ترجمة وتحرير نون بوست
تغيّرت عدة أشياء منذ تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2013، عندما ألقى كل من رجب طيب أردوغان ومسعود بارزاني خطابًا أمام عدد كبير من الناس في ديار بكر، أكبر المدن التركية ذات الأغلبية الكردية.
كان الخطاب في إطار الاحتفال بالصداقة الأبدية بين الشعبين التركي والكردي، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو العلاقة الوثيقة والقوية التي تجمع بين كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والزعيم الكردي برزاني، وفي السنوات الثلاثة التالية، لم تدم سياسة الانفتاح التركية على الشعب الكردي كثيرًا، حيث احتدمت المواجهة العسكرية بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، أما ديار بكر، فقد أصبحت مسرحًا لحصار فرض عليها منذ أشهر.
من جهة أخرى، لا زالت حكومة إقليم كردستان العراق، التي يترأسها بارزاني، تقاتل ضد تنظيم الدولة، الذي يمثّل أكبر تهديد تواجهه المنطقة الكردية منذ التسعينيات، كما أن القيادة الكردية تعاني من أزمة مالية ومن خصوم سياسيين يتميزون بالجرأة.
وفي سياق آخر، فإن معركة الموصل التي شُنّت ضد تنظيم الدولة بغاية تحرير المدينة، أصبحت تشكّل مطمعًا لعديد من القوى الإقليمية من بينها حكومة إقليم كردستان، التي قد تكون لديها الكثير لتربحه وتخسره خلال هذه المعركة، وكان الرئيس مسعود بارزاني قد وعد شعبه بإقامة استفتاء بشأن الاستقلال في المنطقة الكردية، وكذلك في المناطق المتنازع عليها، والتي حررتها قوات البشمركة من قبضة تنظيم الدولة، وفي الحقيقة، على الرغم من أن الاستقلال يُعتبر حلمًا لأغلبية السكان الأكراد، فالطريق نحو تحقيقه سيكون مليئًا بالعقبات.
بدأت الدعوة للاستقلال في مناخ من عدم الاستقرار بسبب الحرب على تنظيم الدولة فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها حيث أدت كل هذه العوامل إلى تقويض شعبية الرئيس الكردستاني، كما يواجه دور الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضًا مزيدًا من التهديد من قبل الخصوم السياسيين، خاصة وقد شكّل اثنين من أهم أحزاب المعارضة، وهما حركة التغيير الكردية والاتحاد الوطني الكردستاني، تحالفًا مشتركًا.
لم ترحب المعارضة بفكرة الاستفتاء، وفسر العديد من المراقبين ذلك بالإشارة إلى مخاطر الاستقلال، خاصة وأن إقليم كردستان قد لا يتمكن من تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة فضلاً عن التحديات التي تواجهها “الدولة الجديدة” في علاقاتها مع الدول المجاورة لها.
أولاً، كان تحسن العلاقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية ببغداد نتيجة للحرب على تنظيم الدولة، لكن تحرير مدينة الموصل، سيُعيد فتح قضية شمال العراق والمناطق المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية المركزية، بما في ذلك مدينة كركوك الغنية بالنفط، وفيما يتعلق بهذه القضية، فمن المتوقع أن تكون إيران وسوريا في صف العراق بسبب قلقهم إزاء قيام دولة كردية مستقلة، وفي هذا السياق، تُعتبر الشراكة القوية بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان محورية وجدلية في آن واحد حيث تطورت في الآونة الأخيرة، لكن في سياق مختلف جدًا.
لطالما اعتبرت تركيا أن إقليم كردستان والعراق يشكلان خطرًا أمنيًا بسبب الصراع المستمر منذ عقود مع حزب العمال الكردستاني، وأن الاستقلالية المتزايدة لحكومة إقليم كردستان ستكون بمثابة “الكابوس”، لكن ذلك تغير منذ سنة 2007، عندما اعتمد رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، سياسة جديدة تجاه إقليم كردستان، مما خلق بيئة سياسية جديدة جعلت العلاقة بين أنقرة وإقليم كردستان، خاصة مع برزاني وحزبه مفيدة لكلا الطرفين.
ازدهر اقتصاد إقليم كردستان وأصبحت المنطقة الكردية سوقًا مهمة بالنسبة لتركيا، وأظهر كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني قدرًا من التقارب السياسي خاصة في مواقف كل منهما تجاه الرأسمالية فضلاً عن موقفهما المرحب بالمستثمرين الدوليين، كما أن علاقة أردوغان مع كل من برزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني خدمت مصالح تركيا، خاصة في منافستها مع الأحزاب القانونية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني، وفي الوقت ذاته، استغل برزاني هذه الصداقة الجديدة لتحقيق التوازن في العلاقات المتدهورة مع حكومة العراق.
وقد اعتبر المجتمع الدولي أن العلاقة بين تركيا وإقليم كردستان خطوة إيجابية، لأنها أدت إلى نوع من الاستقرار، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلاً بسبب الأزمات المتتالية في المنطقة، فإيران وتركيا لهما مواقف مختلفة تجاه الحرب الأهلية السورية، كما أن تراجع قوة تنظيم الدولة أثار تساؤلات بشأن مستقبل شمال سوريا وشمال العراق، وقد أظهرت أنقرة مؤخرًا رغبتها في لعب دور كبير في مرحلة ما بعد تحرير الموصل، الأمر الذي سيخلق توترًا مع بغداد وطهران.
إن مواقف الأحزاب المعارضة في حكومة إقليم كردستان، خاصة منها الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب التغيير الكردستاني، تبدو مشابهة لتلك المواقف التي عبّر عنها كل من قادة العراق وإيران، الأمر الذي يُعدّ إشارة على مدى “ديناميكية” المنطقة، وفي السنوات القليلة الماضية، كانت قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني قادرة على تعزيز علاقاتها مع طهران كوسيلة رد على علاقات برزاني مع تركيا، أما العوامل التي أدت إلى تزايد التوتر في صفوف الأحزاب الكردية العراقية، فهي تتعلق بصفة خاصة بالأزمة المالية وتسييس قوات البيشمركة وتمديد فترة رئاسة برزاني.
كما يجب أن يُؤخذ الصراع “المتجدد” بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، بعين الاعتبار، فقد انتهت سياسة التقارب بين تركيا والحكومة الكردية في صائفة 2015 ووصل الصراع بين الطرفين إلى أسوأ مراحله، بعد تدخل تركيا في سوريا في شهر آب/ أغسطس الماضي بهدف احتواء توسع القوات الكردية.
وفي مناخ من عدم اليقين بشأن مستقبل محافظة نينوى وتصاعد التوتر في حكومة إقليم كردستان، وتشابه المواقف بين الأحزاب الكردية والقوى الخارجية (مثل تركيا وإيران على سبيل المثال)، قد يُعدّ الشرق الأوسط أرضًا خصبة لحرب أخرى بالوكالة.
وفي ظل هذا المناخ الإقليمي، فإن الاستقلال القائم على جانب واحد (حكومة إقليم كردستان) قد يسبب مزيدًا من عدم الاستقرار وقد يؤدي أيضًا إلى حرب أهلية، كما أن الأطراف الإقليمية المعنية بالأمر ترى أن مستقبل شمال العراق سيجعل استقرار العراق وتركيا على المحك، بالإضافة إلى أن إدارة ترامب قد تحرص على عدم تدخل الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدخل مباشر من إيران وتركيا، مما قد ينجر عنه عواقب وخيمة خاصة وأن الولايات المتحدة لا زالت تحاول إيجاد حل من شأنه إرضاء كل الأطراف.
أولاً، على واشنطن أن تحاول ضمان السيادة العراقية لتفادي خطر تفكك الدولة، ثانيًا، يجب أن يكون العراق على استعداد للتفاوض على حل جديد للمناطق السنية التي كانت أو لا زالت تحت سيطرة تنظيم الدولة، كما أن بإمكان تركيا أيضًا أن تلعب دورًا إيجابيًا في هذه العملية، وهو دور من شأنه أن يعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي للمناطق السنية في العراق، ثالثًا، يجب تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، التي نصت على إجراء استفتاء بشأن المناطق المتنازع عليها، وإن كانت هناك فكرة استفتاء، فيجب أن يكون ذلك بالتعاون مع الأطراف الإقليمية الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن تمثل تسوية وضعية شمال العراق جزءًا مهمًا جدًا من النظام الجديد في الشرق الأوسط، وبإمكان واشنطن أن تلعب دورًا مهمًا في الاستقرار وأن تمنع الجهات الدولية الأخرى من ملء الفراغ الذي خلّفته.
المصدر: ناشيونال إنترست