مصر منذ سنة 2013، عندما أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي بأول رئيس إسلامي منتخب ديمقراطيًا في البلاد، لا تعني الكثير، وقد ساعدت تلك السيولة مصر على تجنب الانهيار الاقتصادي، ولكنها اليوم تظهر نكران الجميل لمنقذها، وهو ما قابلته السعودية بقرار قطع مساعداتها.
كان السبب الرئيسي وراء هذا التحول هو الحرب في سوريا التي أزعجت حكام المنطقة وساهمت في ظهور عديد من الانقسامات الطائفية، فالقوات السنية بقيادة السعودية دعمت الثوار ضد بشار الأسد الديكتاتور الغارق في دماء شعبه، أما القوات الشيعية التي تمثلها إيران وميليشيات حزب الله في لبنان، فقد دعمت بشار الأسد العلوي، كل هذا متوقع ومنتظر، لكن مصر التي تقطنها غالبية سنية تواطأت بصمتها مع ديكتاتور سوريا.
وبدا ذلك واضحًا في تشرين الأول/ أكتوبر، عندما سعى الجنرال الإيراني جواد ظريف إلى ضم مصر للمشاورات الدولية بشأن سوريا بهدف تعزيز موقع الأسد، وبعد أيام من ذلك صوتت مصر لصالح الحل الذي قدمته روسيا لدى مجلس الأمن الدولي، وهو موقف كان منحازًا لصالح بشار الأسد، كما فشل مجلس الأمن في تمرير لائحة تنتقد الغارات الجوية الروسية الداعمة للديكتاتور السوري، ولكن ما بقي في الأذهان من تلك الجلسة هو أن مبعوث السعودية في الأمم المتحدة وصف تصويت مصر “بالمؤلم”.
تسعى السعودية إلى كبح جماح إيران التي تراها عاملاً مهمًا في عدم استقرار المنطقة، وعملت السعودية على دعم الثوار الإسلاميين في سوريا واليمن حيث يقاتلون الحوثيين المدعومين من إيران، كما شكّلت تحالفات مع قطر وتركيا المتعاطفتين مع الإخوان المسلمين، تلك المجموعة التي تعني الكثير بالنسبة للجنرال عبد الفتاح السيسي الذي نعتهم بالمجموعات الإرهابية، ونجح في الإطاحة بهم في مصر، وبالتالي، فهو يرى في بشار الأسد حصنًا آخر أمام التطرف وضد تفكك الدولة.
يأتي هذا الشجار بين مصر والسعودية في وقت تواجه فيه الدولتان أكبر التحديات الاقتصادية، وعلى الرغم من الضربة الموجعة التي تسبب فيها تراجع أسعار النفط، فإن المملكة قدمت ملياري دولار لمصر في أيلول/ سبتمبر لمساعدتها على ضمان قرض بنك النقد الدولي، ولكن السعودية أوقفت سفنها الناقلة للنفط الرخيص خلال الأشهر الماضية تاركة مصر تكافح من أجل تغطية الانهيار السريع، إذا ما كان هذا مجرد عقاب أو إجراء اقتصادي، فإن السعودية لم تؤكد أو تنفي شيئًا، ولكن الإعلام المصري هاجم المملكة من أجل الضغط على حكومته، وقال السيسي ردًا على تلك الصرخات إن “مصر لا تركع لأحد إلا لله”.
إن المسألة بالنسبة لمصر تتعلق بالكرامة بقدر ما تتعلق بالمصالح، فهذه الدولة كانت يومًا من الأيام تقود العالم العربي، الذي تمسك بزمامه الآن دول الخليج، في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون في مصر أن باقي المنطقة العربية تقودها “قبائل بأعلام”، كما قال أحد الدبلوماسيين المصريين.
إن قرار السيسي بمنح جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية عطّلته المحكمة المصرية بعد أن تسبب في بعض المظاهرات، وكالعادة أثار الأمر استياء الإعلام المصري الذي لام المملكة واتهمها بأنها ملهمة التشدد الإسلامي (خاصة الإخوان المسلمين)، باعتبار أن معظم سكان السعودية يتّبعون المذهب “الوهابي” الذي يحمل في طياته تفسيرًا متشدّدًا للنص الإسلامي.
في المقابل، ظهرت بين دول الخليج ردود فعل مستاءة، لذلك تنظر العديد من دول الخليج العربي إلى مصر على أنها دولة منهارة، وينتقدون سياسة البلاد التي أهدرت مليارات الدولارات من المساعدات، وفي تشرين الأول/ أكتوبر، سخر رئيس منظمة التعاون الإسلامي العياض بن أمين مدني من السيسي بسبب تصريحه الذي ذكر فيه أنه عاش فترة طويلة لا يوجد في ثلاجته إلا الماء (في محاولة منه للتأكيد على تعاطفه مع المصريين)، ولكن بعد تذمر المصريين استقال مدني من منصبه، مصرحًا أن السبب وراء ذلك هو وعكة صحية.
قد تدفع مواقف السعودية تجاه مصر هذه الأخيرة للوقوف إلى جانب أعدائها، وبعد توقف ناقلات النفط السعودية، عقدت مصر اتفاقًا مع العراق المقرب جدًا من إيران الآن، لاستيراد الذهب الأسود، وقد يدعم هذا الوضع الجديد محاولات السيسي تنويع أصدقائه وحلفائه، خاصة بعد ضمانه للدعم الأمريكي منذ أيام الانقلاب الأولى، كما أن ترامب المنتخب حديثًا سيدعمه بغض النظر عن سجلات حقوق الإنسان المنتهكة في مصر، بالإضافة إلى ذلك، كسبت مصر ود روسيا بعد أن اتفقا على إجراء مناورات عسكرية مشتركة في الشهر الماضي.
وقد وقعت عديد من الأزمات بين مصر والسعودية خلال العقود الماضية، لذلك يرى المحللون أنه لا يمكن توقع الكثير من هذه الأزمة، وقد قال نائل شاما، وهو محلل سياسي مقيم في القاهرة: “مصر تحتاج إلى الهبات السعودية، والمملكة – المحاطة بالأعداء خاصة النظام الإيراني والسوري والعراقي واليمني – تحتاج إلى ثقل مصر في المنطقة”، لذلك يبدو أن الطرفين في حاجة إلى بعضهما البعض.
المصدر: صحيفة الإيكونوميست