مرة أخرى يتكرر الحديث عن مصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام المصري في ظل تصريحات مباشرة وغير مباشرة من الطرفين عن إمكانية عقد مصالحة والحديث عن شروطها وأشكالها التي يمكن أن يتوافق عليها الطرفان، وتبدو أحاديث المصالحة من كثرة تكرارها في السنوات الأخيرة، من وجهة نظر البعض، وكأنها ليست أكثر من شائعات إعلامية لا تستند إلى حقائق تدعم وجودها.
إلا أن وضع النظام المصري وما يعانيه من أزمات اقتصادية قاسية، ووضع جماعة الإخوان التي ينفرط عقدها يومًا بعد يوم، يشير إلى أن ربما تكون أحاديث المصالحة في هذه المرة تحمل قدرًا من الواقعية والحقيقية، الأمر الذي يتطلب الإجابة عن السؤال التالي: هل ثمة مصالحة حقيقية بين الجماعة والنظام، وما المكاسب والخسائر المتحققة لكلا الطرفين في حال إتمام هكذا مصالحة؟
مصالحة أم تسوية؟
في ظل نظام حاكم رسخ وجوده من خلال مجازر راح ضحيتها مئات القتلى من الشعب المصري واعتقال الآلاف والملاحقات الأمنية لكل من يعارضه، سيكون من الصعب الحديث عن عملية مصالحة وفق ما يقتضيه المصطلح من خطوات وفي إطار أشمل وأعم من جماعة الإخوان، ومن خلال مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الخاصة بعودة الحياة السياسية، وإقرار قواعد عدالة انتقالية تشمل محاولات لإعادة الحقوق لمن تضرروا خلال الفترة السابقة.
إلا أن المصطلح الذي ربما يكون الأقرب إلى الواقع والذي يتوافق مع استمرار وجود السيسي على رأس النظام، هو عملية “تسوية” والتي لن تخرج عن إطار الإفراج عن بعض المعتقلين والسماح للجماعة بالانخراط مرة أخرى في المجتمع والقيام بأدوارها المجتمعية سواء الدعوية أو الخدمية، وربما إعطائها نفس المساحة المتاحة في تلك المجالات قبل ثورة يناير، لكن دون الاقتراب من مساحة العمل السياسي من قريب أو بعيد.
مؤشرات على طريق التسوية
إلقاء الحجر في المياه الراكدة، ربما يمثل هذا الفعل الوصف الدقيق لتصريحات إبراهيم منير نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين بشأن المصالحة والتي أكد فيها أن البعض يعلق المصالحة في رقبة الجماعة ورقاب الفصائل الشريفة المعارضة للانقلاب، ودعا حكماء الشعب أو حكماء الدنيا إلى رسم صورة واضحة للمصالحة، على حد تعبيره، وبالرغم من نفي إبراهيم منير لما قد يُفهم من تصريحاته على أنها رغبة من جماعة الإخوان في إتمام مصالحة مع النظام، وما تبعه من بيان رسمي من الجماعة تنفي فيه وجود أية نية للمصالحة مع النظام الحالي، إلا أن مثل هذه التصريحات التي تخرج من أكبر قيادة في جماعة الإخوان المسلمين حاليًا لا يمكن اعتبارها مجرد خطأ غير مقصود أو رسالة غير واضحة.
فعلى أقل تقدير تُفهم مثل هذه التصريحات، في فضاء العمل السياسي، على أنها بالونات اختبار أو جس نبض لطرفي المصالحة، وجمهور الإخوان ورافضي الانقلاب، من ناحية أخرى وعلى إثر تصريحات جماعة الإخوان، لم يخرج تصريح رسمي من النظام المصري بشأن المصالحة مع جماعة الإخوان في حين أن البعض فسر إلغاء أحكام الإعدام والمؤبد الصادرة ضد قيادات الإخوان في قضية التخابر مع حماس على أنها رسائل غير مباشرة من النظام إلى جماعة الإخوان بخصوص إمكانية إتمام مصالحة ما.
ما يمكن أن تحققه التسوية للنظام
بدا واضحًا في الشهور القليلة الماضية تعرض النظام المصري لعدة أزمات اقتصادية حادة، ومن ناحية أخرى توتر في العلاقات مع المملكة العربية السعودية فقد على إثرها أحد أهم الداعمين الإقليميين له منذ انقلاب 3 من يوليو 2013، وساهمت هذه الأوضاع بشكل فاعل، خاصة بعد قرارات تعويم الجنيه المصري وتخفيض دعم الوقود، في امتداد تأزم الأحوال المعيشية لعدة قطاعات داخل الشعب المصري، ومن ثم فقد النظام جزءًا ليس بالقليل من شعبيته، وهو ما يجعل تسوية ما مع جماعة الإخوان بالرغم مما تمر به الجماعة من أزمات، أمرًا يمكن أن يمثل عدة مكاسب للنظام الحالي:
1ـ أحد أهم الأهداف الرئيسة للنظام في ظل سعيه إلى جذب استثمارات أجنبية والاقتراض من الخارج، هو تخفيف الضغوط الدولية المتعلقة بالجانب الحقوقي والحريات العامة وإثبات ذلك من خلال إتمام تسوية ما مع جماعة الإخوان لتشكل رسالة إلى المجتمع الدولي، تشير إلى أن الحريات والأوضاع الحقوقية في مصر تسير في اتجاه أفضل من قبل.
2ـ رغبة النظام في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم في استدعاء من يستطيع القيام بأداء دور مجتمعي بات النظام في أمس الحاجة إليه، وهو ما يعني سماح النظام للإخوان بالعودة مرة أخرى للانخراط في العمل الدعوي والخدمي مع المجتمع، دون الاقتراب أو المشاركة في أي عمل سياسي، ومن ثم المساهمة بشكل غير مباشر في التخفيف من وطأة الحالة الاقتصادية المتعثرة وتهدئة الشارع المصري.
إلا أن النظام الذي اعتمد بالأساس في شرعيته على إقصاء الإخوان وتسويق المعركة معهم على أنها معركة صفرية لإنقاذ الوطن، سيكون من الصعب عليه العودة مرة أخرى إلى مربع التسوية دون أن يقوم بعملية تمهيد إعلامية واسعة، على غرار ما قام به من شيطنة ممنهجة لجماعة الإخوان من خلال أدواته الإعلامية على مدار الثلاث سنوات الماضية، وهو الأمر الذي يمكن أن نلاحظه من خلال بعض الأصوات المحسوبة على النظام والتي تنادي بوجوب إجراء مصالحة مع جماعة الإخوان.
ما يمكن أن تحققه التسوية للإخوان
في ظل الأزمات المتكررة التي تعرضت لها جماعة الإخوان منذ انقلاب 3 من يوليو 2013، يبدو منطقيًا أن تسوية ما تشمل خروج آلاف المعتقلين من السجون وعودة الجماعة مرة أخرى للاندماج داخل المجتمع، يمكن أن تمثل مرحلة لالتقاط الأنفاس، إلا أن الأمر يحمل في طياته عدة مخاطر يمكن أن تؤدي إلى غياب الإخوان عن المشهد في الفترة القادمة والإضرار بالثورة وتنظيم الإخوان على حد سواء.
حيث تمثل جماعة الإخوان العصب الرئيس للثورة المصرية ولا يقلل ذلك من حجم ودور القوى الثورية الأخرى إلا أن عملية تسوية للنظام مع العصب الرئيسي للثورة بمعزل عن القوى الثورية الأخرى، ودون الحديث عن إصلاحات حقيقية تمس الحياة السياسية والحريات العامة والعمل المدني، ستمثل بشكل عملي تسوية على حساب الثورة نفسها وشركائها وهو ما يعني التأثير بشكل بالغ على مسار الثورة، وربما شهادة وفاة حقيقية لثورة يناير، ومن ناحية أخرى يمكن أن تتسبب التسوية في تعميق الأزمة الداخلية للإخوان وفقد الجماعة لقطاع عريض من أفرادها ومؤيديها.
استراتيجية استهلاك الوقت
يسعى النظام المصري إلى تمرير رسائل متعددة للقوى الثورية والسياسية الرافضة للانقلاب، تارة من خلال التلويح بإمكانية التسوية أو المصالحة وتارة بالتلميح بإمكانية تغيير السيسي من خلال الانتخابات الرئاسية القادمة في 2018، وربما لن تشهد الفترة القادمة أحاديث عن تسوية بين الإخوان والنظام فقط، بل إن القوى الثورية والأحزاب الرافضة لانقلاب الثالث من يوليو هي الأخرى ستتلقى رسائل من النظام في إطار التسوية والمصالحة أو الترحيب بالعمل داخل مصر ومعارضة النظام، وفق آليات العمل السياسي الحالي وفي ضوء إمكانية الوصول إلى الانتخابات الرئاسية القادمة في 2018، وإزاحة السيسي من خلال صناديق الانتخابات.
هذه الاستراتيجية الخادعة والتي يمكن أن نطلق عليها استراتيجية “استهلاك الوقت”، يسعى إليها النظام في محاولة منه لتخطي هذه الفترة الحرجة والوصول إلى الانتخابات الرئاسية في 2018 وتحقيق عدة مكاسب أهمها:
1ـ استيعاب بعض الأحزاب والقوى الثورية الرافضة للانقلاب تحت سقف معارضة النظام وهو ما يشير في النهاية إلى اكتساب النظام لمزيد من الشرعية، ومن ناحية أخرى انقسام تلك القوى ما بين مرحب بالعمل السياسي في إطار المعارضة ومن يرفض العمل السياسي تحت سقف النظام الحالي.
2ـ اكتساب الوقت والوصول إلى انتخابات 2018، والتي يصعب حينها تخيل أن نتيجة الانتخابات لن تكون في صالح السيسي.
3ـ ربما يكون الهدف الأخطر من تلك الاستراتيجية هو تغييب أي قوى ثورية فاعلة يمكنها في المستقبل أن تقود القطاعات الشعبية الغاضبة من الاوضاع المتأزمة والتي يمكن أن تنفجر في أي وقت.
خاتمة
في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية وحالة الارتباك التي يعاني منها النظام المصري، ربما يكون السيناريو الأقرب إلى الواقع فيما يخص مستقبل علاقته مع القوى الثورية الرافضة للانقلاب سواء كانت جماعة الإخوان أو الأحزاب السياسية الأخرى على المدى القريب، هو السعي إلى عملية تسوية مع جميع الأطراف كل على حدة، وهو الأمر الذي سيترتب عليه تحقيق عدة أهداف يسعى إليها النظام، وعلى الجهة الأخرى سيكون على القوى الثورية وفي القلب منها جماعة الإخوان إدراك ما يمكن أن تؤول إليه الأمور جراء أية تسوية مع النظام الحالي.
المصدر: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية