قبلت حركة حماس وإلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي إذاً دعوة حركة فتح لحضور مؤتمرها السابع المقرر الثلاثاء في مدينة رام الله، بالضفة الغربية، هذا القبول الذي يعتبر “إيجابياً” على وضع العلاقة بين فتح وحماس، هل سينعكس على المصالحة بينهما، وما هو موقف حماس من دحلان، وهل قبولها دعوة فتح التي يديرها عباس ينفي نية تحالفها مع دحلان؟
لا يزال يحاول رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس التخلّص من الضغوط العربيّة لعقد مصالحة مع القياديّ المفصول من حركة فتح محمّد دحلان، والالتفاف حول خارطة الطريق العربيّة والتي تقوم على عقد مصالحة داخلية في حركة فتح بين عباس ودحلان يتبعها مصالحة بين حماس وفتح لتنتهي تلك الخارطة بعقد سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وذلك عبر استئناف جلسات المصالحة الفلسطينيّة مع حماس، والتي تستضيفها قطر منذ عام 2012، فيما جمدت القاهرة في يوليو 2013، لقاءات المصالحة التي كانت تستضيفها منذ يونيو 2008، جراء العلاقة المتوترة بين نظام السيسي وحركة حماس بعد اتهام القاهرة للحركة بالتدخل في الشؤون المصرية.
وارتفعت حالة التوتّر في العلاقة بين عبّاس والرباعيّة العربيّة في 4 أيلول/سبتمبر الماضي على خلفيّة المصالحة مع دحلان، بعد تصريحات عبّاس ومسؤولين في السلطة أهمهم أحمد مجدلاني وعزام الأحمد طالبوا فيها “بعض العواصم بعدم التدخّل في الشؤون الفلسطينيّة الداخليّة”.
في المقابل هاجم الإعلام المصري والإماراتي الرئيس عباس واتهم الأول في 5 سبتمبر الماضي عباس بأنه “متناقض.. وله ألف وجه”، فيما طالب الثاني في 10 سبتمبر الماضي عباس بالرحيل واتهمه بأنه فرض نفسه وصيًا على الشعب الفلسطيني بالقوة، ويعبث بقضيته، ويبدد الحقوق الوطنية، ويساوم عليها”.
حماس بين عبّاس ودحلان
حماس كان قد أكدت مؤخراً على لسان القيادي فيها صلاح البردويل أن لا علاقة لحركته من قريب أو بعيد بالخلاف الدائر بين رئيس السلطة رئيس حركة “فتح” محمود عباس والقيادي المفصول من “فتح” محمد دحلان.
وأوضح البردويل في تصريحات صحفية أن “الذين يريدون الربط بين إفراج الأجهزة الأمنية في غزة عن القيادي في حركة فتح زكي السكني والسماح له بالسفر للعلاج في الخارج، بوجود صفقة لحماس مع دحلان، مضللون ليس إلا”، على حد تعبيره.
وأضاف: “لا وجود لأي صفقة بيننا وبين دحلان، والسكني قضى معظم فترات محكوميته، وقد تم الإفراج عنه قبل نحو شهرين، وتقدم بطلب للعلاج في الخارج، وقد تم السماح له بذلك”. وأكد البردويل، أن “حماس ليست جزءا من الخلاف الدائر بين عباس ودحلان”، وقال: “نحن لا مصلحة لنا إطلاقا في هذا الخلاف، وعباس ودحلان كلاهما شريك في أوسلو، وبيننا وبينهما خلافات سياسية وأمنية كبيرة”.
عوداً على بدء، يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني د. فايز أبو شمالة في مقال منشور قبل نحو شهر إنه لو قدر لحركة حماس أن تفاضل في التحالف بين محمود عباس ومحمد دحلان، فإنها ستختار محمود عباس، وذلك لعدة اعتبارات:
أولاً: تدرك حركة حماس أن طموح عباس في المرحلة القادمة لا يتعدى حياة آمنة له ولأولاده، بينما طموح محمد دحلان يتعدى أمنه الشخصي، ويرقى إلى مستوى السيطرة على القرار الفلسطيني بشكل عام، وعلى غزة بشكل خاص.
ثانياً: لقد ولت أيام محمود عباس السياسية، فالرجل يقف في آخر المشوار، لا يقوى على الحركة، وسراجه السياسي ينطفئ رويداً رويداً، بينما أيام محمد دحلان السياسية مفتوحة على أكثر من احتمال، ويتوقد حركة ورغبة في احتواء كل شيء تحت إبطه.
ثالثاً: يفقد محمود عباس نفوذه، وتتقلص مساحة حضوره، ويتخلى عنه أقرب حلفائه، في الوقت الذي يتلقى دحلان الدعم من الرباعية العربية، ولا تغضب منه إسرائيل، ويتوسع في المساحات الشبابية التي يفقدها عباس بشكل يومي.
ويضيف الكاتب: رابعاً، يمارس محمود عباس سلطته في مدن الضفة الغربية فقط، ولا سلطة له على غزة، وتضيق عليه مساحة التأثير حتى في داخل المقاطعة، بينما يحرص دحلان على الحضور في الضفة الغربية ومخيماتها، ومن ثم الحضور الفاعل في قطاع غزة.
خامساً: قبضة عباس متراخية على الأجهزة الأمنية، بينما قبضة دحلان على أنصاره قوية.
سادساً: محمود عباس بعيد، ولا قوة دفع مصرية من خلفه تؤثر على حركة حماس في غزة، بينما محمد دحلان قريب، ومن خلفه مصر التي لا تبتعد عن قطاع غزة مقرط العصا.
ويضيف أبو شمّالة: “لم يكن بمقدور حركة حماس أن ترفض الدعوة التي وجهتها دولة قطر، فالتقت مع محمود عباس في الدوحة ثلاث ساعات، حلمت خلالها أن ترى بصيص نور يفك طلاسم الانقسام، ولكن دون جدوى، فقط ظل عباس وفياً لطبعه، ورفض أن يعطي لحركة حماس أي أمل في المشاركة في القرار السياسي، أو دعوة المجلس التشريعي للانعقاد، أو دعوة الإطار القيادي، أو التوافق على برنامج سياسي لا يعتمد الاعتراف بـ”إسرائيل”، ولا يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع “إسرائيل”، وانتهى اللقاء بين الطرفين دون فائدة ترجى، فما هي الأسباب؟
أولاً: عدم استعداد عباس لتحمل مسئولية الفشل السياسي كل السنوات السابقة، فهو حريص على ألا يدير الظهر لسياسته التاريخية، وألا يتنكر لبرنامجه، وألا يدين حلفائه، وألا يفضح مناهجه السياسي الذي أوصله للرئاسة السلطة والمنظمة.
ثانياً: عدم استعداد عباس للتضحية بنفسه وبمستقبل أولاده، ومواجهة المجهول، ولديه فرصة تأمين نفسه وولديه من خلال شركائه الطبيعيين في الخط السياسي نفسه.
ثالثاً: اطمئنان عباس لحركة حماس التي أظهرت حذرها من التحالف مع محمد دحلان.
هل يحيي المؤتمر “فتح” من جديد؟
منذ تأسيسها في 1959، لم تعقد فتح سوى ستة مؤتمرات كان اخرها في 2009 في بيت لحم علما بانه كان الاول في الأراضي الفلسطينية وجاء بعد عشرين عاما من المؤتمر الخامس.
ويعقد المؤتمر السابع الذي أرجئ مراراً في رام الله مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة ويستمر لخمسة ايام بمشاركة 1400 عضو في الحركة، ويبلغ عدد المشاركين من مؤسسات السلطة نحو 500 عضو.
ويرى محللون أن التحدي أمام الحركة يتمثل في قدرتها على الاجابة على العديد من الاسئلة في ظل استمرار حالة الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس، وتوقف العملية التفاوضية مع الجانب الاسرائيلي، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويين الاقليمي والدولي.
ويتوقع محللون أن لا يؤدي المؤتمر سوى إلى “تعزيز حضور الحركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية”، فيما أبدى آخرون تخوفهم من توجه الحركة إلى “الاستئثار بكل شيء”.
حيث تهيمن فتح على مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، في حين فقدت سيطرتها على مؤسسات السلطة في قطاع غزة لصالح حركة حماس التي بسطت سيطرتها هناك في العام 2007.
وتقود فتح منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم 12 فصيلا فلسطينيا ليس لها تأثير جوهري على قرار المنظمة، في حين ترفض حركتا حماس والجهاد الاسلامي الانضمام الى المنظمة.
منذ تأسيس حركة فتح، لم تعقد سوى ستة مؤتمرات رغم ان نظامها الداخلي ينص على وجوب انعقاد مؤتمر مرة كل أربع سنوات.
وتترقب الفصائل الفلسطينية المؤتمر وسط تقديرات أن تنعكس التغييرات التنظيمية في الحركة على تغييرات لاحقة في بنية منظمة التحرير.
كما يأمل جزء من الشارع الفلسطيني وقيادات فصائلية بأن تؤدي التغييرات البنيوية في فتح إلى الاسراع في عقد المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة ترتيب وضع منظمة التحرير، وبأن ينعكس المؤتمر أيضا على تحقيق المصالحة الفلسطينية.
لكن هناك جزءًا آخر في الشارع يقول إن المؤتمر لن يأتي بجديد على الصعيد السياسي انطلاقا من ماهية المشاركين فيه، والذين تعتبر أصواتهم حاسمة لتبني البرنامج السياسي للمرحلة المقبلة، علما بان ولاية عباس انتهت في 2009 ولم تنظم انتخابات بسبب الانقسام الفلسطيني.