تأتي أھمیة التدریب كونه الأداة الأكثر مرونة واستجابة لحاجات الفرد والشركات على حد سواء، وأنه یشكل الطریق الأمثل للاستفادة من مواكبة التطور العلمي والعملي العالمي مما سینعكس على الأداء في العمل على المستوى الفردي للعامل وعلى المستوى الجمعي والمؤسساتي.
وبالرغم من تزاید أعداد مراكز التدریب في الوطن العربي بشكل مطّرد، إلا أن ذلك لم یؤد للأسف إلى تقدم وتطور موازٍ لھذه الزیادة في ھذا المجال، بل على العكس، فقد انخفضت جودة الدورات وافتقرت للمحتوى الحقیقي، لتتحول إلى صورة تجاریة تركز على الظاھر وتتناسى المحتوى العلمي الغني، وأصبح التكرار والتبسیط سید الموقف في أي دورة تدریبیة، فالمادة التدریبیة مكررة یستمر المدرب في تقدیمھا لسنوات دون سعي منه للاطلاع على متغیرات العالم والاستفادة من الدراسات الحدیثة في المجالات التي یقوم بتدریبھا.
إضافة إلى تحول الكثیر من الدورات التدریبیة الإداریة مثلاً من مادة علمیة إداریة إلى مجموعة محاضرات في التنمیة البشریة تعمل على تبسیط بل تسطیح كل النظریات، لتصبح مادة جذب للمتدربین الذین تلامس فیھم نقاط وجدانیة تتعلق باھتمامھم بالتطور، وتدغدغ عواطفھم بالحدیث عن تعاملھم مع صعوبات العمل وتجاوزھم للمشاكل والعثرات التي تواجه الغالب منا.
ومع تحول الدورات التدریبیة إلى مواد مبتذلة لا تزود المتدرب بتلك المخرجات التي یسعى لھا لتطوره الشخصي والوظیفي، تسعى ھذه المقالة إلى معالجة بعض الجوانب التي یجب التفكیر بھا عند اختیار الدورة التدریبیة والطریقة الصحیحة لاختیار الدورة.
لماذا ھذه الدورة تحدیدًا؟
اختیار الدورة التدریبیة مبني على العدید من الجوانب أھمھا الھدف الذي تریده من أخذك لدورة معینة، حیث سیكون أسوأ جواب على الإطلاق عند سؤالك عن سبب اختیار ھذه الدورة ھو “أنني أرغب بتجمیع مجموعة من الدورات”، فتكون بذلك قد تغافلت عن الھدف الأھم للدورات التدریبیة، وھو كسب علم أو مھارة معینة أو كلیھما، مما سیؤدي حتمًا لتطورك الشخصي والمھني، لذلك فالدورة التي تنوي أن تستثمر فیھا، یجب أن تكون خطوة في طریق تحقیق أھدافك الشخصیة المستقبلیة، كأن یكون مقصدك ھو تطویر نقطة محددة في شخصیتك، سواء كان ذلك باكتساب مھارة جدیدة أو أن یكون استكمالاً للمسار الوظیفي الذي رسمته لنفسك، فعندما یكون ھدفك ھو الوصول لمنصب مدیر الإنتاج مثلاً سیتم اختیار الدورات التدریبیة التي تساعد على تنمیة المھارات التي توصل لھذا الھدف، وبذلك ستختلف حتمًا دوراتك التدریبیة عن زمیلك الذي یرید أن یصبح مشرف مبیعات مثلاً حتى وإن التقت في بعض الجوانب أي أن تحدید الأھداف الوظیفیة ھو الأساس في اختیارك للدورة التدریبیة المناسبة.
تحدید المجال مقابل المسار الوظیفي
مع توفر العلم والدورات التدریبیة على الإنترنت من جامعات مرموقة عالمیًا، أصبح تحدید المجال والمسار الوظیفي أسھل بكثیر، فیستطیع الشخص أن یأخذ مجموعة دورات تدریبیة لیختبر مدى ملاءمة التخصص والمجال لأھدافه وواقع سوق العمل، لذلك لا حاجة للسفر مسافات طویلة وصرف آلاف الدولارات على دورات قد لا تكون الطریق الصحیح للمسار الوظیفي، فیمكن للشخص أن یأخذ مجموعة من الدورات التدریبیة عن بعد لیحدد ما یرید من دورات بھذا المجال، ومن ثم یتعمق ویبحث عن المراكز العالمیة التي تعطي شھادات متمیزة.
جوانب الدورة التدریبیة التي یجب معرفتھا
غیر الإعلان الذي یطرح لجذب المتدربین بعبارات منمقة وصور لافتة ھناك عدة جوانب یجب الاطلاع علیھا وطلبھا من المركز التدریبي لتكوین صورة واضحة عن الدورة التدریبیة:
- المحتوى التدریبي
من المھم معرفة أن الإعلان لا یظھر أكثر من 50% من التفاصیل التي یجب معرفتھا عن الدورة التدریبیة وأھم ما في ذلك ھو معرفة المحتوى التدریبي التفصیلي الذي لا یقوم أي مركز تدریبي بطرح أي دورة دون كتابته وتوضیحه وأخذ الموافقة علیه، فالمحتوى التدریبي یضم إلى جانب التفاصیل اللوجستیة والأھداف العامة والمخرجات، ھدف كل یوم تدریبي وتفصیل بالعناوین التي سیتم تناولھا، عادة لا یتم إرفاق المحتوى التدریبي في الإعلان، فیمكنك عندھا طلبه من المركز التدریبي لمساعدتك على أخذ القرار بشأن المشاركة أم لا.
- المدرب والمركز التدریبي
مع ظھور العدید من مشاھیر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من الضروري البحث الجید عن المدرب والمركز التدریبي، فالسمعة العامة المنتشرة لیست كل شيء، بعض المراكز تستغل أسماء دول عربیة مثل الإمارات المعروفة بتطورھا الإداري والخدماتي للتسویق لأنفسھم، ویستغلون شراكات مع جامعات أجنبیة للتسویق وربما لا تكون الجامعات ذات سمعة جیدة في بلدھا الأصلي، فالبحث ھنا ھو المھم، لا یجب التسلیم فقط بما یطرحه المدرب أو المركز التدریبي فقط، فالبحث ھنا یشمل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونیة وأسماء الجامعات التي تطرح في الإعلان كشریك أو كجھة تعطي شھادة معتمدة منھا، بالإضافة الى البحث عن محاضرات سابقة للمدرب مثلاً للتأكد من أن أسلوب طرحه وجوانب تدریبه ملائمة للھدف المرجو من التسجیل للدورة التدریبیة.
- سعر الدورة التدریبية
من المھم معرفة عدم صحة فرضیّة وجود علاقة طردیة بین الفائدة من الدورة التدریبیة وسعرھا المطروح، فلا یعني بالمطلق أن الدورة التي تدفع علیھا الآلاف ستعطیك الفائدة المرجوة، بل على العكس، فھناك دورات من مراكز عالمیة ترسل لك المادة “العلمیة” التدریبیة بالإضافة لخضوعك للامتحان العالمي ولا تكلف أكثر من $1000، بینما تطرح دورات تدریبیة من مركز متواضع ومدرب لا یمتلك الشھادات والخبرات المتطورة المواكبة للتقدم بما یزید عن 5000 $ في بعض الأحیان.
في النھایة فالسعي للتدریب والتطویر ھو مسؤولیة فردیة تأتي من تحدید الاحتیاج التدریبي للفرد والبحث المتواصل للوصول للمكان الصحیح الذي یوصل للمخرجات المطلوبة، ومن المھم معرفة أن الھدف من أي منشأة أو مركز تدریبي ھو الربح والانتشار بكل الطرق المتاحة، لذلك یجب أن یكون الشخص یقظًا لكي لا ینجذب للوسائل التسویقیة التي ربما تكون مزیفة.